وعدت اليوم لهذه الزاوية لاقول أن المواقف التي لا تنسى كثيرة ولكن بالأمس تيقنت أن هنالك أيام لن تنسى أيضا .. فقد اسقطت من رزنامة المناسبات مناسبة غالية " عيد ميلاد ابنتي الوحيدة بانة " التي ازهر عند قدومها الفرح و رفعت ستائر اليأس الذي رافقني بعد قدوم ابني محمد علي "حماه الله " فكل تفكيري بات محصورا و دعائي أن يكون المولود الثاني أنثى ..فأمنية زوجي و دعائه المستمر أن يرزقه الله الذكور فقط .. هي غريزة داخلية توارثها عن والدته رحمها الله .. و سأعود إليها في مرة أخرى إن شاء الله ..
بالأمس استيقظت مبكرة ليس لأن هذا اليوم يصادف عيد ميلاد ابنتي " بنبونة " كما احب أن أناديها به وخاصة عندما تشاغبني و تداعب أوقاتي بدلالها الذي اكتسبته يوما بعد يوم فقد كان حناني و حبي لها منذ اللحظة الأولى وقود ثقة
يقود قطار أيامها نحو حياة ملؤها السعادة و الفرح .. فكانت الإبتسامة لا تفارق شفتيها الصغيرتين كحبة فستق حلبي
لـــ تسرع غمازات وجنتيها باتخاذ موقعيهما الجميل
توجهت لغرفة نومها تأملتها بصمت و الحوار الداخلي يكاد يقطّع قلبي .. كانت عيوني تقيس طولها بالدموع و تتأمل ملامحها البريئة و تتفحص كل تفاصيلها .. ويردد قلبي ماشاء الله يا حبيبتي متى كبرت ؟ رغم أن علامات النمو تبدو جليا يبدو ما تنقشه السنين على حائط العمر يشي بذلك ..
صدقا لكن لا أعلم لما قلبي ذاته لا يصدق ذلك و يصر على رؤيتها للآن وهي بعمر 15 سنة طفلة ذات الأعوام الأربعة أو الخمس على أكبرتقدير ..
ايقظت بانة و أنا ارسم ابتسامة مرتبكة لعلها تصد جيش الدموع الذي اصطفّ بأمر الحب على حدود الأجفان ..و إذا بالصمت يزمم شفاهي و يمنع شلال الحروف من تدفقه و انهمار القبلات على وجهها الجميل ..
انسحبت من غرفتها وكل ما بي يوبخني و يقول أسأت التصرف .. و انهزامك أمام حزنك عواقبه كبيرة .. لكن مع تمدد ساعات النهار و اختلاط الأحداث و تنوعها حاولت أن أبدي حزما على عواطفي و اوقف تمردها .. فالأمر رغم بساطته وقعه كبير في النفس ..
استدرت للخلف فجأة و أنا أهيئ طعام الغذاء فالضيوف في انتظاره على أحر من الجمر .. و نظرت اليها مستفسرة عن أمرما ..فوجدتها تعوم في بحر من الدموع الصامتة وهي تتأمل قطتها " ياسمين " او كما تحب أن تناديها " ياسو " .. نعم كما توقعت أن يكون هذا اليوم من الأيام التي لن تنسى .. حاولت أن أدمج تفكيرها في أمر ظننت أنه سيسعدها .. و أن أغريها بالتسوق و أن بامكانها اختيار ما تحب في هذه المناسبة .. لكنها لم تنبز بكلمة .. و نهضت من على الكرسي تحضر ما طلبتُ و غادرت شرفة المطبخ تاركة قطتها تموء بحنان وكأنها تشعر بحزن صاحبتها ..
لم اتوقف عند هذا الموقف استطعت أن اقنعها بالذهاب للتسوق و اشتريت لها ما اعلم أنه يسعدها و تحتاجه .. و توجهنا لماركت الحلويات و اشترينا قالب كيك و بعض البيتي فورات و شموع و عصائر و مياه غازية رغم علمي برفض زوجي لأي مظاهر احتفالية كنوع من التضامن مع ما يحدث في الوطن الغالي سورية .. ايمانا مني أن الحزن المرسوم في قلوبنا و حولنا .. لا يجب أن يحول الطفولة إلى أخاديد من اليأس .. يكفي الغربة الجبرية .. و ما تلاها من مصاعب و مفاجآة .. وما تتركه يوميا من أثر ووجع
عندنا للمنزل نجر الفرحة جرا و نتصنع البسمة .. لكن عيوننا كانت في حالة هروب مستمر .. غاب عنها لحظات التأمل و السفر من خلالها لما في الأعماق .. فكلنا اصر على عدم النظر في عيون الآخر دون أي اتفاق مسبق ..
و استرجعت المناسبة منذ عام عندما دخلت للفيس بوك و لمواقع أخرى ونثرت كلماتي و صور ابنتي الغالية بالعمر الذي أراها فيه دوما .. و كانت فرحتي تقفز من الحروف و الكلمات .. فقد كانت انعكاس لفرحة " بانة " رغم بعض الحزن الداخلي .. لكن هذا العام وقفت صامتة طيلة اليوم حتى رسائل التهنئة من إخوتي و أحبتي و احبتها لا أعلم كيف نسيتُ لأول مرة الإطلاع عليها .. فقد رفضت " بانة" أن تطفئ الشموع هذا العام ولم تعترف بهذه المناسبة وهي بعيدة عن بيتها و ووطنها و احبتها و اقاربها التي تعشق ..
دخلت قبل انتهاء اليوم بقليل للفيس بوك و إذا بي اجد في انتظاري العديد من كلمات التهنئة فأكملت رحلة البكاء منفردة هذه المرة .. و لساني حالي يردد أي عيد و اي فرحة و أي تهاني ... و وجدتني اكتب التالي .. :
عام جديد يمر يا حبيبتي لا بد أن أقف لحظة تأمل و انفض عني أثار الكوارث و الهموم .. و أمتشق قلمي و أتظاهر
بالاستعداد لإحياء المناسبة .. رغم ما حمله لي هذا التاريخ سابقا من فرح بقدومك ..لكن هذا العام حمل لنا هذا الكثير من الألم .. و وقف عائقا في طريق البهجة .. كيف لا و نحن خارج جدران منزل جمعنا على الحب و احتفظ بكل ذكرياتنا و خاصة الحلوة منها ..
في هذا اليوم " سابقا " كم وكم رددت جدرانه صدى ضحكاتنا و كلمات التهاني المتمايلة على ايقاع النبض من شفاه أحببتِ مشاركتها لك هذه الفرحة ..مهما حاولت أن أتصنع الفرح لن استطع .. فقد فشلت ملامحي ارتداء أثوابه ..
و مهما حاولت يا حبيبتي أن أحثك للجلوس على عرش البهجة ولو ليوم واحد و بشتى الإغراءات و الوسائل و الطرق ..
وجدتك تحضنين ذكريات مضت و تتربعين على عرش الدموع
و أنا التي ظننت أن جرعات الحنان و كلمات الحب المزركشة كابتسامتك التي غيرت حياتي منذ النظرة الأولى .. تكفي
لإعادة الفرحة لوجهك الجميل و قلبك الصغير .. و كفيلة في تناسي الواقع الحزين ........... نعم عبثا كانت محاولاتي .. ...........
و بقيت جملة " كل عام و أنت بألف خير " تتأرجح على شفاه ترتجف .. تخفي صرخة حزن مدوية .. و أمنيات بأن يكون سنين عمرك القادمة تحمل لك كل السعادة و الفرح .. و تعيد إليك كل ما تحبين ... و تعيدك الى كل ما تحبينه .. و الى وطنك الغالي سورية.. و إلى اللاذقية الحبيبة
وختمت قائلة :
ستبقى قصيدة خالك الحبيب د. عدي شتات أجمل كلمات تهنئة لك يا حبيبتي
إلى حبيبتي بانة في عيد ميلادها
شعر : د.عدي شتات
"بانــه"(1)..!! وتُقْبِـــلُ.. لا أرى
----- فــــي الكــــونِ أحلــى مــن خُطاهــا
وتـــــدورُ حـــولـــي كـالــفــــرا
..........شِ.. وتختَفــي كــيْ لا أراهــا..!!
بــانــــه..!! وتــرسِــــمُ بـســمَــــةً
----- والــله لا أهْـــــوىَ سِــواهــــا..!!
تــخــتــــال جَـــذْلـــىَ كُــلَّــمـــا
----- عـانَـقْـــتُ مـــــا عـتَـقَـــتْ يَـداهــــا
فـأضُــمُّــهــــا فـــــــي لــهــفَـــــةٍ
والشـــوق يُـشْـــرِقُ مِــــنْ سَنـــاهـــا
***
بـانـــه..!! و يحـتَـفِـــلُ الـزمــــا...
...........نُ علـى هديـلٍ مــن لَمـاهـا
تـهـتـــزُّ فـــــي صـــــدري وتَـــــبْ
حَــثُ عن "محمَّـــدَ"(2) مقلتاهـا
----- و تـراقـــص الأطـيــافَ.. تـــطْ
رُدُهـا.. فتُبْـعَـثُ مــن صِبـاهـا
-----وتـعــودُ تـبـحـث عـــن مـحــمْ
مَـدَ والنَّـدى فـي الـوجـه تـاهـا
----- تَتَخَـاطَـرُ الأبـعـادُ فــي فـمـهـا
وتـــســـرح فــــــي رؤاهــــــا
----- وتُـلاحِــقُ الأنْــظــاَرَ.. تُــــفْ
صِــحُ حُـمْـرَةٌ عَـــنْ مُبْتَـغـاَهـاَ
----- فـأبُــوسُــهــا فـــــــي رِقَّـــــــةٍ
ويَـــرِفُّ قَـلْـبـي فـــي حِـمـاَهـا
(1) بانة: ابنة شقيقتي " سفــانة "
(2) محمد علي شقيق بانة
هكذا كان عيد ميلاد بانة و بجانبها أخاها محمد علي حماهما الله في الوطن الحبيب سورية