ذات خميس ...!

أذكر في صِباي أنني كنت طالبا مشاغبا (هادئا )، لا أحب المواجهات ، لا سيما المواجهات الخاسرة في المدرسة مع المدرسين (المصارعين ) وما كان أكثرهم في صفنا .. كنت أسميهم بأسماء تتناسب مع توجهاتهم الفكرية أوعضلاتهم البارزة (المقصودة) ،وأخص منهم مدرس اللغة الإنجليزية الذي كان قد خطب لتوه فتاة جميلة (زميلة لنا) ، لا أدري كيف أثرت على شخصيته هكذا وجعلته انسانا يفيض عذوبة ورقة ... إلا يوم الخميس !

وكنت أتمنى أن يمتد تأثيرها المشع عليه فلا يتوقف عند الأربعاء بل يشمل الخميس أيضا لتنتهي أيام الأسبوع على خير .. . المهم قدر الله وما شاء فعل ... فقد كان يوم الخميس هو اليوم المشؤوم عنده وعندنا .. وعند الناظر ربما ..

أذكر ذات خميس أنه كان يشرح الدرس .. وكان مرتبكا حادا مخيفا مرعبا ، والفصل يطبق عليه صمت مهيب كصمت القبور ، والصمت هنا عبارة عن ردة فعلة عادية جدا على أمارات الشر المرتسمة على جبينه المُقَطب ، وقسماته الحادة والبادية أثارها أيضا على حركاته المتشنجة .. فأردت أن أكسر حاجز الصمت هذا ، لا أدري أي جهل حملني على هذا ... ؟!

رفعت يدي ، وفرجت بين أصابعي ، وهويت بكفي على ظهر زميل يجلس أمامي . فأحدثت الضربة انفجارا عظيما وسط صمت قاتل .. لم يكن صوت انفجار الضربة المدويّ بأعلى دويا من صراخ ( أشرف ) زميلي ... انكسر حاجز الصمت إذن .. وكانت مصيبة لا تزال تناوشني أثارها حتى اليوم ..؟!

استدار المدرس للخلف بسرعة الضوء أو أسرع ، طمعا أن يري الفاعل أو المفعول به .. ولكنه لم ير شيئا ... نظر إلينا متفحصا بعيون زائغة تتطاير شررا فم ير أثرا يدله على شيء، فامتلأ حنقا وربما حقدا أيضا .. نظر إليّ فيمن نظر إليهم فوجدني - كعادتي - كأنما تسمرت عيني على السبورة منذ أسبوع ، ولم أبد حراكا أو اندهاشا .. كنت أدرك تماما - كما يدرك غيري - أن الحركة البسيطة في هذه اللحظة الفارقة .. ربما تكون بداية لنهاية محتومة في أقرب مستشفى ..!

جعل يدور ..ويدور حولنا ثم انتزع أحد أرجل الكرسي الأربعة لا أدري كيف ؟ وقصد إلي انا وأشرف .. فأدركت تماما أن عميلا مزروعا بيننا قد أشار إلينا من الخلف .. فقـفزت من فوق المنضدة قاصدا الباب وخلفي أشرف وهو خلفنا يركض عبرت إلى الممر أمام الفصول ركضا ، وأشرف خلفي وهو خلفنا ..

قطعنا شوطا لا باس به حتى وصلنا نحو البوابة الرئسية .. نظرت إليها من بعيد فرايتها محكمة الغلق .. غيرت خط سيري وانعطفت يسارا لاهثا وهو يلهث وراءنا والناس ينظرون .. فدخلنا في ممر ضيق بين سور لمدرسة والبنايات الإدارية ، كان مكانا وعرا به حفر وبقايا هدم .. تعمقنا فيه فأراد أن يتعقبنا فمشى خطوات وتعثر فلم يستطع ... فعاد لاهثا منهمكا ولم نعد نحن إلا في اليوم التالي ... بعد إجازة نهاية الأسبوع ...

كان هذا المدرس صديقي قبل أن ينقلب عدوا يوم الخميس وكنت أدرك تماما أنه لن يعاقبنا السبت ولا الأحد ... وقبل يوم الخميس التالي سيكون قد ذابت أثار هذه الحادثة في غمرة أحاديثة البالغة التاثير مع خطيبته المؤثرة ....

علمنا بعد ذلك من مصادرنا المطلعة أنه يتواصل ( صوتا ) مع خطيبته طيلة أيام الأسبوع فيكون منتشيا سعيدا رقيقا ، ويزورها فقط يوم الخميس .. فيكون مرتبكا وفي غاية الإضطراب تجهيزا واعدادا لحديث (الصوت والصورة ).. ولا يريد لأحد أن يكدر صفو مزاجه ويخرجه عن (موده ) حتى يمر اليوم بسلام ..
فكان كأنما يشدو بكلمات الهادي آدم يوم الأربعاء :

أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غـــــدٍ
يالشوقي واحتراقي في إنتظار الموعد
آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا
كنــت أستدنيه لكن هبته لما أهــــــابا


اللهم اغفر له وارزقه الذرية الصالحة
واجزه عنا خيرا حيث كان
فقد كان سببا في حبي للغة الانجليزية ومحو أميتي بها

قرأت قصتك باهتمام و أنا أتخيل كل حركة من حركاتك و أبتسم لانني عدت بفكري إلى مقاعد الدراسة أبحث في ذاكرتي عن قصة مشابهة لاحد زملائي المشاغبين(الهادئين)
طريقة سردك رائعة لانك استطعت أن تنقل لنا الاحداث بالصوت والصورة
أنتظر حرفك
كل التقدير

نسيت أن أسألك
هل التقيت بهذا الاستاذ بعد تخرجك؟

لله الأمر إذن
بوركتم وأجاركم الله كل شر
محبتي والاحترام

ذكريات جميلة صبّت في قالب سردي أنيق
يأسر الذوائق بمرونته.. بلغتك الراقية الموحية
دام ألقك أخي ياسر سالم
كون من ياسمين
يعرّش فرحاً على عرش روحك

تذكرني بصفحة من مدرّس العلوم وقتها
لم اتلقّ بمثلها قط
كانت بسبب حديث صديقي الجالس خلفي
حين همس لي و استدرت لاستمع اليه
فوقعت العقوبة عليّ
شكرا لانك ارجعتنا لمقاعد الدراسة الاولى
نص رائع جدا .. حييت

اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ليلى أمين     قرأت قصتك باهتمام و أنا أتخيل كل حركة من حركاتك و أبتسم لانني عدت بفكري إلى مقاعد الدراسة أبحث في ذاكرتي عن قصة مشابهة لاحد زملائي المشاغبين(الهادئين) طريقة سردك رائعة لانك استطعت أن تنقل لنا الاحداث بالصوت والصورة أنتظر حرفك كل التقدير نسيت أن أسألك هل التقيت بهذا الاستاذ بعد تخرجك؟

جميل أن نجتر بعض سطور من الماضي
نستدفع به العلقم الذي خيم على القلوب والأرواح
لا بأس بفسحة نطرح فيها الكلفة ونشيع الألفة ونجتمع على مائدة الصبا
شكرا لحضورك استاذة ليلي
ولعله من أسف أن أخبرك بأنني هنا في غربتي قد تلقيت - فيما تلقيت من ألم - نبأ وفاة أستاذي العزيز
رحمه الله وغفر لنا ما سلف من نزق ورعونة
وجعل مثابرته معنا وتعليمه ايانا في ميزان حسناته
تقديري

جميلة هي أيام الدراسة ففيها من المواقف التي لاتنسى والتي لايمكن أن تمحى من الذاكرة
تقديري لنبض يراعك
وأزكى تحياتي

اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ألبير ذبيان     لله الأمر إذن بوركتم وأجاركم الله كل شر محبتي والاحترام

اشكرك استاذ ألبير
امر كان ثم انقضى منذ زمن بعيد
ولكن .. لا باس باجترار بعض الذكريات حتى وإن كان فيها نوع مرار
هي بمرارها ربما اجمل من احلى واقع نعيشه الآن
تحياتي لحضرتك

اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنان الدليمي     ذكريات جميلة صبّت في قالب سردي أنيق يأسر الذوائق بمرونته.. بلغتك الراقية الموحية دام ألقك أخي ياسر سالم كون من ياسمين يعرّش فرحاً على عرش روحك

اشكرك على داعوتك الرقيقة
وعلى قبولك الحسن لهذه الشخبطة التي اندرست معالمها في مدى زمني موغل في الصمت والنسيان الآن ..
مرور جميل راق
تحياتي لحضرتك وبورك قلبك الطيب ..

اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي التميمي     تذكرني بصفحة من مدرّس العلوم وقتها لم اتلقّ بمثلها قط كانت بسبب حديث صديقي الجالس خلفي حين همس لي و استدرت لاستمع اليه فوقعت العقوبة عليّ شكرا لانك ارجعتنا لمقاعد الدراسة الاولى نص رائع جدا .. حييت

جميل ان نتذاكر أيامنا التي خلت
وقد كانت لفرط عفويتها رائقة جميلة
رغم ما قد تصطبغ به من انفلاتات ما كان أجدرنا بالتنزه عنها في فترات عمرنا الأولى ...
قدر الله وماشاء فعل
اشكرك استاذ علي التميمي على وجودك هنا
وغفر الله لمدرسك الذي فعل هذه الفعلة المنكرة ...
فما اهون من صفعة الوجه ,,
ففيها خشونة وتحجر وقساوة ...
وهو امر مذموم جدا ... قد نهى الشرع عنه
وفيه امتهان لخلق الله المكرم واكرمه الوجه ... ولقد كرمنا بني آدم ...
تحياتي لك وبورك أيامك