سأكون جمادا ..
قصة قصيرة
ابتاعت جميلة دمية على شكل فتاة ناضجة , سمتها بأسم أمها حميدة , لقتل الوحدة اقعدتها على كرسي قرب سريرها , وإذا جن الليل ,تقضي معها الوقت بحكاية قصة ما , او تحكي لها ما صادفها ذلك اليوم في لقاءها مع صديقاتها , حميدة الدمية شعرت بالملل فأخذتْ تسرحُ بفكرها كثيرا اثناء سرد جميلة للحكايات فتبتعد بسمعها وتتثاءب دائما , أخذتْ جميلة بين الحين والآخر تنبه صديقتها بضرورة الاصغاء وتقول لها انتبهي يا حميدة .. انتبهي ,انا اتكلم , ويفترض ان يكون سمعك معي , ولإبقاء حميدة اكثر انتباها اخذت جميلة تكرر عليها القول بعد كل جملة تقولها - ها ... سمعتي - ها .. عرفتي ,وترد حميدة بتحريك رأسها , لكن عقلها يفكر في شيء ما , شيء لا يدركه عقل الاحياء , انها افكار الجمادات ,افكار بعيدة عن معاني الحب ,او العشق ,او البغض ,او الكره ,او الحقد ,او الحق او الباطل , فتلك المعاني غير ثابتة القيمة , افكار لها معاني اخرى ,جميلة لم تمسك اعصابها ,صفعت حميدة على وجهها قائلة : الم اقل لك انتبهي , دارت حميدة وجهها إلى الوراء دون ان تبدي رأيا , لكن جميلة استمرت في سرد حكايتها وتقول -
في تلك الليلة الحالكة الظلام , كان البدر تعبا , يشعر بالضيق والملل , فغطى وجهه بإزار من بخار الماء ونام عميقا ,صوت شخيره تسمعه السماء السابعة , نام كل شيء إلا الجراد الاسود استغل الفرصة فزحف إلى الارض وغزاها ,اخذ يعبث بكل شيء , امتزج صوت اجنحته مع صوت الريح خلال قفزاته , وولد صوتا يزيد الظلمة رعبا وعبثا وتدميرا , ليس كالصفير او الدوي , بل شيئا اخر , حتى اسلاك الطاقة في تلك الليلة لم تسلم من العبث , قطع النور عن البيوت ,فجعلها كالقبور للإحياء .. وهي منسجمة مع حكايتها انطفأ النور في غرفتها ولم ترى من دميتها سوى بريق عينيها الفسفورية تشع كقناديل البحر الزرقاء , شعرت جميلة بالخوف فغطت وجهها وقال لحميدة يا صديقتي - عيناك تخيفني , لم تكن حميدة اكثر شجاعة من جميلة , فالجمادات تشعر بالخوف ايضا , اجواء الظلمة زادت الموقف رعبا فأخذت فرائصها ترتجف كالسعفة في ريح عاصف , اقتربن لبعضهن , مدت جميلة يدها نحو عين حميدة لتغطي بريقها , شعرت بشيء حار يبلل اصابعها , فقالت لها حتى انت يا حميدة ,جئتُ بك لتزيلي الخوف عني , ما بالك يا صديقتي ,ردتْ حميدة نعم حتى انا , في بعض الاحيان وتحت ظرف ما يكون الجماد انسانا , لا تنظرين الي ,واسمعي صوتي فقط ,دعيني الليلة , انا احكي حكايتي ...
كنا ثلاثة اخوات ,نعمل في متجر واحد ,كان المالك كريما معنا رقيقا ودودا , يوزع الاعمال بيننا ,ويراعي مشاعر كل واحدة منا ,اعطى لأختي الكبرى ملابس النوم لترتديها ,وأعطاني الملابس الداخلية ,وأعطى أختي الصغرى ملابس السهرة ,فهي اكثر جمالا ,عيناها جوهرتان من العقيق الازرق , الملابس تزيدها بريقا وجمالا , كان في ذلك اليوم قد زارنا من جنس الاحياء احدهم لشراء بعض الملابس لعروسته فحصلت مشادة بينه وبين مالكنا حول طبيعة تلك الملابس التي نرتديها قائلا له - عليك ان تستحي يا رجل ,تلك الملابس لا تليق للعرض ,نساءنا تمر من هنا ,رد عليه - نعم انا معك يا اخي في هذا ,لكن كيف تعرف الزبائن ان لدينا ما تحتاج دون عرض النموذج وما هذه إلا دمى , اشتد الشجار بينهما حتى وصل إلى تبادل اللكمات , ثم تدخل الاخرون وفضوا النزاع , لكن ذلك الرجل ذهب وهو يضمر في صدره شيء , آه يا جميلة اتمنى ان يتحول هذا الكائن إلى جماد ,حتى لا يضمر في صدره شيء , في الليلة ذاتها عاد هذا الرجل إلى المكان , اطفا الانوار وقام بقطع اطراف شقيقتي الصغرى ,وقلع عيونها ,وشّوه بسكين حادة وجه اختي الكبرى ,اما انا فأبقاني ليكتب علي جبيني رسالة إلى صاحب المكان قائلا فيها -عليك ان تمتثل لرغبة الدين والعُرف , في الصباح جاء المالك فوجد ما وجد فكان مكبُ النفايات مقبرة لشقيقتي , اما انا فكان مصيري المخزن حتى اتيت انت , دمعت عين جميلة فاحتضنت صديقتها بكل عطف وقالت لها - تعالي ننتظر النور عند ذاك سأكون جمادا ...