الحمد لله رب العالمين القائل في مُحكم الذكر: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، الحمد لله الذي هيّأ لنا أسباب الهداية، ووفقنا إلى تدبّر هذا القرآن، ويسّر لنا التعرّف على دررهِ التي لا تنقضي.
مِن لطائف القرآن ومزاياه أن تأتيَ الكلمة الواحدة فيه متصرِّفةً على وجوهٍ كثيرة، ومعانٍ عِدة قد تكون متغايرةً، وقد تكون متقاربةً أو متوافقة، وقد جعَل بعض العلماء ذلك من أنواع إعجاز القرآن؛ حيث كانتِ الكلمة الواحدة تنصرِف إلى عشرين وجهًا وأكثر وأقل، وقلَّما يوجد ذلك في كلامِ البشر.
والصلاة والسلام على من كان القرآنُ العظيمُ إمامَه وخلُقَه وشفاءَه، سيدنا ومولانا وحبيبنا محمَّد، مَن أكرمنا الله به وجعله شفيعاً ورحمة لكل مؤمن أحب الله ورسوله، وعلى آله الطاهرين وأصحابه الطيبين وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد
اتخذنا وبفضل الله ومنذ زمنٍ ليس بالقصير منهجاً في البحث القرآني عن مفردات لها أهميتها في معرفة معاني الآيات وتدبرها، وهذا المنهج في جمع مفردات اللفظ من مواضعه المختلفة ومن ثم دراستها وتحليلها لتمثل المنهج الذي ينبغي السير عليه في تكوين التصور الصحيح للمفاهيم القرآنية، مع الأخذ في الاعتبار ما قد يعتريها من قصور بسبب الانشغال بالمظهر عن الحقيقة، والمنطوق عن المفهوم، ودلالة اللفظ المطابقة عن دلالته باللزوم والتضمن... وما إلــــى ذلك مما يستنبطه العلماء من معانٍ قد تخفى لأول وهلة
عن الناظر.
وفي هذا الكتاب بإذن الله سنكون مع مفردتين متلازمتين على نطاق واسع مأخوذتين أولاً من آيات الذكر الحكيم ومن ثم من أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام وأقوال العلماء أيضاً.
مفردة البر ومشتقاتها وردت في خمسة عشر آية أما مفردة الإحسان ومشتقاتها وردت في مائة وخمسٍ وسبعون آية من الذكر الحكيم.
وقد ورد معنى البر في القرآن بأنه هو عين التقوى قال تعالى: (ولكن البر من اتقى) [البقرة: 189].
والعلماء يذكرون في هذا السياق لفظ البر والتقوى كمثال للألفاظ التي إذا اجتمعت افترقت، وإذا افترقت اجتمعت، أي اتحاد مفهومها حال ذكر كل منهما وحده، واختلافه حال اجتماعهما في سياق واحد.
وورد معنى الإحسان هو إتقان العمل ليصبح على أكمل وجه، فإن كان العمل خاصا بالناس وجب تأديته على أكمل وجه وكأن صاحب العمل خبير بهذا العمل ويتابع العامل بكل دقة. ... فقد ورد في السنة قول النبي محمد صلوات ربي وسلامه عليه في تعريف الإحسان:>>أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»
فهذا هو عملي - وهو جهد المقل –، أتمنى أن يكون على خير صورة وأفضل وجه، فإن كنت قد أصبت فهو من عظيم فضل الله تعالى ومنته عليَّ، وهو من توفيقه تعالى فله الحمد، وإن كانت الأخرى فمني وأستغفر الله، وحسبي أنني بذلت ما أستطيع داعياً الله سبحانه أن يكون هذا بذرة أخرى لخيرٍ أتمنى على الله قبوله، وأن يثبت قدمي على طريق دينه وعلمه وخدمة شريعته، فذلك هو غرضي المأمول وهدفي المنشود، والله من وراء القصد.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمنا الإخلاص والصواب
وأن يكون هذا الكتاب و كل حرف فيه خالصاً لوجهه الكريم.
ونسأله عزَّ وجلَّ أن يجعل في هذا البحث النفع والخير وأن يكون تذكرة لكل مؤمن أحبَّ هذا القرآن ليدرك عَظَمَة كتاب ربه.