ليس وهماً .. لم يكن وهماً ، بل هو الحقيقة التي سعيت إليها منذ ولادتي .
ها هو ذا يسكنني .. ينام تحت جلدي ، في دهاليز الروح .. بين طيات القلب ، أكاد أجزم بأنني خلقت فقط من أجل أن أحتضن حبه .. حبه الذي صار أشبه بجرح لايندمل .
قبل كل شىء لابد أن أعترف بأنني وعلى مدى عمري الذي تجاوز الثلاثين بأعوام ، توهمت الحب مرتين ، مرة في مرحلة الصبا حين أحببت ابن الجيران ، وأخرى مع زوجي ، أعني الرجل الذي كان زوجي ، ثم غادرني ذلك الوهم دونما رجعة .
أعترف أيضا بأنني كثيرا ما كنت أتوق لوجود رجل يحتويني بهوسي وجنوني ، يفجر طاقاتي .. يمتص رحيقي إلى آخر قطرة ، لكنني أجد نفسي في النهاية دائمة البحث عن شخص لاوجود له في المحيط الذي يضمني رغم أن قدمي تتعثران بعشرات الرجال كل يوم ، ولست أدري لماذا يظن البعض منهم بأنهم يحملون الرجولة في جيوبهم وخلف أزرار ملابسهم ، فيما يصارع آخرون الزمن من أجل غد مشرق .
حالمة أنا يتوسطني بركان عاطفة خامد يتوهج أحيانا ليعلن أنه في انتظار إشارة مني ليلقي بحممه على ذلك العاشق الذي طال انتظاره .. موعودة أنا بالمستحيل ، فالأيام لاتكف عن ملاحقتي .. محاربتي .. هزيمتي ، لكنني وربما هي المرة الأولى التي تمكنت فيها أن أهزم الأيام ، نعم لقد انتصرت عليها لحظة لقائي به .
قبل أن أراه كانت الأرض تميد تحت أقدام العالم بأسره ، ولأن الواقع أمر مفروض علينا ، يتعايش معنا يدخل غرف نومنا .. يتسلل إ لى أحلامنا ، كان لابد أن أحلم برجل من نوع خاص ، رجل يحمل سمات الفرسان .
في تلك الأيام المشحونة بالغضب العارم لشعوب العالم .. التقيته ، أمريكا تدق طبول الحرب على العراق بصخب أرعن ..العراق يحلف برغيف الخبز الذي حرمه الأعداء على أهله أنه لايمتلك أسلحة دمار .. أمريكا تقسم بأيمانات إسرائيل بأنه يمتلك دمارا شاملا ، ولابد أن تجرده من أسلحته ومن أرواح شعبه إن لزم الأمر .
لست أدري من أين خرج هذا الرجل ؟ من عبق التاريخ .. من عباءات الرسل .. من المستحيل الذي يطاردني ؟!
فتحت باب مكتبة تقع بجوار المسجد الذي يصلي فيه ، سلمت على صاحبيها ، رجل طيب وامرأة فاضلة ، عرفتهما منذ فترة ثم صرت أتردد عليها لنزجي الوقت في أحاديث متنوعة ، لم أصادفه من قبل حتى أنني لم أخصه بالتحية ، لكنني التفت إليه بتلقائية شديدة ، عرفته من ملامحه المزروعة في ذاكرتي منذ الأزل ، ترنح قلبي .. تعالى وجيبه .. يا إلهي أهكذا تكون المفاجآت ؟!
رجل فارع ، لم ينجح بياض لحيته في إخفاء حقيقة عمره الذي لايتجاوز الخامسة والأربعين ، ولا أعرف السر الذي أشعل شعر ذقنه بالشيب إلى هذا الحد رغم أنه لايعد كبيرا ، كل شىء فيه مبهر .. شموخه .. وقاره .. عيناه اللتان أزهقتا روحي ما إن نظرت إليهما .. أية محرقة نصبت لي أيها القدر ؟
من اللحظات الأولى وأنا على يقين بأن حبي له سوف يحكم عليه بالسجن المؤبد داخل جدران قلبي ، وليكن ، فما فائدة أن نحيا دون أن نعشق ، وما فائدة أن نعشق دون أن نلتهب ؟! هذه القسوة التي فرضتها علي الأيام هي متعتي ، لكأنني خلقت لأحترق ، لأذوب فلا يتبقى مني سوى دخان يحمل عطره .. عطره الذي تسرب إلى جلدي ذات يوم .
مهمومة أيامنا مثلنا ، الخوف يجلدنا في كل لحظة ، الأرض تغلي .. السماء تحتج ، وما بين الأرض والسماء أصوات تدعو .. تتضرع .. تتسول السلام ممن لايعرف
معنى للسلام .
في هذا الخضم الهائل من التوتر والحماس ، كانت الطريق مفتوحة أمامي للخوض معه في أحاديث قد لاتنتهي ، ورغم أنني استجمعت قواي لأبدو هادئة ، إلا أنني تبعثرت أمامه وعجزت عن لملمة شتاتي فهربت ، ثم عدت عازمة على انتزاع وعد منه بلقاء آخر .
لقد حضر بالفعل .. لماذا ؟ أتراه أحس بما تجيش به نفسي ؟ أم أنه أتى من باب الوفاء بالوعد ليس إلا ؟
مهموم هو بالأمة .. في عينيه شجون زادتني شجنا ، ران بيننا صمت طويل ، لم يكن طويلاً ، لكنه بدا لي كذلك ، لأنني استنفدت وقتا في صياغة أسئلتي ، حيث إن شعورا بالضآلة تملكني ، فأنا لا أجيد الحديث في الدين أو في السياسة ، فكيف سأحاور رجلا مثله ، لكنه وعلى الرغم من أنه بدا مجهدا ، فالشياطين تحشد الدمار لمهاجمة العراق
إلا أن أجوبته جاءتني على نحو هادئ وبسيط .
زنديقة أنا امتلأت باللذة وأنا أتفرس في وجهه الطاهر .. شياطين الأرض تتراقص في رأسي ، كم وددت أن ألقي بنفسي بين ذراعيه وليكسر بغضبه عظامي ، ماذا كان سيحدث لو لفحت وجهي أنفاسه ؟ أية خطيئة سأقترف ؟!
.. .. .. ..
بركان العواطف تفجر في داخلي .. ألقى بحممه على كل جزء من كياني ،سيل كما السعير يجرفني إلى متاهات لاأعرف دروبها ، ما من ثغرة في جدار هذا الرجل أتسلل منها إليه ، ليس أمامي إلا الصمت وفي الصمت هلاكي .
لبست رداء الصبر ، استعذبت آلامي .. اكتفيت بوجوده داخل تاريخي ، حاربت نفسي .. قمعت رغباتها خوفا من أن أرتكب حماقة تفقدني إياه إلى الأبد .
صارت المكتبة هي المكان الوحيد الذي أشعر فيه بأنني على قيد الحياة ، أصبح الهواء الذي نستنشقه معا ً له شأن آخر في مخيلتي وداخل شعابي ، ولكم تمنيت أن أتحول إلى جزيئة هوائية لتلتقطني أنفاسه ولو للحظة وليزفرني بعدها إلى الجحيم .
في الأيام التي شهدت لقاءاتنا تحطم الوهم الذي كان يملأ رأسي إزاء رجال مثله كنت قد التقيتهم من قبل ، فتجنبتهم وكأنهم هبطوا من كوكب آخر .
لقد أزاح شيخي الستار عن كنهه ، فبدا بسيطا .. متواضعا .. تلقائيا .. غير متزمت ، يضحك ، يسخر ، يحب ، يكره ، ويبكي أحيانا إذا ما فاض به .
لماذا أحببته ؟ علي أن ألتقط أنفاسي التي تقطعت وأنا أجوب المواسم والمدن باحثة عنه ، أنا أعرف الجواب ، الركام الذي خلفه زمن عابث في سراديب النفس ليس وحده الذي أغلق منافذ النور إلى القرار ، فثمة تداعيات أخرى ، الرخاء أفسد حياتي ، أقام حاجزا بيني وبين عالم من المفروض أنني أنتمي إليه ، لم أهتم يوماً بما يدور حولي ، لم أعرف ماذا تعني كلمة انتماء ، قبل أن ألتقيه كنت بحاجة إلى يد تنتشلني من السراب الذي يطوقني ، كنت أبحث عن حقيقة بعدما غزت الأوهام حياتي ؟
أية حياة تلك ؟ هل أسمي ما فات من عمري حياة ؟ الحياة هي أن تخرج من الظلمات إلى النور وسنيني ليل طويل حالك ، هو وحده الذي أضاء عتمة أيامي ، وحده من أعاد خلقي وتكويني من جديد .
لقاؤنا الأخير كان غريبا ، ترك في نفسي آثارا لاتمحى ، كان متحمسا .. متأهبا .. بدا لي أكثر شبابا بعد أن أطلق الفارس الذي ينضوي تحت جناحيه .
بحماس قلت له :
ـــ الحرب على الأبواب ، فماذا نحن فاعلون ؟
ـــ وجودنا مسألة محسوبة على الزمان والمكان ، وثمة من لايريد أن يمر مرور الكرام دون أن يسجل ولو نقطة في تاريخ هذا الوجود .
ـــ الشعب العربي محبط ، وهو لايكف عن الدعاء .
ـــ الدعاء وحده لايكفي ، هنالك من يريد نصراً مجانيا دون أن يشارك أو يدفع ثمنا، ثمة مؤامرة تحاك للأمة ولا بد أن يكون لنا دور فاعل وأساسي .
ـــ إذاً أنتم تدعون إلى الجهاد .
ـــ أنا لاأمثل سوى نفسي .
ـــ ستجاهد إذا .
ـــ من أجل ذلك خلقت .
" وأنا خلقت من أجلك "
أزمع شيخي الرحيل ليذرني أصارع تيارات شتى ، أقلب صفحات عمري المعطوبة ، يتملكني الخجل ، ترتد كلماته كالسهام :
ـــ لابد أن يكون لنا دور فاعل وأساسي .
أول صرخة للضمير تشبه إلى حد كبير تلك الصرخة التي يطلقها الوليد ما إن يولد .
شاركت في التظاهرات .. صرخت .. بكيت .. نددت ، ذاب صوتي وسط أصوات الجموع الغاضبة ، لقد بدأت أتحسس موقعي في هذا العالم .
.. .. .. ..
غصة في الروح وأخرى في القلب المغرم به أبداً ، ماجنة هذه الحياة ، ترتب ..
تخطط .. تعطي .. تمنع ، تتسبب في هلاكنا بقصد ودونما قصد .
رحل شيخي دون وداع ، الجدران تبكي فراقه ، الأرض .. السماء ..الكون ، يا إلهي
ما أتعسني ، هل ستستكين نفسي ؟ هل ستهدأ أوجاعي ؟ لماذا نذر نفسه للرحيل ؟ ولِمَ نذرت نفسي للوجع ، للحرمان ؟ إنها الحياة مجددا ، لكنها أمعنت في إيذائي هذه المرة.
استبيحت بغداد .. سكتت أنظمة .. صرخت شعوب ، وما بين الصرخة والصرخة يقف سجان ليحبس أصواتنا .. أصواتنا التي ما عادت ملكاً لنا .
ذهب شيخي ومن تطوع معه إلى العراق للذود عن كرامة الأمة ، لكنهم سقطوا في بحر من الدماء .
سقط شيخي .. .. توقف نبضه عن الحياة ، لكنه مازال ينبض في داخلي .
النصر الحقيقي هو ان يجد المرء نفسه ولو بعد حين
ايتها البارعة في السرد
واقتناص اللحظات المختلفة
حقا انها رائعة كما انت دوما
تتعرضين الى كل شيء ولاسيما تهكمك على الرجال الذين يطاردون النساء وفي دواخلهم شهريار
ولم يغادك الوجع العراقي
ولا الايماءة لدور الابطال الذين قاوموا الاحتلال برغم الاثيالات الانثوية في النص
فانه عرض جانبا آخر
وهذه مهارة تحسب لك تصوغينها في حبكة عارف
واكتفي بهذا القدر
النصر الحقيقي هو ان يجد المرء نفسه ولو بعد حين
ايتها البارعة في السرد
واقتناص اللحظات المختلفة
حقا انها رائعة كما انت دوما
تتعرضين الى كل شيء ولاسيما تهكمك على الرجال الذين يطاردون النساء وفي دواخلهم شهريار
ولم يغادك الوجع العراقي
ولا الايماءة لدور الابطال الذين قاوموا الاحتلال برغم الاثيالات الانثوية في النص
فانه عرض جانبا آخر
وهذه مهارة تحسب لك تصوغينها في حبكة عارف
واكتفي بهذا القدر
تقديري
وأنا سأكتفي بما أشرت إليه
أيها المبدع
وأحتفي بزيارتك
دمت سالما
سيدتي
مساؤك عابق بالياسمين
هذه المرة الثالثة التي أقرأ فيها رائعتك
ما يميز قلمك أنه سلاح رائع بيد أنثى أروع
تجيد استخدامه بكل ذكاء
عندما نقرأ لأحد الكتاب عن الوطن والحبيبة يكون الرد
أن الحبيبة والوطن وجهان لعملة واحدة
وهنا الوطن والفارس وسط عدد لايستهان به من الذكور
منتعلي الرجولة
دمت بكل ود
سيدتي
مساؤك عابق بالياسمين
هذه المرة الثالثة التي أقرأ فيها رائعتك
ما يميز قلمك أنه سلاح رائع بيد أنثى أروع
تجيد استخدامه بكل ذكاء
عندما نقرأ لأحد الكتاب عن الوطن والحبيبة يكون الرد
أن الحبيبة والوطن وجهان لعملة واحدة
وهنا الوطن والفارس وسط عدد لايستهان به من الذكور
منتعلي الرجولة
دمت بكل ود