فى الواقع أن كثيرا من الآيات القرآنية تشير إلى العموميات . وفى هذه العموميات تركت لنا حرية التأمل والتفكير. كل على قدر مستوى ثقافته وشفافيته واستيعابه .
ومع أننى لست من الذين يميلون إلى ربط القرآن بالنظريات أو الكشوف العلمية ولا من الذين يحاولون أن يفصلوا لبعض الآيات أثوابا من الاختراعات الحديثة حتى يدللوا بها على عظمة القرآن ، مع ذلك فأنا من الذين يميلون فقط إلى الاستشهاد ببعض الآيات فى كتابات علمية تناسبها ، تاركا للقارئ حرية التفكير ، دون ربطه معى فى حلقة تفكيرى . بل عليه أن يختار من ذلك ما يناسبه وما يتلاءم مع درجة وعيه وتفكيره وثقافته . أضف إلى ذلك أنه ليس من حقى أن أتعرض لما ليس لى به علم وخاصة أن العلم الحقيقى يقوم أساسا على الاحتمالات ، أى أنه لايسطيع أن يؤكد بشيئ . لسبب بسيط ، ذلك أنه لم يصل إلى قلب الحقيقة لا في ذرة ولا خلية . ولا أرض ولا سماء وسموات !
الحلــــقة 2
ولكن ليس معنى ذلك أن نضغ فاصلا بين العلم والدين . لأن أعمق أنواع العبادات هى ما جاءت عن طريق التأمل والتفكير . وعندما تتأمل وتفكر فلا بد أن تصل يوما إلى تجميع يعطى الحقائق . لوجدت أن كل شيئ فى الكون يسير بنواميس متقنة وقوانين لا خلل فيها ولا فروج . وهذا هو أساس العلم الذى يدعو إلى ايمان له وزنه ومعناه . وأساس الدين أيضا ايمان تتفاوت درجته بدرجة المعرفة . وكلاهما لا يتأتى إلا بتطلع إلى جلال الله من خلال مخلوقاته – حية وميتة – فالذى يتطلع أكثر هو الذى يرى أعمق والذى يرى أعمق هو الذى يؤمن أكثر . وهنا تكون عبادته أرقى أنواع العبادات لأنها تاسست على فكر أصيل وليس على ترديد دعوات أو تسبيحات يتحرك بها اللسان وتجرى بها الأصابع .
د. عبد المحسن صالح من الموسوعة الأدبية الشــــاملة
آخر تعديل سرالختم ميرغني يوم 01-20-2021 في 08:34 AM.
تماما.. أصل الدين هو التفكّر، والصلاة من الصلة والتقرّب لله تعالى شعوريا
وما أجمله من إحساس يجلب الطمأنينة والرضا حتى في أقسى ظروف الحياة!
مطلب رائع كما دائما
شكرا أيها العزيز
الحلقة 3
وما أكثر ما ورد في القرآن الكريم ليحض على التأمل والبحث والتفكير " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " ، " إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " ، " إن فى ذلك لآيات لأولى الألباب " ، " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك.." إلخ
إذن فالدين يحضنا على العلم ، والعلم ينير لنا الطريق ويبصرنا بعظمة الله وإتقانه فى كل ما خلق . وهذا لن يتأتى إلا بالبحث والتجربة . والبحث يقودنا لاكتشاف طوفان من الأسرار الرائعة التى يعرفها رجل العلم قبل رجل الدين . ومن هنا قد يتجلى لرجل العلم المغزى العظيم عندما يقرأ بتمعن " ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك.." .
الحلقة 4
ومعنى الباطل - في رأيى – هو كل شيئ لا يقوم على أساس العلم التجريبى . من أول الذرة إلى السمموات . فلكل منها قوانينها العظيمة المتقنة التى تاهت فى أسرارها أعظم العقول لو كنتم تعلمون .
إذا قرأ رجل العلم القرآن بعقل متفتح فلا شك أنه سيتوقف عند بعض الآيات التى يرى فيها من الإعجاز ما لا يراه رجل الدين . من ذلك مثلا قوله تعالى : " إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحى من الميت ومخرج الميت من الحى ذلكم الله فأنى تؤفكون " .
لهذه الأية معنى ظاهر ومعنى باطن . وليس هناك من هو أقدر على فهم باطنها إلا من أوتى ذخيرة علمية لها وزنها لأنها تشير إلى معان كونية على درجة كبيرة من السمو والرسوخ .
ورد في الحديث الشريف أن تفكر ساعة خير من عبادة سنة
فإعمال العقل في الموجودات يدلل على عظمة الخالق وإبداعه
وكلما تعمق المرء في هذا المجال، كلما تكشفت له أسرار لا تخطر ببال
فسبحان الخالق البديع
دمتم بألق