"أبو مازن رئيس حكومة حماس". هكذا صرخ عنوان بعض الصحف الإسرائيلية تعقيبا على توقيع اتفاق المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس في قطر. وبالطبع رئيس حكومة إسرائيل الذي يعمل ليل نهار بتواصل "من أجل السلام وإنهاء الاحتلال" رد بحدة على هذا الاتفاق بقوله: "إن رئيس السلطة الفلسطينية اختار التخلي عن السلام والارتباط مع حماس"؟
لوهلة تثير تصريحات نتنياهو الوهم أن العملية السلمية جاهزة للتوقيع، وما هي إلا جلسة مفاوضات أخرى قصيرة والسلام جاهز على الأبواب. وان إسرائيل بزعامته لم تفوت أي فرصة من أجل السلام. وان أبو مازن نسف العملية السلمية الجاهزة، ما شاء الله ، مع حكومة بيبي نتنياهو وافيغدور ليبرمان. وتوجه نتنياهو، القلق جدا على عملية السلام، إلى رئيس السلطة أبو مازن بقوله: " انك لاتستطعأنتمسك العصا من طرفيه، إما سلام مع حماس أو سلام مع إسرائيل. لا يمكن الإمساك بالاثنين". وكأن السلام وإنهاء الاحتلال بات الخيار الذي تطرحه إسرائيل وقلقة من عدم تحرك الفلسطينيين لتوقيعه خاصة بعد المصالحة مع حماس.
الإبداع هو نوع من الهرطقة أيضا، إذ إن الهرطقة صفة لإيجاد تغيير في مفاهيم معينة، أو إنكار مفاهيم قائمة، أي أنها "اجتهاد إبداعي". ومن مثل إسرائيل ونتياهو يعرفون أصول الهرطقة السياسية؟ وبما انه رئيس حكومتي ، مكره أخاك لا بطل، فاني أتنازل عن صفة الهرطقة، وأثبت صفة الإبداع بدلا منها. حتى لا يقال عني مواطن سلبي، ومؤيد لأعداء إسرائيل، مثل حماس وفتح وغيرهما.
ومن أجل التاريخ أسجل أن الهرطقة أصولها أوروبية ، أي نفس أصول الحركة الصهيونية ، والتآخي ساري المفعول بفعل القرابة، أو الولادة من رحم واحد. وكانت الهرطقة تعتبر تاريخيا شكلا أساسيا من أشكال الاحتجاج على نظام الطغيان الكنسي الذي ساد أوروبا في قرونها الوسطى، والهرطقة، أفادت أوروبا بتطوير الإبداع في الثقافة والاقتصاد والعلوم، بل ويعتبر بعض الفلاسفة أن الرأسمالية، التي تسود عالمنا اليوم، هي الابن الشرعي للهرطقة.
اكتب هذا منعا لاتهامي باللسان السيئ حين أسجل أن نتنياهو وليبرمان هرطقيان. والمعنى حتى لا يساء فهمي: مبدعان . وكلنا نطمح لأن نكون مبدعين. أي هراطقة. ولكن هناك إبداعا يختلف عن إبداع آخر. هناك إبداع نحو الأفضل ، وهناك إبداع نحو الأسوأ. فهل كان إبداع أبو مازن الأسوأ للشعب الفلسطيني؟ وإبداع نتنياهو الأفضل للشعب الفلسطيني؟ والعكس صحيح أيضا. أي هل اقتراح أبو مازن لتحرير شعب إسرائيل من الاحتلال هو الخيار الأسوأ ، وإصرار نتنياهو على إبقاء شعبه أسيرا لسوائب المستوطنين هو الخيار الأفضل؟
نحن في معضلة فهم، ربما لأننا عرب لا نفهم بسرعة نتنياهو، كيف يكون إنهاء الخلاف والتصادم الفلسطيني فلسطيني هرطقة سيئة، وكيف يكون التمسك بالاحتلال والاستيطان، وحصار مليون ونصف فلسطيني في قطاع غزة، والتضييق على الفلسطينيين في الضفة الغربية بإقامة الأسوار العازلة واقتلاع الأشجار المثمرة وحرق الحقول هرطقة ايجابية؟
لم اكتب لأؤكد أن حماس مقبولة بفكرها علي. ولكنها تمثل قطاع واسع من الشعب الفلسطيني. لا أقبل فكرها الديني، وبرنامجها لمجتمع إسلامي في غزة تمهيدا لدولة إسلامية في فلسطين. وأرفض معظم مواقفها، ورأيت وكتبت في وقته أن انقلابها كارثة على الشعب الفلسطيني، وأن الدولة التي نطمح إليها هي دولة فلسطينية علمانية ديمقراطية.
لا يمكن أن أرفض تراجع حماس وخضوعها للشرعية الفلسطينية ممثلة بالسلطة الوطنية ، وأهمية إعادة الثوابت الفلسطينية إلى صدر النشاط السياسي الفلسطيني ، كما يمثل ذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو الأمر الذي يربك إسرائيل لأن ما يطرحه أبو مازن من رؤية سياسية عقلانية، جندت الأكثرية المطلقة من دول العالم ، ما يقارب 150 دولة، إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطين المستقلة في حدود عام 1967.
المصالحة بقبول رئاسة أبو مازن للسلطة الوطنية ورئاسة الحكومة، تعني تلقائيا أن السلطة أضحت تمثل كل قطاعات الشعب الفلسطيني بما في ذلك حماس.. وذلك بحكم موقع أبو مازن، حسب اتفاق المصالحة، كرئيس للسلطة الوطنية ورئيس للحكومة الفلسطينية.
الصوت الفلسطيني الآن هو صوت واحد تمثله السلطة الفلسطينية. والحصار على غزة هو حصار الآن على السلطة الفلسطينية التي تفاوض إسرائيل وحكومتها برئاسة السيد نتنياهو. هل سيكون من المنطق مواصلة حصار الطرف الذي يفاوض إسرائيل على السلام؟ وكيف يمكن لأي هرطقة جديدة لنتنياهو أن يبرر بها استمرار الحصار على قطاع غزة الذي تحكمه السلطة الفلسطينية؟ وما هي ردود الفعل السياسية الدولية على استمرار حصار مناطق السلطة الفلسطينية في غزة؟
المصالحة الفلسطينية تجيء في وقت دقيق جدا من المعركة السياسية لكنس الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية ، والتي ستستأنف في ساحة الأمم المتحدة، لأن هرطقة نتنياهو أو إبداعه السياسي ، هو في اتجاه الثرثرة والمناورات التي ملها العالم تماما كما ملها الشعب الفلسطيني .
من صالح الموقف الفلسطيني الظهور بجسم موحد، بقيادة السلطة الوطنية، الجسم الشرعي الوحيد المعترف به والمؤهل تماما لطرح الموقف الفلسطيني العقلاني ، الذي لا تريده إسرائيل، وتفضل مواقف حماس، ومن هنا قلق نتنياهو وحكومته ، من نزول حماس عن واجهة الحكم في غزة، وإعادة السلطة إلى الممثل المعترف به للشعب الفلسطيني، السلطة الوطنية الفلسطينية. ليست عصا بطرفين، بل عصا بطرف واحد. وأبو مازن ليس رئيسا لحكومة حماس ، بل الرئيس الشرعي للسلطة الوطنية الفلسطينية ولحكومة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
وهرطقة نتنياهو فات موعد تسويقها!!
الأستاذ نبيل
جميل ما كتبت بخصوص نتنياهو وهو كذلك يمثل كل إسرائيلي في أي مكان أو زمان لأن هذا هو ديدنهم
لكن السؤال المطروح الآن هل هذه فعلا مصالحة حقيقية أم أنها كسابقتها سيكون هناك أعذار وتحليلات ستنسف ما وقع
عليه آمل ككل فلسطيني أن تكون جادة وأن تفضي إلى حكومة موحدة ورأي سديد يأخذ بزمام الأمور ويضع الشعب الفلسطيني على شط الأمان
موضوع المصالحة كشف صراعا عنيفا على السلطة داخل حرمة حماس.مثلا ما قاله مسؤول حمساوي كبير في غزة ان مشعل (رئيس ىالمكتب السياسي لحماس) لا يمثل حماس !!
يبدو لي ان التمسك بالسلطة هو الاشكالية الكبيرة والهدف الأعظم. وهنا مكمن الخطر على الشعب الفلسطيني.