بالقرب من محطة الحافلات، وبجانب صناديق للقمامة، كان يقف برأس قد غزاها الشيب، وكان يرتدي معطفا مشمعا. رغم شكله الفظ كان أنيقا و كان يظهر عليه أنه رجل مهم في مأمورية مهمة.
مرت به سيدة في مقتبل العمر، كان قصدها رمي كيس أسود في إحدى الصناديق قبالته. تتبعها الرجل بطرف عينه اليسرى وهو يتظاهر بانشغاله في إشعال سيجارة. كانت تجهد نفسها في إخفاء توترها ولكن كانت ترتجف. أشعل هو السيجارة، تعثرت هي قدمها فوقعت ووقع منها الكيس. أشفق عليها، فألقى السيجارة ووثب في خطوتين طويلتين ليمد لها يده وهو يقول بصوت دافئ:
- " مهلا سيدتي .. هل أنت بخير؟ "
قالت بنبرة فيها غنج وهي ترتجف دائما:
- "شكرا لك... الكعب العالي ... أنت تعرف ... ثم قلة النور بهذا الشارع... "
رد هو عليها وقد أنساه بريق عينها أن يجذبها لتنهض:
- " محقة... قلة النور... و الكعب العالي ..."
عصرت يده لتنهض، فقال:
- " عذرا ..." ثم أعانها على الوقوف بجذبة قوية .
أخذ منها الكيس ووضعه في القمامة. شكرته على مروءته و ابتعدت بنحو خمسين مترا ثم ركبت سيارتها و غادرت. أحس هو ببلل في كفه، فتح عينه بجهد ليرى ما نوع البلل، صاح كالمسعور:
- " دم ..!."
تفحص الكيس، كان به وليد لا زال بحبل مشيمته كان مذبوحا بلا شفقة.
الأستاذ عبدالغفور مغوار
قصة رائعة مدهشة
في حوالي المئة كلمة أديت ما تريد و وضعتنا في الصورة و صدمتنا بنهاية صاعقة و مدهشة ليفتح باب التأويل
عن ماهية هذه المرأة و ما سبب رميها هذا الجنين