أن صورة الإنسان الكامل لاتتحقق لنا إلا إذا حللنا النفس الإنسانية أولاً , فنراه يهيب بالباحث أن يعرف نفسه فيقول" اعرف نفسك يا إنسان تعرف ربك" , كما يروي في هذا السياق حديثاً شريفاً " أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه ", ثم يقرر لنا في السياق نفسه أن معرفة النفس ومعرفة الله أمران متلازمان:" ومن رحمة الله على عباده أن جمع في شخص الإنسان على صغر حجمه من العجائب ما كاد بوصفه يوازي عجائب كل العالم , لكنه إذ يحلل النفس إلى قواها , يأخذ بالتحليل نفسه الذي نقل إليهم عن اليونان , وهو أن يجعل فيها شهوة تطلب اللذة , وغضباً يطلب الغلبة , ثم عقلاً يسوس السير ويضبط الخطى , فإذا أراد ذكر الفضائل جعلها أربعة : فالحكمة فضيلة القوة العقلية , والشجاعة فضيلة القوة الغضبية , والعفة فضيلة الشهوانية , ومن توافر هذه الفضائل الثلاث تنشأ الفضيلة الرابعة وهي العدالة .. ورأى الغزالي بضرورة أن يجيء "العمل" لاحقاً ضرورياً "للعلم" الذي تدركه القوة المفكرة , وان يكن يجعل لهذين اللفظين معنى خاصاً . فالعلم عنده هو علم بالالهيات , والعمل عنده هو العبادة وفق ذلك العلم , لكن تحديده لهذه المعاني لاينفي بنية الاطار الفكري الذي نتحدث عنه , وهو تصور الموقف مرتكزاً على قطبين هما العلم من ناحية وتطبيقه من ناحية أخرى , كائناً ما كان المعنى الذي يعطيه المفكر للعلم , والمعنى الذي يحدد به نوع العمل ...