-ما هي العادة التي يتبعها أهل بلدك و تحبها وتحن اليها ؟
كان أجمل رمضان لدي و إخوتي هو الذي يأتي في الصيف رغم صعوبته لأنه يواكب العطلة السنوية لوالدي رحمه الله وكنا نقضيه في سورية و عند بيت خالتي التي عوضت مكانة جدتي رحمهما الله .. كنا نحب رمضان في سورية لأنه مختلفا كثيرا عن رمضان الذي نقضيه في الجزائر ..
ففي سورية كانت مظاهره في كل مكان منتشرة قبل أيام حملات التنظيف للمنازل و المدينة و حرص الجميع على اقتناء بعض الأواني الجديدة و الكثير من المستلزمات من خضار و لحوم و توابعهما .. و الزينة الجميلة الملونة تعلق احتفالا بقدوم هذا الضيف الكريم كما تنتشر المخطوطات في أماكن مختلفة مرحبة بقدومه .. و الأغاني العذبة عن المناسبة ..
رمضان شهر للتكافل الاجتماعي لذا يحرص الكثيرين على افتتاحه من خلال توزيع الأموال و المواد التموينية على المحتاجين سرا و علنا .. وكل من له استطاعة يحرص على وضع طاولات إما في حديقة منزله او أمام المنزل لكل من يحب أن يشاركهم المائدة من عابري السبيل و المحتاجين .. و في المساجد يحرص بعض الأغنياء على توفير التمر و اللبن و العصير و أحيانا نوع من الفاكهة و في بعض المساجد كانت توزع وجبات افطار كاملة لمن يحضر صلاة المغرب عند الأذان.. و هذا أيضا لمن يأتي مبكرا قبل صلاة الفجر ..
وأما على المستوى الاجتماعي كان اجتماع العائلة شبه يومي حول مائدة فاخرة كانت تحتوي دوما على أصناف نحبها و حرمنا منها في الجزائر بسبب عدم توفر موادها سابقا ولكن الحمد لله الآن أصبحت نوعا ما متوفرة ..( مثل البرغل و الطحينة و اللبن العدس مجروش والملوخية و البامية ... و القائمة تطول )
و بعد الإفطار تنتقل العائلة جميعها لغرفة الجلوس حول البرنامج المسلي الذي يذاع مباشرة وهو برنامج ترفيهي مع مسابقات .. ومن ثم فوازير رمضان المصرية .. التي كانت تبهرني و إخوتي حين كنا صغارا وكانت لا تعرض في الجزائر الحبيبة وقتها .. و طبعا كان على مدار الشهر تكثر تبادل الدعوات و الزيارات بين الأهل و المعارف و الأصحاب ..
و تبادل الأطباق بين الجيران و بعض الأقارب .. كنا نحن الصغار نفرح كثيرا عندما نحمل الأطباق و نعود بغيرها .. و أحيانا كنا نحمّل ببعض الحلويات و الشوكولا ..
أما المحال كانت تعج بالصائمين و الصائمات الباحثين عن احتياجاتهم اليومية .. ترى الشوارع دائمة الحركة كنت أنظر للزينة و النور الصادر منها و الملونة كعرائس البحر تتراقص فرحا لتستقبل فرحنا ..
أذكر سهرات الكورنيش الساحرة بما فيه من محال و مقاهي و مطاعم مشرعة الأبواب على مدار الساعة .. كان يكتظ بالمارة و المتنزهين .. و لا يخلو مقعدا من عائلة أو مجموعة من الاصدقاء أما نحن الصغار كنا نقضي أغلب الوقت في حديقة مخصصة لنا ملاصقة للكورنيش فيها الملاهي ونافورة ماء توسطها دائمة التدفق ..
و قبل العيد بعشرة أيام أو يزيد يفتح سوق الملابس و الأحذية محاله لساعات طويلة بعد التراويح .. حتى وقت السحور تقريبا .. فترى اللاذقية عروس الساحل قطعة من لازورد متوهجة اينما ذهبت أو توقفت ..
نعم كانت السهرات لا تنتهي غالبا الا قبل الفجر بساعة تقريبا للقيام و قراءة القرآن و الصلاة .. وكانت فرصة لنا طبعا لأننا كنا ممنوعين من السهر إلا في رمضان ..
هذه العادات كانت و لاتزال للآن في مدينة اللاذقية بل أصبحت الزينة ليس فقط في الشوارع و الأزقة بل و في داخل المنازل و على الشرفات .. و لازلنا نتبادل للآن الأطباق بيننا و بين الجيران و بين الأقارب .. لذا لم أشعر بجمال رمضان هذا العام بل شعرت بان مرارة الغربة القصرية تضاعفت .. و الحزن تناسل .. والدموع أصبحت وديانا .. و صدقا ملف المائدة وأنتم فقط و من خلال بطاقاتكم من خفف عني طعم هذه المرارة ..
ولأن للجزائر حق أيضا علي حيث قضيت فيها 17 عاما .. لابد أن أذكرها هنا أيضا .. فقد كان رمضان يمضي هادئا عموما ماعدا الساعة التي تسبق الإفطار.. كانت محال الزلايبية و قلب اللوز ( المشبك و النمورة ) تكتظ وترى الكل في الشوارع يحمل في يده كيسا من الورق إما حلويات رمضانية او خبزا أو الإثنان معا ..
و توزع في هذا الشهر الفضيل ما يسمى " بقفة رمضان " وتنتشر " موائد رمضانية " و في ليلة 27 من رمضان يتم ختم القرآن و يطهو الجزائريين طبقا موحدا .. و الكثير من العوائل الجزائرية تحرص على ختان أولادها في هذا اليوم ويرتدون لباس تقليدي جزائري جميل .. و يحتفلون بهؤلاء الصغار على مدى أيام تقبل فيه التهاني و توزع الحلويات ..
أما السهرات لم تكن تختلف كثيرا عن الأيام الاعتيادية .. فمن المعروف عن المجتمع الجزائري النوم مبكرا .. و النهوض قبل السحور بوقت قصير .. كنت أحب في الجزائر رمضان الذي يأتي في وقت الدراسة لأننا نلتقي مع الأصدقاء و نتبادل الأحاديث عن يومياتنا في رمضان و نلعب البوقالة و الألغاز المختلفة أوقات الفراغ و في الفرص .. أما البرامج فكانت خفيفة الظل يلونها الفكاهة و أخرى دينية .. و يحرص التلفزيون الجزائري ان يعرض مسلسلا مصريا جميلا كل رمضان
= هذا العام و في تركيا الآن لم ألحظ تغيرا واضحا في المحال او الشوارع و لا حتى عند غالب الأتراك .. بل حتى الصوم هو نسبي لا يهتم به الكثيرين .. و تلقى الناس في المطاعم و المقاهي و في الشارع يتناولون السندويش و المثلجات كأمر عادي و لا يعنيهم من هم صائمون ..
أما من يصوم رمضان منهم يتبادلون الدعوات و يهتمون بالمائدة و يتبادل بعض الجيران اطباق الطعام .. أما السهرات فهي نسبية .. ولا يغيرها رمضان .. و كما قال لي بعض الجيران من يعرفون اللغة العربية يتابعون محطات عربية في رمضان لان الفضائية التركية لا يوجد فيها تغير من أجل رمضان هذا ما نقل الي و الله أعلم ..