العشق بين الجرأة والفضيلة
( الجزء الثالث )
بقلم : ياسر ميمو
قالت : واتفقنا على يومٍ ننفذ فيه خطتنا بالهروب وقبل حلول ذلك الموعد
بثلاث ليال بدأت تهاجمني نوبات تأنيب ضمير مُؤلمة كوخز الإبر مُوجعة
كالدوس على الشوك شعرت أن صوت الألم يحبس أنفاسي ويخترق
أضلاعي يعلو في داخلي دون أن أجرؤ على أن أبوح لأحد بمصابي فماذا
عن أهلي كيف لهم أن يرفعوا رأسهم أمام الناس و ابنتهم قد لطخت شرفهم
وسمعتهم وجعلتهم يتحرجون النظر في أعين الناس النّامة عليهم
بنظراتها المُرتابة الظانة بالسوء كيف لي أن أخون أمانة الثقة التي
استودعها أهلي عندي فاستأمنوا على غيبتهم عني يقينهم بترفعي عن
الرذيلة والدنية كيف لي أن أخيب ظنهم و أُحزن قلبهم و أدمع عينهم و
أكسر ظهرهم هل يستحق أهلي ذاك الجزاء الظالم وهل جزاء الاحسان
إلا الاحسان تساؤلات كثيرة حاصرتني من كل جانب ودفعتني لكي أراجع
حساباتي فالهرب مع الحبيب قد يبدو مغامرة أسطورية رومانسية ولكنها
مغامرةٌ مُدانة حمقاء وهي شديدة الجرأة إلى حد التهور
و المسألة بالغة الصعوبة والتعقيد فأنا لا أشكو فقراً ولا مرضاً ولا فراغاً بل أشكو قلباً
مُلتاعاً والقلب الملتاع لا يُذهب لوعته إلا النهايات السعيدة أو الموت
أما الحل الأول فقد جعله أهلي رابع المستحيلات و أما الآخر فهو الذي
وجدت به خلاصي ونهاية أيام حزني وشقائي بعد أن سئمت حياة الحب
المتسكع المتشرد و أصبحت على يقين أن لا مكان في هذا العالم المادي
المتوحش لأمثالي ولولا أن قدر الله وبعثك لإنقاذي لكنت الآن من أهل
القبور ولقامت قيامتي
قلتُ لها : قال ابن الجوزي في كتابه الرائع روضة المحبين ونزهة
المشتاقين : إن العشق هوالإفراط في الحب و العرب القدماء اكتشفوا
أمر العشق بيّد أنهم لم يفصحوا عنه بل ستروه وكأنّه سّر لايجرأ رجل
على البوح به فكان الحديث عنه من قبل العشاق العرب المعاصرين و
سُئِل الأطباء عن العشق فقالوا : إنه يقع جبراً لا اختياراً كما تصيب
الأمراض والعلل أجسادنا و قدوة الانسانية عليه الصلاة والسلام كان
شافعاً لمغيث العبد عند حبيبته المُعتقة بريرة فقال لها يوماً : يا بريرة
لعلك تبقين مع مغيث قالت: أتأمرني يا رسول الله قال : لا.. إنما أنا شافع
فقالت: فلا حاجة لي به وكان مغيث يلاحقها في السوق ويرغبها في
البقاء معه وهي ترفض فكان عليه الصلاة والسلام يقول لعمه العباس :
يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن كره بريرة لمغيث وكان
ذلك قمة في الأدب النبوي وسأل شاعرٌ عاشق الإمام سعيد ابن المسيب:
هل في حب دهماء من وزر فأجاب :إنما تلام على ما تستطيع من الأمر
وقال أحد القضاة : العشاق معذورون على الأحوال إذ العشق إنما دهاهم
على غير اختيار بل اعتراهم عن جبر واضطرار والمرء إنما يلام على
ما يستطيع من الأمور لا على المقضي عليه والمقدور .
قالت بانفعال وغضب : إذن لم يكن العشق عبر التاريخ بذاك الشيء
المخيف المرعب بل على العكس لقد كان أمراً جميلاً و فطرياًوشرعياً
فلماذا أهلي .........قاطعتها على عجل : مهلاً عليّ أختي الفاضلة فإني
لم أنهِ حديثي بعد و ما دفعني إلى سرّد تلك الكلمات العطرة والمُنتقاة
من عبق التاريخ إلا شعوري بأنك بأمس الحاجة لمن يُسمعكِ كلماتٍ
أخرى عن العشق غير تلك التي شوهت صورته في نظرك وجعلته أقرب
إلى العار و أشبه بالجريمة و أسوأ من أي تهمة لعل ذلك يُهدأ من
روعك ويطيب خاطرك ويبعثُ في نفسك الأمل وفي قلبك جذوةً من الطهر
و إني كما قلت لك فالأصل في الحب الإباحة وكل ما يحتاج إليه العشاق
هو بوصلة ترشدهم الى منارة الفضيلة وتبعدهم عن شواطىء الرذيلة
وتلك البوصلة لم ولن يجدوها في قصص الحب الخرافية ولن توسوس
بها شياطينهم أوتُحدث بها أنفسهم الأمّارة بالسوء بل سيجدونها في
العقل المُتبصر بمكانة الحب في حركة الحياة في القواعد العرفية التي
تقررها أخلاق المجتمعات في الشريعة السمحاء إذا سار على دستورها
معشر العشاق . ولنبدأ سوياً برسم صورة أجمل لقصة العشق خالية من
أي جرح أو جرأة على الفضيلة و بمنطق أجمل وأبهى وأرقى ولنتحدث
كثيراً عن الحب أين يسكن وأين يبيت ولمن تقال كلمة أحبك وعلى من
تحجب فابتسمت في وجهي ابتسامة العطش الواثق من أن ما يلمح في
الأفق هذه المرة ليس ....سراباً
يتبع إن شاء الله
هذا وما الفضل إلا من الرحمن