أيْ سيّدي : كانَ عَطاؤكَ وَافرًا فأضحَى مُحبُّكَ برَدِّ الجَميلِ مُجاهِرًا ، أجَلْ يا سَيّدي ، عَلَّمتَنا أنْ لنْ يَعرفَ الفضْلَ لأَهلِ الفَضلِ إلا ذوُوهُ ، وَعَلمتَنا أنَّ صَاحبَ المعروفِ لا يقعُ ، فإنْ وقعَ فإنَّهُ واجدٌ لا مَحالةَ مَا سوفَ يتكىءُ عليهِ ، وَلا يغرُبُ عن كلِّ ذي بالٍ يومَ أرشَدتَنا – وأنتَ المُرشِدُ الأمينُ – أنْ نهجرَ خلفَ ظهورِنا ما يلوحُ في الأُفقِ مِنْ سَماديرٍ وَهذرماتٍ لا نخرُجُ منها بطائلٍ أبدًا ، وَتُنسبُ إلى الأدبِ زورًا وَبُهتانًا ، وَكنا يومَها نتدارسُ أنَّ الذي كان يَهمي مِنَ القلبِ فهوَ لا ريبَ واصلٌ إلى القلوبِ ، وأنَّ ما لَعلَعَ بهِ اللسانُ فهوَ بالكاد مُستقرُّهُ صِيوان الآذانِ . فالرُّوحُ والقلبُ للإبداعِ عُنوانُ وليسَ يَجْفوهُما في العِلمِ إنسانُ ما أنسَ لا أنسَ لحظةً أهديتُكَ فيها نصًّا مِنَ البداياتِ والبَواكيرِ ، فإذا بكَ وقبلَ أنْ تقرأهُ تُخاطبُني بلسانِ الواثقِ ذي الأمل الشَّاهقِ : إذًا أنتَ شاعر؟ ، وَكانَ الصَّمتُ منّا أبلغَ جَوابٍ وَصَلتكَ إشاراتُهُ ،أوَ لستَ أنتَ القائل : سكوتُنا أبلغُ من كلامِنا ؟ وَلعلكَ الآنَ تعلمُ عِلمَ وَحقَّ اليَقينِ شيئًا مِن صَنائعِ الفَتى المُجِدِّ ومَا أغدقَ بهِ عَليهِ كلُّ مَن أحسَنُوا به ظنًا ، فَلمْ يَعرفوا مِن مآثمِ البَواطِنِ مَرتعًا ، وَلا مِن بُهرجِ المَظاهِرِ مَخدعًا ، وَلستُ هُنا سَيّدي أعني مَغاني الفخرَ تاللهِ كاتبًا ، أو مُتظاهرًا بتزويقٍ يَستدرُّ السَّردَ مُسهبًا ، أو مَعنيًّا بما يُردّدهُ في فسحةِ الغيابِ العاذلونَ ،وإنّما هيَ للذكرى كتابٌ وللذاكرةِ مآبٌ ، وإنْ هيَ إلا حفيفُ شوقٍ للغابراتِ من السَّوانحِ العِذابِ ، فمَا بينَ العَطاءِ وردّ الجميلِ تحتفلُ الكلمُ وتحتفي الرَّسائلُ . فمِنْ أولئكَ غيرُ واحدٍ من الفضَلاءِ مَن بالغ فناداني ( بالحسَّاني ) ، نسبةً إلى سيّدنا حسان ابن ثابت ، وَمنهم منْ ذهبَ إلى أبعدِ من ذلكَ ، يومَ رأى أنَّ القيامةَ قد قامتْ ، فنوديَ على ( حسّانِ الصَّغير ) لكي يُنشِدَ في الموقفِ العظيمِ ، فإذا به العبدُ الفقير! ، وَمنهُم مَن أسماني ب ( شلال الشِّعر ) ، ومنهم من قالَ بأنّي ( شاعرُ الجَزالةِ ) ،أو قال ( سيّدُ الشُّعراء )!، .... إلى هنا سأكتفي سَيّدي ، وحسبُك في بعضِ فصْلِ خطابِ ، يُغني عن مَزيدِ تسْويدٍ للصَّفحاتِ وإطنابٍ! ، فلولا زيّنتَ المَقالَ وأسعدتَ الحالَ ، بجَوابٍ يشفي الغليلَ ويروينا الكثيرَ منه القليلُ . أقولُ بالحقّ أنّي العمرَ منشغلُ بما قرَيْتَ فؤادي فازدهتْ مُقلُ لذا وهبتُ ظلالَ الودّ خاطرتي والأمنياتُ بعَرفٍ منك تكحلُ ~~ أو ~~ أقولُ بالصّدقِ أنّى سارتِ المُهَجُ ومن مراقيكَ يُحيي المنهجَ الغنَجُ آمنتُ بالفجر لمّا جئتَ متشحًا أبهى غواليه منه الورد مُبتهج