المثقف عندما يصير كائناً أعرج «المثقف الأزدواجي»
عن صحيفة الدستور الأردنية جلال برجس
ما زال يُنظَر للمثقف على أنه ضمير الأمة - أي أمّة - والرائي المستشرف للمستقبل اتكاء على ثقافته الواسعة والتي تؤهله لتبوئ هكذا مكانة ريادية تقدمية في تنظيراتها وتطبيقاتها وتجاوزها السائد الراكد إلى الديناميكي المؤهل للحراك المجدي ، ومازال ينظر عبر التزامه بمبادئه التي أنتجتها مفاهيمه الخاصة - المُنتجة من كم الثقافة العام ، للعالم بكل أركانه الاجتماعية والثقافية والسياسية والفكرية والأخلاقية ، على انه حجر الأساس في المحافظة على المنجز والسعي لتطوير ذلك المنجز الإنساني.
أقول مازال المثقف يحتفظ بشيء من مكانته رغم صدمة التحولات والتقلبات بل والانفجارات العالمية التي غيرت وبدلت الكثير من المفاهيم والأسس وحتى بعض المسلمات ، لكننا إزاء هذا الميكانزم الإنساني المهم بل والاهم ، نطرح سؤالا مصيرياً في غاية الأهمية ونحن نرى حالة من الانفصام في شخصيات بعض المثقفين أو لنقل ازدواجية قاسية في شكلانيتها ومربكة في مضامينها والإسقاط هنا ليس إسقاطا ثقافياً بقدر ما هو إسقاط أخلاقي بحت يُعَّول عليه في خضم هذا التساؤل الحياتي المهم ، وهنا لا أتطرق إلى مثقف واحد بعينه بل أتطرق إلى عدد لا يستهان به من المثقفين ، بل شريحة تتماهى في الوسط الثقافي ويكاد كثير من رموزها أن يكونوا على قدر من الانجاز الثقافي الملفت للنظر ، إذ أن تلك الازدواجية باتت تشير إلى خلل خطير في الصورة العامة للمثقف وللثقافة وبالتالي إلى متلقيْ تلك الثقافة ، وهو الأساس في العملية الثقافية برمتها ، الذي بات حائراً بين وجهتي نظر يتبناها بعض المثقفين.
ففي حديث الندوات والمؤتمرات والصالونات الثقافية منها والسياسية يتم تصدير كم هائل من وهج الالتزام بقضايا كثيرة على سبيل المثال منها لا الحصر: قضية المرأة التي يظهر لنا أن ذلك المثقف يتبنى نهجاً كونياً إنسانيا في تعامله مع المرأة وقضاياها متكئاً على ثقافة واسعة في مجريات هذه القضية وتفاصيلها فكرياً وأدبياً وأخلاقياً فنعول عليه في العبور بصدد ما تعانيه المرآة إلى ضفة أخرى أكثر رحابه وأكثر التزاماً ، لكن على ما يبدو ان تلك الشخصية وما اعتراها من تنظير والتزام يبقى حبيس الورق في صفحات الكتب وفي جدران تلك القاعة التي شهدت تلك الندوة أو المحاضرة وشهدت إعجاب المنتديين والحضور ، فالمثقف الازدواجي يترجل عن صهوة التزامه هذا عند باب بيته في تعامله مع تفاصيل حياته الخاصة ، فالمرأة داخل تلك الجدران ما هي إلا واحدة من حريم زمان مضى ، حريتها تنتهي عندما يعبر بوابة البيت ، ، صوتها يجب أن لا يتعدى نافذة المطبخ الذي تفوح منه روائح البصل والثوم ، وقرارها محصور في كم ونوعية احتياجات البيت.
ذات مرة سألته عن معنى تلك الازدواجية فقال أن المجتمع لا يرحم وبالتالي هو غير قادر على أن يكون الضحية في التغيير وان ما يقال على صفحات الورق وفي قاعات المحاضرات ما هو إلا كلام لا يتبعه غير الكلام.
وللمشتغلين في حقل الثقافة أن يلاحظوا الخلل الحاصل في هذه الزاوية الأساس ، إذ يتبدى الاختلال واضحا وجلياً في تلك المساحة الفاصلة مابين شخصية المثقف كمثقف ملتزم بتنظيراته الثقافية ومابين التطبيق لتلك التنظيرات ، فانتخابات الهيئات والروابط الثقافية على سبيل المثال تعد مثالا آخر و خير دليل على تلك الحالة ، إذ تصير بعض ساحات الانتخابات مكاناً لمعارك بعيدة كل البعد عن ميكانزم الالتزام الذي يجب أن تسيره الثقافة الديمقراطية في الأصل لا الصراعات المبنية على أجندات لا تعترف بها الثقافة الأصيلة والثقافة المبنية على الحوار الحر والالتزام الحقيقي المحايد.
قبل أن اسأله كنت من المأخوذين به عبر كتاباته التي كانت تبهج ذائقتي الأدبية والثقافية ، إذ أنني كنت أرسم له ملامح من خلال ما يكتب ومن خلال تلك الطروحات الإنسانية التي جاءت بها صفحات إبداعه ، قلت له: أرى مفارقة خطيرة بين تلك الشخصية التي استوعبتُها عبر منجزك الإبداعي ومابين ما أراه الآن ؟ لكن إجابته أتت صادمة وهو يقول أنها نوع متفرد من البراغاماتية ، السياسية التي تتطلب منا هكذا ، صادمة إجابته إذ انعكست على شخصيتي كمتلقي راح يفقد الثقة بالسائد الذي تشوهه مفاهيم ترسخ ذاتها كعقبات بحجم الكون
هذه حالة تشابهها حالات كثيرة ثقافيا واجتماعياً وفكرياً وسياسياً وأخلاقياً ، تبين لنا مدى الشرخ الحاصل في شخصية المثقف ، الذي أسميه المثقف ألازدواجي الذي يقول مالا يفعل ويفعل مالا يقول ، إذ أن ذلك المثقف يتحول في هذه الحالة من ضمير للأمة ومستشرف لمستقبلها إلى كائن اعرج بما أن ثقافته عرجاء
شاعر وكاتب اردني
التوقيع
الشعر دمعة الفلسفة
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 07-22-2010 في 11:50 AM.
رد: المثقف عندما يصير كائناً أعرج(المثقف الازدواجي)
صباح الخيرات جلال
موضوع قيم فعلا يحتاج لنقاش مطول عن الإزدواجية التي يعاني منها المثقف
وخاصة فيما يتعلق بتعامله مع المرأة سواء كانت المرأة المثقفة أو المرأة الزوجة ( الخاصة به )
لا بد من عودة تليق بهذا الموضوع كونه يمسنا بشكل مباشر كنساء
تقبل مروري الأول ولي عودة تليق
مودتي
رد: المثقف عندما يصير كائناً أعرج(المثقف الازدواجي)
عزيزتي سمية, هذا عائد إلى بعض الخلل في ثقافتنا الشعبية، وليس كما يقول البعض ثقافتنا العربية، في مُكَوّن المثقف العربي هنالك إزدواجية لهذا السبب نرى احيانا المثفق مزاجيا في رؤيته للعالم/تحياتي لك