مريم العذراء سفينة تحمل خمسين ناشطة لبنانية وعربية وأوروبية وأميركية. منهن الأكاديمية والمحامية والإعلامية والمربية والراهبة والفنانة وربة البيت، وعلى متنها مواد إغاثة إنسانية، وجهتها غزة المحاصرة، بغية نجدتها، ومحاولة كسر حصارها الظالم الذي فرضه الإحتلال الإسرائيلي عليها.
إسرائيل ترفض، تهدد وتتوعد بحجة أنها طبقت إجراءات جديدة ، خففت بموجبها قيود الحصار المفروض على غزة، ولدواع أمنية على حد زعمها، رغم أن ناشطات هذه السفينة صرحن أكثر من مرة أنهن لا تحمل سفينتهن إلا مواد إغاثة إنسانية، وأنهن لا يفكرن مطلقا باللجوء إلى العنف، فهن أولا وأخيرا سيدات متحضرات على جانب عال من الثقافة والإنضباط.
وحقيقة الأمر إن الإجراءات الجديدة التي تتحدث عنها إسرائيل فيما يخص حصار غزة الذي مضى عليه أربع سنين، ما هي إلا وسائل تجميلية، هدفها امتصاص نقمة العالم، والضغوطات التي تمارس على إسرائيل بغية رفع هذا الحصار الظالم الذي أذاق أهل غزة الأمرين، وجعلهم يعيشون في ظروف غير إنسانية.
في تاريخهم الحديث والمعاصر، عرف الفلسطينيون طوال عقود من تاريخ نكبتهم المستدامة أشكالا وألوانا لا حصر لها ولا عد من الحروب عليهم. وها هو الإحتلال، تحت ظلال الصمت العربي، يضيف على هذه القائمة الطويلة من أساليبه العدوانية إغلاق المعابر، وقطع الغذاء والدواء والوقود والكهرباء عن شعبها شيبا وشبانا، أطفالا ونساء ورجالا، لعله هذه المرة ينال منالا، حاول مرارا وتكرارا أن يناله، وهو على يقين بأنه لن يناله مهما كانت التحديات.
إنها الحرب على الفلسطينيين، وليس لها شكل ولا مضمون آخر، إلا أنها الحرب. وقد أصبحت أهدافها معروفة للقاصي والداني، للفلسطيني وللعربي تحديدا.
إن أي ذي بصر وبصيرة، لا يمكن أن يفسرها إلا على أنها تأتي في مسلسل المساعي لتصفية القضية الفلسطينية من جذورها، أو بصحيح العبارة ما تبقى منها، وفرض الحلول الإستسلامية على شعبها الذي أثبت على مدى اثنين وستين عاما، هي عمر نكبته، أنه غير قابل للإنكسار والهزيمة، أو التخلي عن ثوابته الرئيسة، مهما كانت تضحياته وآلامه ومعاناته. وكل ذلك يجري والعالم العربي صامت صمته المريب، يتفرج دون أدنى حراك فعلي.
إن الفلسطينيين وحدهم في المعترك. وهذه حقيقة لا جدال فيها. وإسرائيل تحاربهم على جبهات عديدة. ومثالا لا حصرا جبهة الجدار الفاصل الذي أشرف على الإنتهاء.
وهي ماضية في تدمير الطبيعة الفلسطينية وتخريبها، واغتصاب خيرة الأراضي الفلسطينية بغية إقامة المستوطنات عليها. وهي سادرة في تهويد القدس وتغيير معالمها الجغرافية والديموغرافية.
ناهيك عن أقسى الممارسات الإحتلالية من حصارات وإغلاقات وحواجز أمنية ينوف تعدادها عن خمسمائة وخمسين حاجزا. في ظل هذه الممارسات القمعية، هناك الإجتياحات والإقتحامات والمداهمات المستدامة ليلا نهارا، والتي تكون حصيلتها المزيد من الإغتيالات والإعتقالات، وطرد المواطنين الآمنين من بيوتهم وتشريدهم.
إن هذه الحـرب على الفلسطينيين ليست جديدة، وإنما هي قديمة قدم القضية الفلسطينية، وفي ذات الوقت فهي مستمرة، الا أن وتيرتها تتباين من آن إلى آخر، وقد حملت السنوات الثماني، وتحديدا منذ الإجتياح الإسرائيلي الأول للأراضي الفلسطينية في العام 2002، وحتى هذه الأيام في ثناياها من شرور الحرب وشراستها وأحقادها وتحدياتها وإفرازاتها الكارثية ما لم تحمله كل سنوات النضال الفلسطيني .
ومع ذلك فهناك ما هو جديد جدا فيها وهو أنها أصبحت حربا على الفلسطينيين وحدهم دون أمتهم. ونحن لا نجابي الحقيقة، ولا نتجنى عليها حينما نقول إن الفلسطينيين أصبحوا وحيدين في الميدان، ليس لهم أي عمق عربي رسمي ولا إسلامي، اللهم باستثناء هذه القوافل الخيرة التي تتحرك بين الفينة والأخرى والتي تؤكد على أن هناك ضمائر إنسانية ما زالت حية.
إن الشعب الفلسطيني بمجمله على يقين بأن هناك ضمائر إنسانية حية لم تلوثها منظومة الحقد والكراهية والتسلط على الشعوب،تقف إلى جانبه وتؤيد قضيته.والشعب الفلسطيني لا ينسى أيضا الشرفاء من بني جلدته أبناء العروبة الأوفياء وما يقدمونه دعما لقضيته الإنسانية.
لقد كان ولا يزال حصار غزة على مسمع الدنيا ومرآها، حصارا اشتركت فيه الولايات المتحدة الأميركية،والعديد من دول الإتحاد الأوروبي،ودول أخرى من هذا العالم الجاحد الظالم.
إلا أن الأنكى من ذلك كله أن الأنظمة العربية قد أسهمت به بصورة أو بأخرى، بل كان لها دور في تجسيده على أرض الواقع.وأما الذين لم يفقدوا الرحمة في قلوبهم،ويتحركون لنصرة شعب فلسطين المحاصر، فإنهم يستحقون كل تقدير في المعنى والمبنى.ويستحقون أن تتوج رؤوسهم بأكليل الزهور.
عودة إلى سفينة مريم، سواء كتب الله لها سلامة الوصول، أو غير ذلك من الإحتمالات، أو أنها كانت مجرد حملة دعائية ضد الحصار من قبل الناشطات، فليس المهم ما سوف تقدمه هذه السفينة من مواد عينية وأدوية وأدوات مدرسية ولعب أطفال.
إنها في كل الحالات، تظل رمزا في حد ذاتها، هدفها هو كسر الحصار الظالم الذي قض مضاجع الغزيين القابعين تحته بتحدي هذا العالم الكبير الذي أغمض عينيه عن مأساة مليون ونصف من المواطنين الفلسطينيين يرزحون تحت الإحتلال هم وإخوتهم في الضفة الفلسطينية، وفي مقدمته هذا العالم العربي، وهذا العالم الإسلامي.
وكم كانت الصيحات تقرع أبواب الأنظمة العربية، وهي غير آبهة بما يدور حولها. لقد كانت هذه الصيحات تذهب أدراج الرياح هباء منثورا. فلا جامعة الدول العربية، بأمينها العام الذي وعد ذات مرة أنه سوف يكسر هذا الحصار، فكان وعده حبرا على ورق، ولا الأنظمة العربية والإسلامية التي غضت النظر عما يدور في القطاع المنكوب، وتجاهلته في أجنداتها السياسية.
لقد نام العرب الذين كانوا، ورحم الله ما كانوا عليه من شهامة ومروءة ، وضمير حي. يوم كانت تغتلي فيهم نار الحمية والنجدة قبل عشرات السنين. أما اليوم فكل في طريق، وكل في سبيل، لا يفكر إلا في نفسه. وتحية إكبار وإجلال لكل محاولة إنسانية هدفها فك الحصار ونصرة أهله.
التوقيع
أعزائي الكرام
تحية طيبة
يسرني أن أقدم نفسي لكم
أنا د . لطفي زغلول
شاعر وكاتب فلسطيني
رئيس منتدى شعراء الفصحى
في موسوعة الشعر العربي