يخرج من حقيبة يومياته نسيم أمه، ليتناسل بداخله الأمل، والدته التي كانت تعلمه السباحة في الزمن، و تزرع الريش بين مسامات جلده الضيقة، ليحلق بعيدا في عين الشمس . يدحرج نفسه المتآكلة غضبا ، يهمس بهستيريا و هو يرقب سيارته رباعية الدفع ، و قد شوه قوامها . يبحث في أرجاء المكان عن صاحب الجريمة، دون أن يمسك بمغتصب الفرح.
-أربعة في أربعة تساوي ستة عشر. ما شأنه هذا المهووس، أن يكمل المعادلة.
محفظة ذكرياته تحفظ الكثير من مواقف غبائه، فيخرج ورقة تناساها لزمن، يمارس التنقيب في كراسته البالية، يستعير من ساعته بضع دقائق ليعيد شريط أيام الدراسة. يتذكر عصا أستاذه التي كانت تصفع كفه، لا يستطيع نسيان كلمات السخرية التي لطالما وزعها في حق أمثاله من سكان القرى. ربما لأنه معلمه لم يتعلم الجري حافيا، أصبح يتكلم عاريا من الأخلاق، أو لأنه لم يجرب مطاردة نور الشمس عندما تتسلل في ثقب زريبة، و هو يداعب ذيل بقرة تجلد الذباب المعاند، أصبح معاندا لوجود الريف و الهواء.
أمالت الشمس رأسها نحو الغرب لتنبه الناس لتآكل يوم جديد، يمشط طرقات المدينة، يطارد حركات الناس، كل شيء حوله يمشي ببطء، أصبحت المدينة تزحف مثل تمساح و مستعدة لالتهامه، أحيانا يحس نفسه في تمثيلية مدبرة لتضليله، قرع النعال يبدو عاليا أكثر من صوت محرك سيارته، يسمع نبض يتباطأ شيئا فشيئا في داخل قلب فتاة هزيلة، تجلس قبالة بنك الفلاحة، و هي تتحسس السماء كي لا تفرق بينها و بين الفلاحين . تنتظر دوي انفجار قطعة حديدة نفيت من جيب أحد المحسنين. يراقب سقوط الدرهم، يسقط على مهل و كأنه تخلص من الجاذبية و لا يريد النزول عندها. أخيرا استطاع التخلص من الأسر و أصبح حرا هو أيضا.
يستقبله النسيم على الباب، كف والدته يمسح الذنوب عن جبينه مثلما نظف أوساخه في صغره، وجهه مزيج من الغضب و الحزن.
-ماذا هناك بني؟ من سرق الفرح منك.
-لقد اشتريت سبورة متحركة.
لم تفهم والدته شيئا ،واصلت بشيء من الحنان تساؤلاتها؛ لتفهم سر هذا الغضب و السخرية.
- و هل أصبحت معلما ؟
-أنت أيضا تسخرين مني ، ألأنني طردت من المدرسة تتهكمين علي؟
...ربما هو أستاذي ؛ فهو أكبر حاقد علي . كان واحدا من بين المتهمين الذي فكر فيهم، خرج من بيته متجها نحو مرآب التصليح ،فاجئه مصلح السيارت بفكرة بدت لامعة.: أتعرف ؟
: ماذا؟
: سأصنع لك بالحديد علامة =16
: رائع. : و هكذا تنتهي من هذا الأحمق.
خرج منتفخ الصدر و هو يجوب شوارع المدينة، بعد نهاية عمله قفل عائدا للبيت أين أوقف السيارة أمام البيت في زقاق ضيق حيث يسكن، عندما ترجل من سيارته استقرت كرة طائشه على رأسه، نظر حيث كان يلعب الأطفال في الزقاق ، ثار و استشاط غضبا، وزع كمية من الطين الذي ترسب بداخله عليهم.
أخذ الكرة معه للداخل، ليخرج إليهم بعد لحظات قليلة جدا و قد انتقم منهم، كان الخنجر يبالغ في بريقه و كأنه يسخر منهم، راقب الأطفال بحزن كيف يغتال اللعب.
الاستسلام مبدأ ضعيف في منطق البراءة،قاموا بتشكيل جلسة طارئة دون كلمة تنديد واحدة . خرج منهم مبارز يحمل ابتسامة على فمه الصغيرة، ركب الريح و غادر المكان. لحظات مرت على غياب المبارز، حتى عاد محملا بالفرح، إنهم مثل سنابل القمح رؤوسهم من ذهب و سيقانهم ثابتة، كانت الكرة تحلق فوق رؤوسهم، و عينيه تلاحق برائتهم و بساطتهم المعقدة.