يـــــادائــــم الظــــل
شعر : عبد اللطيف استيتي
* * * * * *
وطنٌ على جمرِ التناحُرِ يُحْملُ = وَيُغالُ فِي وَضَحِ النهارِ ويُقتلُ
وعَجائِبُ الأحداثِ تُبْدِي سِرَّهَا = والناسُ مِنْ وَهَجِ الحريقِ تُوَلولُ
جَثمَ الهَوانُ على صُدورِ حُشودِهِ = فتدابَرَ الحدثانِ والمستقبلُ
يا دائمَ الظلِّ الوثيرِ مُهيمِناً = والناسُ حَولكَ في الجَحِيمِ تجَوْقلوا
قد بايعوكَ على الحِفاظِ لِعَهْدهمْ = ولِصونِ أعراضِ العِبادِ تقبَّلُوا
ما بيْعَة الدُّنيَا عَلى عِلاَّتِها = إلاَّ سرابٌ ليْسَ فيها المَأمَلُ
لكنَّ فوْضى الرَّأيِ أدَّتْ فِعْلَها = آلتْ إليْكَ وَحِينَ عَزَّ المَوْئِلُ
ظنَُوكَ تاجَ عِقالِهمْ وَمُخلِّصاً = مِنْ قهْرِ ظلمِ السَّابقينَ فأقبَلُوا
ما كُنتَ يا بدْرَ الليالِيَ ساطِعاً = لوْلا شُمُوسُ المُخْلِصينَ لَتَأْفِلُ
حملوكَ فِي رحْبِ الصُّدورِ مَحَبَّةً = أمَلاً بنصْرٍ أنتَ فِيهِ الأوَّلُ
مَنحوكَ حُبَّاً لا يَلِيقُ لِكائِنٍ = كيْ لا تُضامَ ورَكْبُ خيْلِكَ يَجْفِلُ
أعطوكَ من معنى الحياةِ شجونَها = وقيادَها المأمولَ فيك تأمَّلُوا
غنوكَ سِحْرا في البيانِ وصفَّقُوا = أحْيُوا الليالِيَ والدِّيارُ تُهلهلُوا
باتتْ على النزرِ اليسيرِ بُطونهم = فَنَعمتَ في ترفِ الحَياةِ تُهرْولُ
جعلوكَ درعاً كيْ تصونَ عُهودَهمْ = وهُمُ وراءَكَ فِي الجهادِ تَمَثَّلُوا
هتفُوا بإسمكَ ضارعِينَ لربِّهمْ = يا أيُّهَا المغوارَ عَلَّكَ تَعْدلُ
رصُّوا الصفوفَ وراءَ خَيْلِكَ جَبْهةً = وتأهَّبُوا للنصرِ كَيْ يستبسلُوا
صانتْكَ آلافَ الرِّجالِ مِنَ الأذَى = كَيْ لا تُهانَ ورمشُ عيْنِكَ يَذبلُ
هُمْ طرَّزوكَ على المَدائِن تُحْفةً = هُمْ دللوكَ فلا يَغالكَ غائِلُ
غامَرْتَ في إرثِ الألى متوَشحَا = باقاتِ وهْمٍ لا تدومُ فتذبَلُ
فانظرْ لشعبكَ يستفيقُ منَ الكَرى = فيرَى شِعارَك خائِباً لا يفعلُ
ويرى الديارَ أسيرةً مغصوبَةً = والأمهاتُ الماجداتُ تُرَمّلُ
وكذا العروبةَ تُستباحُ حياضُها = والماجناتُ بنورِها تتكحَّلُ
وتقامُ في مدنِ البلادِ مآتِمٌ = والنازلاتُ بقضِّها تتجحْفلُ
وكأنَّ ما يَجري بأهِلكَ من أذىً = هُوَ شائعاتُ (جَزيرةٍ) لا تسألُ
فالدارُ ناحتْ والقلوبُ تفطَّرتْ = والأرضُ ماجَتْ والأنامُ تحَوْقلُوا
والصبرُ نافَ الأربعينَ تألُّماً = قدْ غِيلَ جيلٌ في زمانِكَ جُهِّلوا
يكفيكَ أنْ هَجرَ الملاحمَ جُندُهَا = بلْ رُحتَ تنعُمُ فِي الثراءِ وتنهلُ
أسكرْتَ في جنحِ الظلامِ ليوثهِا = فدَنا لِبابكَ داحِسٌ ومُهلهلُ
ونسيتَ أرضاً في الحِمَى مسْلوبَة = وخميسُ جَيشكَ في الكرَى يتململُ
نبتَ الفسادُ بظلِّ بطشِكَ وازدَهى = وتوغلتْ زمرُ الفسادِ وأوْغلوا
لم ترعَ أسبابَ البقاءِ كقائِدٍ = بلْ رُحْتَ تسحقُ فِي العِبادِ تُنكِّلُ
ما هكذا ردُّ الجميلِ لأمَّةٍ = أهدتكَ منْ عشقِ القلوبِ وتبذلُ
ما هكذا ترعى الأباةٌ ذِمارَها = يا مَنْ رفعتَ شِعارَهَا تتعللُ
بالعدلِ والشرفِ الرفيعِ وهمَّةٍ = تحمِي الحقوقَ وعِفَّةٍ تتكللُ
هبَّتْ نسائِمُ عزةٍ وكرامَةٍ = نادَتكَ بالتغييرِ , صِرتَ تُعطلُ
هتفَ الورَى بربيعِ أمَّةِ يَعْرُبٍ = لمَّا تغنَّى فِي الصَّفاءِ البُلبُلُ
الشعبُ يرغبُ فِي امْتلاكِ زمامِه = لِيضئَ شمْعا في الوجودِ ويُشعِلُ
بادرتَ توقدُ في البلادِ مَحارقاً = خَفَّ العَدوُّ لِهَولِهَا يَتدخَّلُ
فاتركْ لِشعبكَ فِي اختيارِ حياتهِ = هذا زمانُ العاملينَ قُلِ اعْمَلُوا
وارْحلْ كما رحلَ الطغاةُ بِغيِّهمْ = فالشَّعْبُ باقٍ والنوائِبُ تَرْحَلُ
15\6\2011