ثنائية (رسائل من زمن الأسر) سمية اليعقوبي & أسامة الكيلاني

أ
حنُ إلى خبز أمي
وقهوةِ أمي
ولمسةِ أمي ..



وتكبر فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدر يومِ
و أعشق عمري لأني
إذا متُّ
أخجل من دمع أمي !

.... ستبتدي رسائل عشق ٍ ليست ككل الرسائل ... إنتظرونا
فسيولد حلم الصباح على يدينا ........
" رسائل ٌ من زمن الأسر ْ "
الأستاذة القديرة " سمية اليعقوبي " و أسامة الكيلاني ....
حماكم الله .

أولى أهاتي

بسم الله الرحمن الرحيم

جنين في⁄ يوم كئيب من⁄ تلك الأعوام

إلى ابن بطني و أيامي,,,تعظيم سلام

أما بعد

.................................................. .................................

لا اعرف كيف أبدء قلمي يشرق بالدمع.... ويتعثر بين سطور الكلمات

تمرّ صورة أسرك أمام العين فأغمضها كأني أريد ابتلاعها

مذ أخذوك والنار بمهجتي تستعر

مذ أخذوك يا رفيق الأحشاء والدمع مني ينزفۥ

وددت ساعتها لو للصلب ترجعۥ

ولكن ما يفيد رجوعك وقد أصبحت خلف الصلب تقبعۥ

كبدي وابن جوفي وأيامي كيف حال وجنتيك؟؟أما تزال الابتسامة على شفتيك؟

أما تزال ملامحي تعلو محياك؟؟

البارحة في نشرة الأخبار بثوا ما يفعل الجناة بالأسرى

انتفضت واهتزت أجنحة القلب .....ويلي وألف ويل ابن أيامي أسير!!!

فلذة عمري خبّر هل تعذب هناك؟؟؟ أتصلب يا ابن شهوري التسع؟؟ نفسي فداك

هل تغلل يدك الطاهرة التي لطالما قبلت كفها بأصفاد السجون ويد الهلاّك

أتنهش جلدك الذي غزلته بعروقي كلاب الأسر الشاردة...وضباع الهزيمة المعلنة.؟؟

وليدي وكبدي ونور عيني....................................اسمع

لا تحزن يا كبدي لا تحزن فجيوش الذل ستغلبنا

لكن هيهات يا ولدي إن دامت لهم هيهات

فهم سكرٌ ما علموا أنهم بنبيذ الوهم قد ۥسحروا

أسمعت يا ولدي عن أمم لإفناء أنفسهم قد بعثوا؟؟؟

أوصيك يا ولدي فلا تنسى ..........................إياك وأسرارنا أن تفشي

إياك الضعف يا ولدي وإياك لليال السجن أن تحصي

اعلم يا وجعي ........................................ ولا تنسى

إني

أمشي في الحي مفاخرة ,,عن مدة أسرك لا اسأل

فاصبر يا قلبي ولا تيأس من روح الله فلا ييأس من روح الله إلا

من رضع من ثدي الفشل والوهن

اعلم يا ولدي أنني ما سقيتك إلا لبنا لونه اخضر بلون الأرض

وطعمه علقما يا حلمي لتتعود طعم العلقم منذ الصغر

وريحه حرة يا كبدي لتأنس رئتاك بريح الحرية حتى الكبر

في أمان الله يا قمري ودعني أقدمك للوطن

على طبق نقشت حروفه وقت المخاض بك وحين رحيل السفن

ونذرتك للرحمن شهيدا مباركا للأرض والوطن والحجر

أصمد يا ولدي ولا تجزع فالليل لا ينجلي إلا برعد وغيم ومطر

الامضاء امك الاولى

أماه

... ها أنا احاول أن اقرأ رسالتك المضمخة بشذى الزيتون ...أحاول ان أتلمس صوتك بين هذه الاسطر
نعم ... يا أمي أنا بخير فلا تحزني ... فلقد أنجبت الرجل الرجل .. في زمن ٍ عزة به الرجال ... أمي أتعلمين
أنني اليوم قد ... أصبحت حرا ً ... نعم يا أمي فلقد أنهكتني روحي العليلة ... و لكن رسالتك أعادت لي الروح
أتذكرين ... يا أمي ،عندما كنت تداعبين خصلات شعري البنية ... يومها نظرت إلى عينيك الشامختين ، كنت
أعلم جيدا ً مدى حزنك .. يا امي .. اعلم أن صور القتل و التنكيل بعائلتنا ما زالت ماثلة ً امامك ساعتها ، اقسمت
أمام الله .. أن أذيق قراصنة العصر جحيم أرضنا ... أمي ها أنا أذبح في اليوم ألف مرة ٍ و مرة ، فلست آبه
أمي بحقدهم و لا بتنكيلهم ... فنحن هنا يا أمي .... نفترس حقدهم المكنون .... صحيح ٌ أننا ممزقون عن بعضنا البعض
و لكن أرواحنا تحكي لنا قصص النهار القادم .. أمي ، ما يحزنني هو عندما تصلك رسالتي هذه .... سيكون يوم ميلادك
الجميل ... فكم وددت أن أكون إلى جانبك ..أتلمس ثوبك الموشى ، بعبير الزيزفون .... أتلمس طهر قدميك العابقتين
بثرى الأرض ، نعم أنا في الأسر .... و لكنني أرى طيور الحرية ترفرف من بعيد ..... لن يدوم الظلام و ستسقط قلاع خيبر
فوق رؤوسهم ، و ستنتهي أوهامهم المريضة ، ...... أمي هل لي أن أطلب منك ِ في المرة القادمة عندما .. تبعثين رسالتك
أن تطبعي فوقها قبلتك ... فقد تساعدني على المضي قدُما ً ...... أمي أعينيني فقد ضيعت مرساتي .... سلمي على شجر
الزيتون ، و قولي للقدس إنّا عائدون .... فلن يخبو الأمل .....

آهتي الثانية

غرّد يا طيرۥولا تسكت ,غني يا صاحبي ولا تصمت

أرقصي أختاه وابتهجي… وافرحي أماه,هللي وكبري

أشرقت الأنوار واكتملت فرحة القلب والجسد

مرسال الأسير قد حلّ وبطيب الكلم قد هلّ

قبل فتح رسالة الوجع اشتم ريحها العطرة

ويلي ….فواحة عبقة ولروح الحرية وريحان الولد محتضنة

لمست يد الغالي وجاءتني كالطير من يده حطت على كتفي

أقبلها مرارا وتكرار وفي كل مرة يزداد لها الشوق و اللهف

خبأتها في صدري وأحضاني فطائر الشوق يأبى المغادرة

وكل يوم يروي للصدر شوق الرضيع الولهان

حبيبي الغالي ووجع عمري الفاني

أرحت القلب والوجدان والروح

شيء منك بين يدي؟؟أكاد لا أصدق ما أرى

كلماتك في صدر الورق تلوح؟؟

نعم يا ولدي اليوم مولدي وميلادي

خطوطك هذه قد أوهنت سياط جلادي

ماذا؟؟؟؟تريد بعضا من القبل؟؟

أوااااه ………….أوااه

لك العين والروح ..لك مهجة القلب المجروح

لك الشفة بأكملها…لك النظرة بأعينها

لك…….و.لك….ولك

قبلة أطبعها على الجبين المكلوم

وأجعلها قبسا من نور

فوق روحك هنااك وروح صحبك المظلوم

شدّ العزم يا ولدي فسريرك في البيت مشتاق

وأكواب الزهر والليمون وأطباق الزيتون

ترتل أناشيدك بقلب خفاق

يواسيني طيفك بالبيت وتسليني صورتك في الصحو قبل المنام

أتذكر كم مرة قبلتك وكم مرة نهرتك وكم مرة أضنيتني

وكم من المرات أسأل الصحب عنك حين يتأخر موعد قدومك للبيت

وندمت في كل هذه المرات التي كنت تغيب عني والدمعة في مقلتيك

فداك العمر والروح والبدن يا قارورة عطري الفواح

يا طيري المحلق في الافق بصوته الصداح

لكني أعتب يا ولدي على ما خطت أناملك

(أمي أعينيني فقد ضيعت مرساتي )

لبيك يا كبدي لبيك

أنت ابن بطني ومخاضي فكيف تقول أنه بك وجع

أنت ليثي ابن سبعي أنت الأسامة في المدى

أنت الوليد المرتضى

صبرا حبيبي فموعدنا هو غاية المنى

أمي ... ها هي رسالتك تنير سمائي ... فلكم وددت أن أمسح عن جبينك الوضاء ، كل آلام السنين ، كم وددت أن أعانق وجهك الذي ما زال يطعمني
الأحلام .... أمي .. ها أنا أتلمس رائحة الزيتون الممتدة بين أسطر
رسالتك العابقة بشذى الليمون ، أمي ..لا تعتبي علي .. فما أنا إلا طفل ٌ
حاول أن يرسم حلم وطنه فوق حدود الغيم ... نعم يا أمي .. أنت ِ تعلمين جيدا ً أنني لم أكن ضعيفا ً يوما ً، فكيف ذلك و أنا الذي شربت لبن بلادنا ...ألم تقولي لي يوما ً، إن الصباح يشرق من وجنتيك يا ولدي ... نعم أمي
أتذكر تلك اللحظات ، فها هي تزيدني إيمانا ً بأن الفجر قادم ٌ لا محالة ..
ها أنا أخط لك ِ بمداد دمي الذي لن ينضب ... أسافر في زمن الأسر .. احاول أن أتصور وجهك الممتد بين حنايا روحي ... فأنا أبنك الذي سيبقى صامدا ً
رغم محاولة الجبناء على إركاعنا ... نحن هنا نرسم ثورة من خلف القضبان
نشعل قبسا ً من نور .. نتلمس حدود الحرية ... فمها أصبح الليل مريرا ً
فلا بد ّ من بزوغ حلم ٍ قادم ٍ بالنصر ... أمي أستحلفك بالله ، أن لا تذرفي الدمع ... فما زال الوطن بحاجة ٍ إلى روحك الجميلة .. لن يستطيع المحتل قتلنا .. فها هي قوافل الشهداء تردف بعضها بعضا ً و في كل يوم ٍ أمي تولد سنبلة ٌ جديدة .. فيرتد الغاصب على اعقابه مكسورا ً خائبا ً ، يحاول أن يجد طريقة ً للهرب ، ولكنه لا يستطيع الفرار ، فهو عالق ٌ بين أوهامه العفنه .... يحاول تدنيس أرضنا ن فلا يحصد إلا العجز و الخوف .. نعم أمي صحيح أنني قابع ٌ هنا بين قضبان ٍ ، لا تعرف إلا الركام .. لا تعرف .. الرحمة أبدا ً ... و لكنها خائفة ٌ أمي أن نتلمس بأيدينا لغة الصباح ... أماه عذرا ً على الإطالة .. و لكنني لا أجد مكانا ً ألوذ به من عتمة السجن إلا في مناجاة روحك ... أمي أعلم أنني في الأسر باق ٍ
و لكنني ... سأعود إليك ِ كي أرسم قبلة ً على محياك ِ ..... أحبك .

كيف أنت يا ناي أوجاعي تحية عطرة مني إليك برائحة الليمون

أيا عمري الباقي بعد أن جففت رسائلك على حبال مأساتي

مشيت في الحي اتسائل ؟؟أين أنت وطيفك هناك من بعيد ارمقه

بعد أن طاف أمام العين فعساي اليوم اجلب الحظ وأندبه

نحن قوم يا رفيق صبابتي حكم الزمان أن نعيش في كل ليلة

حفلة من حفلات فسق رتبها الجناة حيث بات الحي قاعة أفراح لا تهدأ

فيقسم علينا الليل ساعاته كما تقسم للجياع ما تبقى من فتاة الخبز

حفلة ألوانها فسفورية تفاجئ الوهن كل ما همّ أن يدخل في سبات

تفوح منها رياح السموم الدموية

تجهض من حشاشة الرحم كل جنين أمل قد دبت فيه الحياة

ثم توزع علينا في أطباق مطلية بمسيل الدموع والفسفور

رصاصاً غلف بأحلى ما في السموم من صفات

الذل فيه والفجيعة والخراب واليتم والمهانة ..

وبعض من قراطيس أحلام الأسرى المنفية.

وكل منا له نصيب من الطبق تقدمه له يد جبانة

نعيش الليل في مد وجزر بين شبح الموت وأطياف الحياة

بين عشق البقاء ومنية لفظ الشهادة ساعة الوفاة

ونسمع في كل مرة بين الألم والوجع صوت زغاريد القصف ملعلعة من أعالي الجبال

تنزل متسارعة نحو سهولنا لتقطع ما تبقى في الحناجر من حبال

وترى الموت ينقش سطوره بريشة فنان يطلق خياله إلى العنان

ويرسم صورا من الموت لا تخطر ببال إنسان

ونحن ترانا نصب كأسا من خمر النسيان يطبع حبابها

فوق شفاهنا ثم ينصت لأوجاعنا الليل ويسأم مما رأى من ظلم وطغيان

فتارة يركد وفي أخرى يفزع

نطوف بضريح الأمل نستعطف مكامنه

لعلَّ الموت تكف مغازله مما ينسج لنا من الأكفان غازله

ستشرق الشمس بعد مخاض عسير

كالأم ساعة الولادة تعتصر بعضا من النور فوق السرير

فتبزغ وقد أضجرها الأسى

لترى ملك الموت يجمع عدته من فوق أجفان أثقلها الكرى

فتأتي أمنا (الصبر) معصبة الرأس موجوعة

تواسي كل نائحة لفقد الوليد وبالأهل مفجوعة

وتسأل وجه النهار أمازلنا نسير أم أن وجه الظلام أفنانا

لتمسح ما تبقى من دمائنا التي طبعت البارحة على أفواه عدانا

وتلتفت نحوي لتطمئن على ذكراك التي قبعت بالسويداء من حشيْ

فترى حمانا يجوبها زهر الوجوه وبسمة الأمل قد طبعت فوق ذياك أللميْ

فقلوبنا رغم الداء مازال بها بعض الوجيبْ

فقد قنعت الماسي اليوم بذلها ولزمت الصمت الرهيبْ

سنحاول ..يا أمي
أن نرسم شمسا ً
و ضلالا ً .... و نقاوم
عصر الذل ... هناك
فلا ..تبكي فلست
هنالك وحدي .. قد
نتلمس حلما ً يبكي
معنا ... فنواسيه
و نعلمُه ُ .. كيف
يجدد ..فكرته البلهاء
بأن الغازي منتصر ٌ
و أنّا في القيد حيارى
لا نملك شيئا ً في الدنيا
إلا جدرانا ً سوداء
و كلابا ً ...تختلس السمع
علينا ... و بكاء ...
ما زلنا ... يا أمي نحمل
في داخلنا ... خيط رجاء
لن نهزم ..يوما ً ...يا أمي
إنّا ... نحن نجوم الليل
و نور الفجر ... القادم
يا ... حسناء ... إليك
حبيبة عمري ... قطرة
ماءٍ ... من جسد ٍ
اتعبه الماء ....
فأنا يا قديسة روحي
في القدس أقيم ُ
الأشلاء ... ستولد
أمي في الاحشاء
ورودا ً ... و قنابل
لن تشفع يوما ً للبلهاء
لا ...لا تبكي يا امي
فالغاصب ...يعلم
أن الجسد الماثل
في زنزانة ٍ قبو ٍ
قد يتحول ... في
لحظات ٍ ... سنبلة
تقطع أنفاس العظماء ..
فيغني الحجر المنسي
لحنا ً أسطوريا ً ... ينسف
عاصمة .... الخيلاء ...
فأنا ... يا أم سأبقى
وجعا ً ..ممتدا ً من أرض
القدس ... إلى صنعاء .

مرسال آخر يحتضر وقلم يَشْرَقُ ببعض دموع الحرية

أنت أسير زنزانة رعناء ونحن أسرى أرضنا الشماء

فيها يمنع عنا الهواء بتهمة أننا نصنع من الهواء عزيمة وحجارة

ترى وجه المدينة المتجهم يواسي كل ركن فيها قد تهدم

لقد صار عندنا يا ولدي اضطراب في تقدير الليل والنهار

وخلل في تقدير الضحك والبكاء

وفي غمرة الآهة نسمع

نسمع صوت العزيز مناديا

هل من منجد ؟؟؟هل من رضيع منقذ؟؟

ينادي أن هبوا إلي جيوش أمتي

وهو يقبع في تكدر تروي له الأحجار خدعة قبة

مع زور وبهتان صورة الهيكل

ويصرخ فينا حين نعود من مدفن

الست أنا من أُسرِيَ إليٌَ ليلا؟ وطاف بأحضاني حبيب الأمة محمدا

صلى على ارضي الكريمة نبينا

ومن بين من معه موسى وعيسى ابن مريم

وريحي تعطرت بوقوفه إماما عربيا رافع الرأس منتصبا

من ارضيَ الحرة صعد السماء رسولنا

ليقابل رب العزة والجلالة

على أرضنا زمرة الجناة أقاموا

وهم كسوسة الأرض تحت حبيبنا تنخر

ونحن في غفلة كشياطين سليمان نرتع

نكدس أموالا لخراب الدهر نجمعها

ونبني قصورا لذوي الميراث واللهف

ولكن يا قرة الرحم

سوف يولد بعض من الأمل

مادام في يد اليافع حجارته

ومقلاع الطفل يواصل دورته

على أمل أن تخرج منه حجارة السجيل المحرِرَةِ

ونقول للتاريخ قول الشاعر

سَجٌِلْ أنا عربي

أماه ُ ..يا أماه
ما أخبار ضيعتنا
الجميلة ؟؟ ..
ما أخبار شجر اللوز
و الزيتون ...يا أمي
أما ..عاد ينادينا ؟؟
و ما أخبار أحلامي
التي بقيت هناك
على محطات الانين

* * * *
ما زلتِ ..يا أمي
تعدين الفطائر
للطيور ...
ما زلتِ ..يا أمي
تعدين الطريق
للعبور ...
ما زلت ِ ..يا أمي
الحبيبة .. تعصبين
الرأس ..بالشال
المزكش ..بالعطور

* * * *
قالوا ..لنا في
السجن .. أنّــا
قد نموت ...
بدون أن نلقى
الزهور ....
قالوا ..لنا .. أنّــا
سنبقى ... عاجزين
عن الكلام ...عن
المرور ...
لم يعرفوا ..يا أم ُ
أنّــا .. قد ولدنا
مرتين ...
مرة ً ..عند المخاض
و مرة ً في الأسر
يا ..أم العصور
لم ..يعرفوا ... أنّــا
سنبقى .. في الهواء
في السماء .. كالجذور

* * * *
لم يعلم المحتل
يا .. أمي بأنّــا
قد زرعنا وردة ً
في الأرض ..
ما زالت تخفي
نفسها .. خوفا ً
على أطفالها ..
من أن يجوعوا
قبل أن يأتي
الفطور ...
لم .. يعلم المحتل
بأن أطفالا ً
بلا مأوى ...
عاهدوا .. الزيتون
أن يضعوا الحروف
على السطور ...

أماه ..أدري أن
في عينيك ..تاريخا ً
من المستقبل الآتي
سيرسم في العيون
أعلم أنك ِ ..يا أم ُ
رغم القصف ..
باقية ٌ .. في موسم
الزيتون ...

حل شهر نيسان وبدأ شجر الزيتون يلبس حلته البيضاء

وأصبحت كل شجرة كأنها عروس بعثت لأحد الشهداء

هنا أصحاب القلم سلاحهم بعض المداد وورق منتفض

وأصحاب الهمم سلاحهم لثام وحجر وكفن

أما ذوي اللؤم والترف فسلاحهم ريشة ترسم الذعر وحاشية تصفق

بيعت القدس يا ولدي برغيف خبز ويزيد

اغتصبت هنا فوق لحاف العروبة

وكل يبعث مرساله ليخفي ثوب الفضيحة تحت بعض الجدر

كل خوفي يا ولدي على شامنا من بعد عراقنا

عراقنا الذي كان جرمه انه طير يأبى المكوث في القفص

وطير الشام أبيّ له عزة لا ترحم

ومقاس ريشه يضيق بالقفص

أنتم هناك في الأسر يا كبدي ماكثون كالغصة في حلق آكلكم

ونحن نسمع الأصوات في المصادح المكبرة

واحد يستنفر وآخر يعلن حالة عصيان وذاك يستنكر

ونحن يا دمعة الرحم ننتظر تطبيق استنكار

ونشتهي أن نلتمس معنى العصيان المنبعث من المصادح

صار داخل كل منا فصائل متناحرة

نتأرجح بين مطرقة العصيان وسندان تطبيقه

أتعلم ما يربط هذا بذاك؟؟

هي نفس المسافة التي تربط الألف باللام

هي نفس المسافة التي تفصل بين المعنى والهذيان

ها نحن يا ولدي نركل الأيام كالطفل الذي يركل حجرا أمامه

ليؤنس طريقه وهو يسير

وأنا أطرز لك من اللثام كل الألوان

وأكوم لك أكداسا من الحجر ومقلاع

وأعتق لك من الحبر ألوانا لترسم به اسمك فوق لوح الشهداء

فيوم مولدك نذرتك للرحمن خالصا مخلصا

ومازلت عند وعدي وأنا الحرة ابنة الأحرار

ومن هنا احيي كل أم تقبل وليدها كل صباح

أهنئها في كل ليلة حين يرجع بعد غياب النهار

اهدي سلاما لها حين ترتب فراش الضنى في مطلع كل شمس

وتشم ريح خَلقِها وما بَعَثَت لهذه الدنيا

شوقي لك صبي الدمع بلغ حدود اللا مكان

وكبدي ينتفض كالحمام المذبوح يرى كل أنواع الحرمان

لا تخف يا قلبي فنحن ذنوب الموت التي لا تزول

ولا تخشى الموت

فيده الصغيرة هناك لا تقبض أرواح الشهداء