-شاي واحد بسرعة .
تعذبه ذكرى عينيها .. تدفعه دوماً الى اللهفة وراء حلم بهيج تلاشى في عالم اخر ، تشده اليه خيوط لا مرئية ، تجره الى دروب تنيرها الاضواء .. الى عالم يقوض المسافات البعيدة ويترك الروح تنساب فوق ارصفة وقف عليها ويده في يدها
فتموج المدينة تحت قدميهما ... والتقاطعات تشعل الوانها الخضراء .. وتنحني .
في عينيها حب وأسرار تاريخ قديم وفنار لسفن هائجة في خضم اللهفة ، على
أشرعتها كتبت لوائح من التماسات اللجوء .. تبوأ له في زواياها مرسى وخلود وأكتفاء من أسفار في المحيطات ، وتلاحم مجبول بدعوى ملء الفراغات .
على مصطبة باردة في يوم شتائي ، أعلن لها مخطط الحسابات الطويلة ..
أختط وحداتها بجنون وأندفاع ودقة حساب ورؤيا جامحة لمستقبل لايحده فضاء
ولا يختزله ظرف ، تحيطه أسوار وخلفها تشيد مملكة الاماني وخلود اللحظات التي
لايعتريها زمن .
كان هذا قبل بزوغ عتمة البقعة السوداء بكثافتها المتغيرة ورذاذها الدبق ، وأستهلالها المبكر وغيابها المتأخر ، حقيقة واقعة أصبحت تطغي على الاشياء وتكسوها بلونها القاسي ورائحتها المهيلة .
وتعود ذكرى عينيها فتدفعه نحو جنون حذر .. فلم يعد هنالك ما يسمى خطأً
وأستهانة وتذمر ، ولا وقت يعلن جريانهُ أستراحة وتوقف وأعادة صياغة لمسألة
الحياة ، كل شيئ صار محسوباً بمنتهى الدقة على مصطبة الاقداح وموقد النار المرتعش .
سحبته يد من ياقة قميصه فلم تتمزق ، أنتشلته من عالم الفصول المحسوسة ،
حلقت به خلف أسوار ومدن ومسافات ومخترقاً كالنيزك لون الذاكرة الرمادي الى لون معتم .. وعلا صوت يفتقر الى قوة في أذنيه :
_هل أنت أطرش ؟؟
_ حالاً .
وتعود ذكرى عينيها ، ومع الالم نظرتها الجانبية ، برونقها الاسطوري المؤطر بكحل ، فيصبح العالم أشعاعات تدور حول نفسها متهيأةً للتلاشي هناك ..
في البعد .
_ ماذا سأفعل بدون عينيها ؟؟
سؤال قديم ، أجابته دواخله حينها بصمت : أن يحتوي صورتيهما على رؤاه
وينتظر في سلام .
(كلا لن أدعهم يسرقون حضوركِ .. ويستبدلونه بكم هائل من تفاهات .. ولأجلكِ سأترك النزيف يتدفق ، ولحياة خالدة في نفسي .. انت الملكة فيها .. وسأمحوا العتمة اللعينة الى الأبـــــــــــــــد.. لأبقى لكِ مخلصاً دائـــــــــماً).
دفعته يد قوية فاصطدمت قدمه أثناء حركته بأنبوبة الغاز فسقط على الارض
فأحس بعينيها تنظران اليه للحظة .. ثم غابتا ببطء .
أندفع وكأن قضبان حديدية تتحرك تحت جلده المجعد ، ثم دفع الكشك الحديدي
فسقط على الارض وتعالى النثار مع صوت تكسر الاقداح والصحون و(القواري) ..
أنطلق مهرولاً بحركة لاوزن فيها .. ودون هوادة ظل يهرول بأتجاه الجانب الشرقي للمدينة .. حيث المقبرة هناك... في الطرف البعيد منها .
الراقي صباح نيسان :: مساؤك يرفل بأريج الورد واوقاتك ضياء أمل
كلماتك غارقة بالوجع والمعاني أعمق بكثير مما تبدو عليه
تصوير رشيق للحدث الذي انتقلت به بخطوات
متتالية سريعة تكسب القاريء رغبة في المتابعة
استخدام محكم للإسقاط تارة وللإيحاء تارة اخرى
أعطى النص التميز
لك ولقلمك البهي كل التقدير