"أسئلة الأسقيا وأجوبة المغيلي" لمحمد بن عبد الكريم المغيلي، تقديم وتحقيق الأستاذ عبد القادر زبايدية، ص32-34
***
إن تأخيرك النظر في الأمور حتى تستفتي من بعد عنك من أهل الذكر تضييع لكثير من الأمور التي تعين عليك إصلاحها عاجلا، فبادر للنظر في جميع الأمور التي تعين عليك إصلاحها عاجلا، فعليك بهذه القاعدة، وهي أن تعلم أن الأمور كلها ثلاثة أنواع: الأول أمر تعلم أمر شككت في حكمه، وخفت من إثمه. وإذا علمت ذلك فكل أمر علمت أنه مما أمر الله به فافعله؛ فإنه خير، ولا يأتي عنه إلا الخير، وكل أمر علمت أنه مما نهى الله عنه فاتركه؛ فإنه شر، ولا يأتي عنه إلا الشر. وهذان النوعان كثير ما تعلم منهما، فإذا شغلت بإصلاحها ونصحت فيهما كثر خيرك قولا وفعلا. وكل أمر شككت في حكمه وخفت من إثمه فعليك فيه بالاحتياط الصارف عن الشبهات؛ فإن الجنة حفت بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، فاقطع الشك باليقين، واحتط لدينك أكثر مما تحتاط لدنياك في كل حين، مثال ذلك إن شككت في أمر هل يجب عليك أم لا؟ فاتركه. وإن شككت في أمر هل هو حرام أو واجب، فاتركه أيضا؛ لأن الحرام من باب المفاسد والواجب من باب المصالح، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وإن تعارض أمران مستويان في نظرك فاعرضهما على نفسك، ثم افعل أثقلهما عليها؛ فإن الغالب على النفس في حال الحياة والصحة أن لا تكره إلا الحق. وإن أعرضتهما على نفسك فاستويا عندها، فانظر أيهما أحب إليها أن تموت عليه ثم افعله؛ لأن الغالب على النفس في حال الانتقال على الدنيا إلى الأخيرة أن لا تقبل إلا الحق. فعليك بهذه القاعدة في كل ما يعرض لك من الأمور؛ فإنها نافعة لكل من ليس بعالم، ولم يجد عالما تقيا حاضرا.