يضرب في اعتقاد الأقارب بعضهم ببعض وعجبهم بأنفسهم
قيل لأعرابي: ما أكثر ما تمدح نفسك! قَالَ: فإلى من أكِلُ مَدْحَها؟ وهل يمدح العروسَ إلاَ أهلها؟
أي جَزَاني جزاءَ سنمار، وهو رجل رومي بَنَى الخوَرْنَقَ الذي بظَهْر الكوفة للنعمان بن امرئ القيس، فلما فرغ منه ألقاه من أعلاه فَخَرَّ ميتاً، وإنما فعل ذلك لئلا يبني مثلَه لغيره، فضربت العرب به المثلَ لمن يجزي بالإحسان الإساءة، قال الشاعر:
جَزَتْنَا بنو سَعْد بحُسْن فَعَالِنَا = جَزَاء سِنِمَّارٍ وما كانَ ذَا ذَنْب
ويقال: هو الذي بنى أطمَ أحَيْحَةَ ابن الجُلاَح، فلما فرغ منه قال له أُحَيْحَة: لقد أحكمتَه، قال: إني لأعرفُ فيه حجرا لو نُزع لتقوَّضَ من عند آخره، فسأله عن الحجر، فأراه موضعه. فدفعه أحيحة من الأطم فخرّ ميتاً.
قاله أعرابي تعرض لمعاوية في طريق وسأله، فقال معاوية: مالك عندي شيء، فتركه ساعة ثم عاوده في مكان آخر، فقال: ألم تسألني آنفاً، قال: بلى، ولكن بعضُ البقاع أيْمَنُ من بعض، فأعجبه كلامه ووصَله.
زعموا أن قومًا من العرب كانت لهم ماشية من إبل وغنم ، فوقع فيها الموت ؛ فجعلت تموت فيأكل كلابهم من لحومها ، فأَخْصَبَتْ وسمنت ، فقيل : نَعِمَ كَلبٌ مِن بُؤسِ أهلِهِ فذهبت مثلاً .
زعموا أن ضرار بن عمرو الضبي ولد له ثلاثة عشر ولدًا ؛ وكلهم بلغ أنْ كان رجلاً ورأسًا ؛ فاحتمل ذات يوم ؛ فلما رأى رجالاً معهم أهلوهم وأولادهم ؛ سرَّه ما رأى من هيئتهم ، ثمّ ذكر في نفسه أنهم لم يبلغوا ما بلغوا حتى رقَّ ؛ وأَسَنَّ ؛ وضَعُفَ ؛ وأنكر نفسهُ ؛ فقال : مَنْ سَرَّهُ بَنُوهُ سَاءَتْهُ نَفْسُه فأرسلها مثلاً فقال :
إذا الرجالُ وَلَدَتْ أوْلادُهَا اااااااااافانتَقَضَتْ من كِبَرٍ أَعضَادُهَا
وجَعَلَتْ أوصَـابُها تَعْتَادُهَا تتتتااا فهي زُرُوعٌ قَدْ دَنَا حَصَادُهَا
رأسًا : أي مقدمًا في قومه ، احتمل ذات يوم : طلب من بنيه أن يحملوه لعجزه عن القيام بنفسه ، فلما رأى رجالاً : أي رأى أولاده قد أصبحوا رجالاً ، انتَقَضَتْ : اضطربت ، أَعضَادُهَا : أَعضَاؤُهَا ، أوصـابُها : أمراضها ، أنكر نفسهُ : رأى من نفسه غير ما ألف فيها من قدرة وقوة .
زعموا أنَّ الهذيل بن هبيرة ، أخا بني ثعلبة بن حبيب بن غنم بن تغلب بن وائل ، كان أغار على أناسٍ من ضبة فغنم ثم انصرف ؛ فخاف الطلب فأسرع السير ، فقال له أصحابه : اقسمْ بيننا غنيمتنا ، فقال : إني أخاف أن تشغلكم القسمةُ ، فيدرككم الطلب فتهلكوا ، فأعادوا عليه ذلك مرارًا فلما رآهم لا يفعلون قال : إذا عَزَّ أَخُوكَ فَهِنْ فأرسلها مثلاً ، وتابعهم على القسمة .
زعموا أنَّ رجلاً بينما هو في بيته إذ جاءه ضيف فنـزل ناحيةً فجعلت راحلته تَرْغُو ؛ فقال ربُّ البيت : من هذا الذي آذانا رُغاءُ راحلته ولم ينـزلْ علينا فيستَوجِبَ حقَّ الضيف ؟ فقال الضيف : كَفَى بِرُغَائِهَا مُنَادِيًا فذهب قوله مثلاً .
وزعموا أنَّ قوماً كانوا في جزيرة من جزائر البحر في الدهر الأول ، ودونها خليج من البحر ، فأتاها قوم يريدون أن يعبروها فلم يجدوا معبرًا ، فجعلوا ينفخون أسقيتهم ثم يعبرون عليها فعمد رجل منهم فأقل النفخ وأضعف الربط ، فلما توسط الماء جعلت الريح تخرج حتى لم يبق في السقاء شيء ، وغشيه الموت فنادى رجلا من أصحابه أن يا فلان إنِّي قد هلكت . فقال : ما ذنبي يَدَاكَ أَوكَتَا وَفُوكَ نَفَخْ فذهب قوله مثلا .
يُضربُ لمن لا يحسن الإعداد لأمره مع قدرته عليه ثم يطلب العون من غيره.
أَوكَتَا : من قول العرب أَوكَيْتُ السقاءَ أي شددته .
زعموا أنّ رجلين من أهل هجر أخوين ركب احدهما ناقة صعبة ، وكانت العرب تُحَمِّقُ أهل هجر ، وأنّ الناقة ندَّتْ ، ومع الذي لم يركب منهما قوس ونبل ، واسمه هنين ، فناداه الراكب منهما : يا هُنينُ أنزلني عنها ولو بَأحَدِ الـمَغْرُوين ـ يعني سهمه ـ فرماه أخوه فصرعه فمات فذهب قوله : ولو بَأحَدِ الـمَغْرُوين مثلا .
كان الناس يتبايعون على طلوع الشمس وغروب القمر من صبح ثلاث عشرة ليلة تخلو من الشهر : أتطلع بعد غروب القمر أم قبله ، فتبايع رجلان على ذلك ، فقال أحدهما : تطلع قبل غروب القمر ، وقال آخر : يغيب القمر قبل طلوع الشمس ، فكأن قوم اللذين تبايعا ضلعوا مع الذي قال إن القمر يغرب قبل طلوع الشمس ، فقال الآخر : يا قوم إنكم تبغون علي ، فقال له قائل ، إنْ يبغ عليكَ قومُك لا يبغ عليكَ القمر ، فذهبت مثلا .