حسن الكعبي
هل ثمة أدب إسلامي؟ سؤال يفهم من صيغته أنه يتعلق بالفضاء الإسلامي العام بمعنى أنه يسعى لرصد ملامح الأدب في السياق العام للإسلام بمختلف الايديولوجيات والحركات والتوجهات الاسلامية المتغايرة، ذلك أننا في حال الاستعانة بالمرصد الفكري في تقسيمه للمذهبيات الإسلامية، فإننا سنقع على مذاهب عديدة متنافرة ومتضادة، ولكل هذه المذاهب أدبيات خاصة تمثلها، وهو تمثيل يمتلك طابعا مؤسساتيا ينحاز للمذهبية على حساب الفضاء العام لمفهوم الانتماء الكوني، وإذا بتنا ندرك ذلك، فان عد هذه النوعية من الممارسات الأدبية تمثيلا للأدب الإسلامي هو ضرب من المغالطة، لن يجدي معها التقسيم المدرسي لتاريخ الأدب الذي اعتمد في سياق تصنيفه للأدب الإسلامي بحسب العصور.
فالمطلع على التوجهات الايديولوجية لهذه العصور بعيدا عن التبسيطية المدرسية يدرك أن كثيرا من توجهاتها هي علمانية وبطابع إلحادي، وبتشخيص أدق، إن العصر الأموي كان منفتحا على الأدب ومنتجا له، لكن بطابع إلحادي، والعصر العباسي وبحسب مدوناته الشعرية والنثرية في الغالب الأعم هو عصر الانفتاح على الوثنية والمجون وهو ما يمكن أن يصنفه في خانة العلمانية بطبعتها المتطرفة أو في بعض أشكاله ينتمي للوجودية العدمية بحسب المصطلحات المعاصرة.
إن وجود أدب ملتزم في بعض المذاهب الإسلامية أيضا لا يجعلنا نؤسس لوجود أدب إسلامي، إذا أردنا الدقة وعدم السقوط في فخاخ التعميمية، لأنه يبقى بالنتيجة أدبا يمثل مذهبا إسلاميا ما ولا يرتبط بالفضاء العام الذي نستشفه من صيغة السؤال الذي انطلقنا منه كعتبة لهذه القراءة، فالالتزام أو القيم الأخلاقية والإنسانية هي قيم عامة بالإمكان أن يشترك بها الأدب العلماني إذا جاز هذا التصنيف مع الأدب الذي أطلقنا عليه بالأدب المنتمي لبعض المذاهب المنتجة لهذه النوعية من القيم، مع إيماننا الشديد بأنها قيم عالمية نجد توجهاتها في الأدب الماركسي أو أدب التيارات الوجودية او الإنسانية....الخ.
في إطار ذلك يمكن القول أن الأدب الإسلامي هو تمثيلات فردية في الكون الإسلامي العام التي ستنتمي لفضائها العام في حال تم ربطها ببعضها وتخليصها من محمولاتها الايديولوجية، ومن ثم فإن الإجابة في هذه الحالة ستجزم بوجود نماذج لأدب إسلامي كانت رافدا أساسيا للأدبيات العربية ولأدبيات المجتمعات الأخرى غير العربية التي شكل الإسلام هويتها، والعكس يصح أيضا، أي إذا أردنا الإجابة عن وجود أدب إسلامي وفق التصنيف المدرسي، فإنها ستكون بالنفي باعتبار المخزون الوثني العالق في هذه النوعية من التصنيف، ومن ثم فإن الخصائص الوثنية التي أشرنا اليها تستبعد ارتباط هذه الحقب في التمثيل الأدبي للإسلام، لكن ثمة ملامح وخصائص في التمثيلات الفردية للمذهبيات الإسلامية من شأنها أن تكون أدبا إسلاميا خالصا، وتقعيده في حال وجوده في سياق نظرية تحكم توجهاته وتميزاته عن الآداب ذات الطابع الايدلوجي المتطرف مع ميلنا الشديد وإيماننا بعالمية الأدب المحكوم بتوجهات إنسانية عابرة للايديولوجيا.
في سياق ذلك يمكن القول إن الأدب الإسلامي تأثر بالتوجهات الايديولوجية والمذهبية التي كانت مانعا أساسيا في تكوين نظرية شمولية للأدب الإسلامي، وبالتالي فان ذلك يمنع من القول أن ثمة أدبا إسلاميا مع وجود توجهات مدرسية تشير إلى وجود أدب إسلامي بحسب التصنيفات العصورية وهو ما لايمكن الاستناد إليه، باعتبار أن التوجه المدرساني يتعامل مع التسمية في إطارها الشكلي دون النظر إلى المخزون الايديولوجي لمثل هذه التسميات، فعد الأدب الذي ظهر في فترات العصر الأموي والعباسي (وهو تكرار لما سبق لنا قوله) هو ضرب من المغالطة طالما أن المخزون الإيديولوجي لهذا الأدب هو مخزون الحادي ووثني تأثر بالتراجم عن الآداب الوثنية تأثرا مقصودا لتمرير نسق يتعارض مع الإسلام، ومن ثم فإن لاوجود لأدب إسلامي في إطار التخريج المدرساني التبسيطي، والحال أن هنالك ثيمات وتحبيكات إسلامية فرضت نفسها على الأدب بشكل عام وكونت عالميتها، وهي في هذا الإطار شكلت كونا من التلقي والتأويل الإسلامي مع أنها كتبت أو دونت من قبل أقلام من ايديولوجيات مختلفة او أنها في غالبيتها علمانية التوجه، وذلك يعني وجود التماعات في المنظومة الإسلامية قابلة على تكوين أدب إسلامي بنظرية عالمية، فالحادث القرآني وانتظامه لأصول أدبية في السياق الجمالي والفكري تمثيلا وكناية واستعارة – كما فصل ذلك سيد قطب في مجمل كتبه النقدية حول التصوير الفني في القرآن – من شأنها أن تشكل بنيانا نظريا يستند إليه في إنتاج نظرية أدبية إسلامية بالإضافة إلى (نهج البلاغة) وسيرة الرسول كما بنيت في موسوعة (سيرة ابن هشام) و( موسوعة الإمام علي) التي قدمها ببراعة عبد الفتاح عبد المقصود وفي بعض كتابات توفيق الحكيم ونماذج عباس محمود العقاد الإسلامية واستلهامات جورج جرداق لوقائع شهدها التاريخ وتمثيلها سرديا، بالإضافة إلى واقعة الطف التي كانت أوفر حظا في تمثيلات الحداثة العربية لكنها ظلت في حدود المستويات الشعرية ولم يكتب لها أن تدخل في الفضاء السردي، ودخولها الى الفضاء السينمائي كان دخولا ضعيفا لم يمثل في إطار ما مثلته الشعرية العربية على نحو متوهج في نماذج شعرية معروفة منها (قصيدة السياب الشهيرة مرثية جيكور، وثلاثية المرآة في قصائد ادونيس، وقصيدة غرام عراقية لفالح حسن عبد الرحمن، وقصيدة الحسين يكتب قصيدته الاخيرة لرشدي العامل وقصيدة عليه السلام لزاهر الجيزاني وقصيدة وتريات ليلة لمظفر النواب) وقصائد أخرى تحتاج الى وقفات طويلة لإبراز جانب تمثيل واقعة الطف جماليا وفكريا في هذه النماذج الشعرية التي تنتمي إلى المراحل الحداثية الأولى.
يثبت من خلال ما أشرنا اليه أن الادب الاسلامي موزع على شكل نماذج وهي تمثل مستويات من الرقي الأدبي الذي يسمح بوجود نظرية أدبية اسلامية شمولية وزعت داخل مساحات من التمثيل الادبي الإنساني العام، وهو ما يجعلنا نقول بعدم وجود أدب إسلامي بالمعنى المدرسي في سياق الأسباب التي بيناها، لكنها تسمح بتكوين نظرية أدبية تتميز بالشمولية والتأثير في الفضاء الأدبي العام في حال اعتماد إجراءات نقدية قادرة على نظم هذه النماذج وتخليصها من العوائق التي لا تنتمي للأدب الإسلامي لاشتمالها على قيم تتعارض مع القيم الإسلامية بل أنها تنهض على نماذج بأنساق ايديولوجية شوفينية استبعادية أدمجت في اطار من التبسيطية المدرسية ضمن الأدب الإسلامي
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟
منهج الأدب الإسلامي ليس بالأمر الجديد.. بل هو متصل بالشرع والعهد النبوي روى الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة في المجلد الثاني حديث رقم 801 (اهج المشركين ؛ فإن جبريل معك) "صحيح". وورد بلفظ: قال لحسان بن ثابت: إن روح القدس معك ما هاجيتهم. وسنده صحيح.
- وروى أيضاً في الجزء الرابع من السلسلة الصحيحة (والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر) وقال "صحيح".
- ولما ذم الله الشعراء كما في قوله تعالى في سورة الشعراء آية 224 (والشعراء يتبعهم الغاوون.. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون مالا يفعلون) استثنى البعض منهم فقال (إلا اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ماظلموا) فهنا كان الاستثناء لأصحاب المنهج وارتبط أدبهم بتقواهم.
إذاً فالأدب الإسلامي المراد هو ذلك الأدب الذي يرتبط بمنهج..
فالشعر أودية متعددة كما أشار إلى ذلك الشيخ السعدي في تفسيره.. ص702 فمنه المدح والغزل والهجاء ومنه الصدق ومنه الكذب ومنه الفخر ومنه السخرية وغير ذلك.. والشعر يخوض في هذا كله ويصيب ويخطئ إضافة لمخالفة الأقوال للأفعال عند البعض من الشعراء..
وكما كان لرسول الله شاعر فقد كان له خطيب وهذا صورة أخرى من صور الأدب.. فالخطبة والمقالة والندوة والمحاضرة هي أنواع من الأدب وكان ثابت بن قيس رضي الله عنهم هو فارس هذا المجال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكما وجد هذا النوع الراقي من الأدب وجد غيره مما يخالفه.. فقد تشبب كعب بن الأشرف اليهودي بنساء المسلمين فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته رضي الله عنهم وكان الأمر من الرسول صلى الله عله وسلم بمعاقبة هذا الفاحش في القصة المعروفة التي رواها البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه وليس هذا مقام ذكرها.
وهناك من قال ان الأدب الإسلامي بدعة
إن تأخر ظهور مصطلح الأدب الإسلامي لا يعني عدم وجوده
ولو تتبعنا التاريخ لوجدنا استمرار هذا المنهج.. وكم من المحدثين والفقهاء عرفوا بقوة الطرح وبتميزهم في أبواب الأدب المتنوعة.. كالإمام الشافعي، وابن الجوزي، وغيرهم الكثير.
فإن كانت هذه هي خلفية الأدب الإسلامي فهل يصح لنا أن نطلق عليه أنه بدعة؟ بالتأكيد سيكون هذا تجنياً ليس على قصيدة وقصة.. بل على دين ومنهج.
لك التحية سيدتي
التوقيع
[SIGPIC][/SIGPIC]
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 09-15-2012 في 02:43 PM.
علينا اولا ان نحدد مصطلح الادب الاسلامي هل المقصود به الادب الذي انتج في زمن الرسالة الاسلامية ام في العصور اللاحقة او هل المقصود منه الادب الذي يحمل الافكار الاسلامية واعتقد انه الاصح فاذا سلمنا بهذا الامر فاننا لانحدده زمانيا
بل موضوعيا فالادب الاسلامي الذي يسير على وفق المنهج الاسلامي موجود في كل العصور اذ نرى كثيرا من الشعراء عاشوا في ازمنة انتشر فيها الفساد الاخلاقي والترف المادي الا انهم حافظوا على عقيدتهم من ذلك على سبيل المثال ابو العتاهية
الذي تمثل زهدياته الفكر الاسلامي الرصين ومنهم دعبل الخزاعي وآخرون
فالادب الاسلامي لاينسب الى عصر بعينه بل ينسب الفكر وعقيدة وكل الازمنة فيها هذا الادب سامق بفكره شامخ بموضوعاته بل ان الشعراء والادباء كانوا يرون انفسهم اصحاب رسالة ومن واجبهم الدعوة الى عبادة الواحد الاحد وكشف زيف
المنافقين ودعوة الاغنياء لاداء حقوق الفقراء ونصرة المظلوم وما الى ذلك من موضوعات تهتدي بهدي الاسلام
السلام عليكم
قرأت ما كتبته الاخت الفاضلة والردود عليها
سأختصر ردي ..وهو وجهة نظر قد اتفق بها
مع الاخت الكاتبة او مع من شارك في الرد
وللجميع احترامي وتقديري
هناك نوعان من الادب الاسلامي..اولهما الادب الشمولي
وهو ما كتب في بداية الرسالة الاسلامية والخلفاء الراشدين
والاخر ادب الطوائف..وهو ادب انحاز بفكره لمجتهدات المنظرين
ولذا ..نفتقد في عصرنا الحديث الادب الشمولي
مراحل التاريخ الاسلامي والعربي..لم تدع للشمولية المنهجية
مكانا..بل الذي حدث هو طغيان الرغوة المعرفية ان صح التعبير
لتعطي عناوين للشمولية باصطفاف فكري ضيق
وهذا لا يمنع من ظهور هنا وهناك من ادب شمولي ولكنه لا بريق
له في ظل ادب منغلق جهويا يطغي على الساحة ويتصدر الواجهة
وتنقاد له الجمع..ولذا تبقى الاشكالية موجودة ما دامت هناك ارثية
طائفية وجهوية تصل في بعض الاحيان لحد التناقض الموروث والمعرفي
الذي ينتج ادب هجين عن البدايات وان تلون بلونها..ادب صبغ بالتطرف والميوعة
رغم تناقضهما واختفت منه لغة الاقناع والصدق والواقعية ولذا سادت لغة
التنظير الحالي بكل اشكاليته وصوره ورغوته البعيدة عن الشمولية النقية
ودست فيه ايدلوجيات ذات ابعاد قومية عنصرية وفئوية ومناطقية تتغلف بالشمولية
ولكنها تبغي بغير العنوان...ولذا شاب ما شاب الادب الاسلامي ..فأختفت ببواطنه الشمولية
واستوطنت به الجهوية واحتفض بالعنوان فقط شكرا اليكم..اتمنى ان وفقت ولله الحمد
لحقيقة موضوع جميل
هنا أعجبني جدا ما ذهب إليه الأساتذة قبلي ..
وربما أضيف :
أن هناك أدب إسلامي ظهر من خلال قصائد وأعمال
دون أن يكون الشاعر أو الأديب يكتب حصرا للأدب الإسلامي
أو لهذا الدين الحنيف ...
فالشاعر شوقي في نهج البردة / سلو قلبي / إلى عرفات الله وغيرها من روائعه
هي قصائد دينية تجسد الأدب الإسلامي ، في حين لم يكن قلمه كله مسخرا للكتابة في سياق الأدب
الإسلامي ...وما ينطبق على شوقي ينطبق على العقاد وابن الفارض وخالد محمد خالد وغيرهم ...
لذلك أعتقد أن الأدب الإسلامي هو أدب قائم وموجود وجاء تصنيفه لأنه يتناول الأدب من منظور ديني إسلامي
شكرا لك كوكب النبع الجميلة
موضوع شيق وراقني جدا
وقد أدلي فيه بدلوي وهو مايمثل وجهة نظري من خلال دراستي للادب الاسلامي في تخصصي الدراسي
فيما يتعلق بالشعر العربي
هناك بحوث متقدمة اثبتت ان الشعر كان قبل الاسلام قويا منيعا
لكن بعد الاسلام وجدت فيه بعض الركاكة والضعف لاسباب كثيرة منها تضييق المفاهيم الاسلامية للاغراض الشعرية التي كانت سائدة من الهجاء والمنافرات التي تدعو للخصومات واثارة الفتن والغزل الفاحش الذي يخدش الحياء والتفاخر بالقبيلة على سبيل التعصب وغيرها
لكن الاسلام قطعا لم يحارب الشعر لكن اعداء الاسلام حرفوا قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ((لئن يمتلئ جوف احدكم قيحا خير له من ان يمتلئ شعرا ...)) ويسكتون والحقيقة ان تتمة الحديث هي:
شعرا هجيتُ به
فاذن الاسلام لم يحرم الشعر
لكن الضعف الذي دب في اوصاله حين تضييق الاغراض قد يقف هنا حلا لاشكالية وجود او عدم وجود أدب اسلامي
بالمنطق المطروح ليكون مصدا لمن يقول بعدمه
اذ ان النماذج العالية التي وصلتنا ترسخ مفهوم وجود أدب اسلامي صرف تمثل بشعراء الدعوة
ومثالهم حسان وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك الذين وقفوا في قبال شعراء قريش من الكفار وشعراء اليهود
وقل ذلك عن النثر في ازدهار الخطابة على وجه الخصوص ابان العهد الاسلامي زمن النبي والخلافة الراشدية
كبير اعتزازي ست كواكب بما تطرحون
فتحيتي
التوقيع
دِيمَة سمحةُ القيادِ سكوبُ
مستغيثٌ بها الثرى المكروبُ