وقد يسبق إلى الخاطر أن الأدب الأوربى ميدانٌ لا يتسع للاقتباس من الحضارة العربية كما اتسعت ميادين العلوم والمباحث الفكرية ، لاختلاف اللغة واختلاف قواعدها من أساسها بين الشعبة الآرية والشعبة السامية من اللغات .
إلا أننا لا نقرأ بوكاشيو الإيطالى في "صباحاته العشرة" ولا سرفانتيز الإسبانى في "دون كيشوت" ولا شكسبير الإنجليزى فى رواية "العبرة بالخواتيم" ولا دانتى الإيطالى فى "القصة الإلهية" ، إلا تبين لنا على التحقيق أنهم مدينون لقصص ألف ليلة وكتب محيى الدين بن عربى و حكاية ابن طفيل .
وتتفق الآراء على أن الشعر الإيطالى الحديث قد استقل عن اللاتينية فى الإقليم الذى ظهر فيه الشعراء الجوالون troubadour مقتدين بالشعراء العرب ، ومتخذين اسمهم على رأى بعض المستشرقين فى كلمة "الطرب" العربية ، وأهم من ذلك كله فى القدوة العملية أن الأوربيين قد وجدا أمامهم مثالا يحتذونه من حرية العرب فى الكتابة والنظم فتمردوا على الأدب المحتكر لطائفة القساوسة باللغة اللاتينية أو الإغريقية القديمة . ومن هنا برزت نهضة الشعر فى صقلية ، وإقليم بروفنس ، حيث اتصلت العلاقات الثقافية والاجتماعية بين العرب وأبناء تلك البلاد .
امتازت حضارة العرب بمنزلةٍ وسطى فى حيز المكان وحيز الزمان على السواء . ونعنى بالمنزلة الوسطى أن هذه الحضارة قامت متوسطة فى مكانها بين الشرق والغرب ، متوسطة فى زمانها بين حضارات القرون الأولى وحضارة القرون الحديثة من أواسط القرن التاسع عشر إلى الآن .
فاستطاعت بتوسطها فى المكان أن تنقل من الشرق إلى الغرب ، وأن تعرّف العالم بما كان محجوبا وراء السدود والمسافات من حضارت الفرس والهند والصين .
أتابع هذا الغدق الباهر بمتعة
دمت موفقا
*****************************
تحياتى للشاعرة هديل لمتابعتها نصيب العرب من حضارة العالم وسيكتشف من يطّلع عليه أنه موضوعٌ شيق .
كنت اقرأ فى كتاب "ألف ليلة وليلة" فتذكرت فضل العرب على العالم فى الأدب ثم تذكرت (نصيب العرب فى حضارة العالم) ليس فى الأدب فحسب بل فى جميع ميادين الحضارة فرجعت لمقالات الكاتب الكبير ، العقاد ، لأستمتع بآرائه فى قصب السبق للعرب فى كل أوجه حضارة العالم اليوم . وإن تردى العرب اليوم وصاروا فى الحضيض فلا يعنى ذلك أن نُنكر ما قدموه بالأمس !