هذا أنا وحيدا دونك أمي ، ودون صوتك يقرأ لي قصص الأقزام ،دون صديقةٌ تمسح عن قلبي التعب ، أو تسكب الملح على الوجع ليذوب الحزن عني، منذ شهرين لم أر وجهي في المرآة ، ولم أعد أهتم بشكلي العابس الحزين كعادة فتيان المدينة ، لم ألبس ثوبا جميلا أستعرض به فرحي ، ولم أشتر حذاءً أسودا ذو عجلات ، لأرقص بهِ في الصالة الثلجية، مررت ذاكّ مساء وأنا أدفع عربتي المليئة بأكياس قمامتهم و حرماني ، بالقرب من رسام مجنون يعمل كهاوي بالرسم ،طلبت منه أن يرسمني ، فرسمني ، ولم أدفع له شيئا ولكنني أهديته بعض من قوت يومي ، وقفت كالحجر أمامه مستقيما بجسدي النحيل ،ووجهي العصفور الحزين لا جناح له ولا قوة ، كان المجنون يقلد لي صوت القطارات وصوت المطر ويرقص كالأحصنة البيضاء، حتى إذا خلط الألوان الزيتية الجميلة صرخ بصوت عال: لا تتكلم لاتتنفس لا تتحرك وممنوع أنت من الإبتسام ، هاأنا ياأمي ممنوع دائما من الابتسام ، رجفات يده اليسرى , دخان سيجارته الكثيف يخنقني ويحاصرني بأطياف بؤس تشبهني، وعندما أنتهى عدت لأرتداء ابتسامتي الوحيدة التي أملك حق التباه بها فشاهدت أجمل فتى أخذ عنك ابتسامتك العذبة. هذا أنا يا أمي ،أخذني الحنين فبدأت بكتابة هذه الرسالة الأجمل رغم إن مآلها في صندوق الحزن الذي أعيش بهِ ، ورغم حرارة الزمن البركاني التي تصهر أمالي، فإنني مسرور جدا بالشوق المفروز بوجداني ، و أحلم أن أملك جناحات كبيرة لأطير لأعلى السماء ، كما أنا البعيد عن بيتنا الذي يطل على أجمل نهر ، آااه من ذكريات نبع العسل والفراشات والحنين . يا أمي ، أكل هذه الحدود تفصلني عنكِ و لماذا ؟! لا شيء يستحق ، سأترك مهمة تنظيف مدينتهم وأعود إليكِ دون هذه البدلة الزرقاء التالفة ، وسأجلب لكِ ورودا كثيرة وسوف أترك لهم الأشجار التي أخلصتُ لها بكل وفاء ، فلتثمر لهم دوني ...!!لن أكون الساقي في الصباح ولا عامل النظافة في المساء ،و سأعود إليكِ ولتثلج لهم السماء رجلا مثلي.