قال أبو عبد الرحمن النسائي : أنبأنا محمد بن عبد السلام بن عبد الرحيم أنبأنا الفريابي حدثنا سفيان عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فسألوا فرخص لهم فنزلت هذه الآية " لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَاتُظْلَمُونَ"
وكذا رواه أبو حذيفة وابن المبارك وأبو أحمد الزبيري وأبو داود الحضرمي عن سفيان وهو الثوري به وقال ابن أبي حاتم : أنبأنا أحمد بن القاسم بن عطية حدثني أحمد بن عبد الرحمن يعني الدشتكي حدثني أبي عن أبيه حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية " لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ" إلى آخرها فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين وسيأتي عند قوله تعالى" لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ" الآية
حديث أسماء بنت الصديق في ذلك وقوله " وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ "
كقوله " من عمل صالحا فلنفسه " ونظائرها في القرآن كثيرة
وقوله " وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله "
قال الحسن البصري : نفقة المؤمن لنفسه ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله
وقال عطاء الخراساني : يعني إذا أعطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله وهذا معنى حسن وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع أجره على الله ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب البر أو فاجر أو مستحق أو غيره وهو مثاب على قصده ومستند هذا تمام الآية " وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَاتُظْلَمُونَ "
والحديث المخرج في الصحيحين من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –
قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبح الناس يتحدثون تصدق على زانية
فقال : اللهم لك الحمد على زانية لأتصدقن الليلة بصدقة فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غني
قال : اللهم لك الحمد على غني لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على سارق
فقال : اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق فأتي فقيل له أما صدقتك فقد قبلت وأما الزانية فلعلها أن تستعف بها عن زنا ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته .
ثم قال تعالى يعظ عباده ويذكرهم زوال الدنيا وفناء ما فيها من الأموال وغيرها وإتيان الآخرة والرجوع إليه تعالى ومحاسبته تعالى خلقه على ما عملوا ومجازاته إياهم بما كسبوا من خير وشر ويحذرهم عقوبته : " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ "
وقد روي أن هذه الآية آخر آية نزلت من القرآن العظيم فقال ابن لهيعة حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير قال آخر ما نزل من القرآن كله " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ البقرة (281) "
وعاش النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه الآية تسع ليال ثم مات يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول
رواه ابن أبي حاتم وقد رواه ابن مردويه من حديث المسعودي عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال آخر آية نزلت " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ " وقد رواه النسائي من حديث يزيد النحوي عن عكرمة عن عبد الله بن عباس قال آخر شيء نزل من القرآن " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " وكذا رواه الضحاك والعوفي عن ابن عباس وروى الثوري عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال آخر آية نزلت " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ "
فكان بين نزولها وموت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - واحد وثلاثون يوما .
وقال ابن جريج قال ابن عباس آخر آية نزلت " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ " الآية .
قال ابن جريج يقولون إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عاش بعدها تسع ليال وبدئ يوم السبت .
ومات يوم الاثنين رواه ابن جرير ورواه ابن عطية عن أبي سعيد قال آخر آية نزلت " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" .