أنا أؤمن بأن الحياء صفة رائعة في الانسان، ولولا الخشية من أن أبتعد عما درجت عليه من اهتمام بمواضيع تتميز بسمتها الثقافية، لكنت قد أتحفتكم وأنا في سبيلي إلى الحديث عنها، بمحاضرة في علم النفس أنفذ منها إلى ميدان علم الإجتماع، ومن يدري، لعلي أستطيع بعد ذلك أن ألامس علم الفلك أو الذرة! لأستطيع أن أبهركم بثقافتي، وسعة اطلاعي! فأنا أكتب هنا، ولا أتحدث، ولذلك فبإمكاني أن أستعين بما شئت من المصادر المتوفرة في كل من هذه العلوم (خاصة بعد دخول الانترنيت ميدان العلوم والثقافة ) التي تقول لي ما أن أقبل عليها.. "هيت لك، فهذه هي سيول علومي، أغرف منها ما شئت وأنتزع من عيون الناس نظرات الاحترام التي تصبو إليها نفسك، وأسعد آذانك بسماع آهات الإعجاب التي قد تصدر عنهم حين يرونك!" ولكني لا أستطيع فعل ذلك لأني لا استطيع أن أدّعي ما ليس بي، ولكن حسبكم، فأنا لم أقودكم إلى هنا لأحدثكم عن حيائي، لأبيّن لكم مدى روعتي! فأنا ومن دون محاولة إدّعاء، مصاب بخجل أستطيع أن أصفه إذ بلغت من العمر هذا المبلغ، إنه مرضي، ورثته من طفولتي.. ولكني أردت أن أشكوه لكم، لأنه يمنعني أحيانا عن اتخاذ مواقف يجدر بي أن أتخذها!
هو، واحد من معارفي، أهديته رواية لي، فكان واحدا من أشد المعجبين بها، ومن المناصرين لطروحاتها، ومن دعاة الآخرين دوما إلى قرائتها، حتى كاد يوهمني أني بتّ أنافس ماركيز على مكانته، بعد أن بززت من هم دونه من كتاب العالم! وتخيلت محفوظ وكأنه قد بدأ يتململ (وهو آو إلى خلوته الأبدية!) خشية المنافسة الجدية على سمعته، التي بتّ أمثلها! وهنا، اسمحوا لي أن أتوقف قليلا لأنصح نفسي وغيري إذ يتملكنا التيه وتأخذنا العزّة بالنفس، فمقابل كل قاريء يقف موقف المعجب من كتاب ولدته بنات أفكارنا، أو رواية (أتحفنا) العالم بها.. هناك آخر يمكن أن لا تعجبه.. هذا إذا لم يرفضها جملة وتفصيلا.. القصد هو أننا لن نستطيع أن نرضي كل الأذواق ونسيطر على كل العقول مهما بلغ شأننا في ميدان الكتابة والأدب، ولذلك يجب علينا دوما أن نـتأنى قبل أن نختال فخرا لكل إطراء، أو كلمة إعجاب نسمعها من القراء.
أعود إلى صاحبي هذا فأقول.. منذ البدء لاحظت ميله للتفاخر وحرصه على جلب الأنظار في كل مجلس يضمه.. يطرح أفكاره بطريقة يحاول من خلالها أن يضمن لنفسه الكلمة الأخيرة سواء أن كان مجيدا في طرح أفكاره أم لا.. والأدهى من ذلك أنه وكما وضح لي جليا بعد مرور فترة من الزمن على علاقتنا، كان لا يبتغي من القراءة غير (حفظ!) المزيد من المصطلحات.. أو استعارة بعض الأفكار التي تضمن له ما يشتهي في المبارزات الفكرية التي كان يفرضها على الآخرين، سواء رغبوا في ذلك.. أم لم يرغبوا!
لا.. لم يكن غرضي أن (أشرّحه) لكم عندما ذكرته هنا.. رغم أني فعلت ذلك! ولكني أردت القول أن جلسة مشتركة جمعتنا ذات مرة مع أصدقاء آخرين، فطرح فكرة فاجأت الآخرين، كما فاجأتني.. ولكن لسبب آخر يختلف عن أسبابهم.. المهم، هو طرحها، وراح يناقشهم بها، فيما وقفت أنا موقف المساند له والمؤيد لفكرته، حتى أنه انتشى لمدى تطابق أفكارنا في هذا الموضوع! وبعد أن صال وجال، وأفحم معارضيه ودحرهم، تركنا منتشيا بالنصر الثقافي الكبير الذي أحرزه في تلك الليلة المجيدة بالنسبة له! وتركني في أسوأ حال وأنا أكاد أذوب خجلا تحت وقع نظرات المدحورين الذين تفاجؤوا للتطابق الفكري الواضح معه، الذي عبّرت عنه، وهم الذين يعرفون مدى إختلافي معه في الكثير من الأفكار والمعتقدات.. لم أدافع عن نفسي ليلتها، ولم أسوغ لهم شيئا، بل تركتهم حائرين.
إياكم أن تتصوروا أني قد ساندته مكافأة له على الموقف الذي وقفه من روايتي المذكورة! لا والله فأنا لا استطيع أن أقترف مثل هذا الفعل المخجل، ولكني كنت مجبرا.. فأنا بموافقتي على آرائه، إنما كنت أدافع عن وجهة نظري، فالفكرة التي طرحها، وبكل تفاصيلها، بل وحتى في أسلوب طرحها.. كانت مستعارة من الرواية إياها!
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 08-10-2011 في 07:39 PM.
هناك فئة من أشباه المثقفين ظهرت في العصر الحديث كل مؤهلاتها القدرة على الاقتباس والاستعارة من أعمال الأخرين، تجدهم يسيرون في ركب المثقفين الحقيقيين لإلتقاط ما يتيسر من افكارهم، ولهم القدرة على ترديد مصطلحات معقدة غير متداولة لإضفاء هالة من السحر على أنفسهم.
طبعاً ساهم النت في خلق هذه الفئة، والبركة في العم جوجل الذي لم يبخل بأي معلومة في كل المجالات، هؤلاء اشباه المثقفين لا يملكون رؤية أو وجهة نظر ، هم يقتبسون افكار الغير ويقتاتون على جهدهم الفكري والأدبي دون أي وازع أخلاقي.
بطل النص هنا من هذه الفئة صدق إنه مثقف لدرجة إنه جاهر باقتباس فكرة الرواية أمام صاحب الرواية دون أي خجل او رفة جفن،
أستاذ سعد ، أحييك على تعريتك لهذا النوع من البشر واستغرب كيف تحملت أن تمرر له تبني أفكارك على إنها فكرته هو.
الاستاذ هاشم البرجاوي.. كم من قصة في الحياة تفوق الخيال بغرابتها.. هذه قصة واقعية أردت أن أبث من خلالها اعتراضي على موقف مرفوض.. شكرا لتحياتك ورأيك الجميل.. تقبل تحياتي واحترامي
الأستاذة الكريمة سلوى حماد.. لو لا أثر هؤلاء السلبي في الثقافة والحياة الفكرية لقلت لك دعيهم يفعلوا ما يشاؤون فهم في النهاية لن ينفذوا من الدرك الذي هم فيه.. الرطانة التي بنتهجونها لن تقنع الا الأميين بثقافتهم المتوهمة، وهو ما لا يشبع ولا يغني عن جوع.. كنت في تلك اللحظات حانقا ولم أكن صابرا أبدا ولكني تعودت أن أكبت مشاعري لأني أعرف أن غضبي إذا إحتدم فإنه لن يعترف بحدود لعقل أو منطق.. شكرا جزيلا للرأي الجميل فهو ما يعوضني ألم تلك اللحظات.. دمت لي صديقة عزيزة وزميلة كريمة