رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
[هود:90] { وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ }
الودود سبحانه وتعالى: لوْ لمْ يَكُنْ مِنْ تَحَبُّبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إلى عبادِهِ وإحسانِهِ إليهم وَبِرِّهِ بهم إلاَّ أنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ لهم ما في السَّمَاواتِ والأرضِ وما في الدنيا والآخرةِ، ثُمَّ أَهَّلَهُم وَكَرَّمَهم، وَأَرْسَلَ إليهمْ رُسُلَهُ وأَنْزَلَ عليهمْ كُتُبَهُ، وَشَرَعَ لهم شَرَائِعَهُ، وَأَذِنَ لهم في مُنَاجَاتِهِ كلَّ وقتٍ أَرَادُوا، وَكَتَبَ لهم بكُلِّ حسنةٍ يَعْمَلُونَهَا عَشْرَ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، وكَتَبَ لهم بالسيِّئَةِ واحدةً، فإنْ تَابُوا منها مَحَاهَا وأَثْبَتَ مكانَهَا حسنةً. وإذا بَلَغَتْ ذُنُوبُ أحدِهِم عَنانَ السماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَهُ غَفَرَ لهُ، ولوْ لَقِيَهُ بِقُرَابِ الأرضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيَهُ بالتوحيدِ لا يُشْرِكُ بهِ شيئاً لأَتَاهُ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً، وَشَرَعَ لهم التوبةَ الهادمةَ للذنوبِ؛ فَوَفَّقَهُم لِفِعْلِهَا ثُمَّ قَبِلَهَا مِنْهُم، فَإنَّما الفضلُ كُلُّهُ والنعمةُ كُلُّهَا والإحسانُ كلُّهُ منهُ أَوَّلاً وآخِراً، أَعْطَى عَبْدَهُ مالَهُ، وقالَ: تَقَرَّبْ بهذا إِلَيَّ أَقْبَلْهُ منكَ. فالعبدُ لهُ، والمالُ لهُ، والثوابُ منهُ، فهوَ المُعْطِي أوَّلاً وآخِراً، فكيفَ لا يُحَبُّ مَنْ هذا شأنُهُ؟! وكيفَ لا يَسْتَحِي العبدُ أنْ يَصْرِفَ شَيْئاً منْ مَحَبَّتِهِ إلى غَيْرِهِ؟! ومَنْ أَوْلَى بالحمدِ والثناءِ والمَحَبَّةِ منهُ سبحانَهُ؟! ومَنْ أَوْلَى بالكَرَمِ والجُودِ والإحسانِ منهُ؟! (طريق الهجرتين261،262). وروده في القرآن الكريم: ورد اسم الله تعالى الودود مرتين في القرآن الكريم: في قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود:90]، وقوله جلَّ وعلا: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ . وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:13-14] المعنى اللغوي: الوُدُّ مصدر المودَّة، والودُّ هو الحبُّ يكون في جميع مداخل الخير. وَوَدِدْتُ الشيء أوَدُّ، وهو من الأمنية وشدة التعلُّق بحدوث الشيء، كما في قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة من الآية:96]، أي: يتمنى أن يعيش ألف سنة، وكقوله تعالى: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} [البروج من الآية:11] قال ابن العربي: "اتفق أهل اللغة على أن المودَّة هي المحبة"، قال تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم من الآية:21]، ويأتي أيضًا بمعنى الملازمة مع التعلُّق، فالودد معناه الوتد؛ لثبوته ولشدة ملازمته وتعلقه بالشيء. ويأتي على معنى المعية والمرافقة والمصاحبة كلازم من لوازم المحبة. كما ورد عَنْ ابنِ عُمَرَ أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» (صحيح مسلم). أما الحبُّ: فهو نوعٌ من الصفاء والنقاء والطهُّر والخضوع، والحُبُّ من القِرط، الذي من شأنه أنه دائم التقلقل، كما قال الجنيد: "الصادق يتقلَّبُ في اليوم أربعين مرة، والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة" (مدارج السالكين:2:274). فالمُحبُّ يتقلَّب قلبه بين الخوف والرجاء، والسكينة والقلق، والسرور والحزن، أما من مات قلبه، تسكن أحواله، وهذا من علامات النفاق والعياذ بالله تعالى.. والفرق بين الحُبُّ والودُّ: أن الحب ما استقر في القلب، والودُّ ما ظهر على السلوك. فكل ودود مُحب، وليس كل مُحب ودود، وكل ودود أساسه مشاعر الحب في قلبه. معنى الاسم في حق الله تعالى: قال ابن عباس: "الودود هو الرحيم"، وقال البخاري: "الودود هو الحبيب". وقال الزجاج: "(الودود) فعول بمعنى فاعل، كقولك:غفورٌ بمعنى غافر، وشكور بمعنى شاكر. فيكون الودود في صفات الله بمعنى: الذي يودُّ عباده الصالحين ويحبهم". والمعنى الثاني:أنه مودود بمعنى مفعول، أي:الذي يوده عباده ويحبونه. قال الخطابي: "وقد يكون معناه أن يُوَدِّدَهم إلى خلقه، كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:96]"، يقول السعدي: "الودود الذي يحب أنبياءه ورسله وأتباعهم، ويحبونه، فهو أحب إليهم من كل شيء، قد امتلأت قلوبهم من محبته، ولهجت ألسنتهم بالثناء عليه، وانجذبت أفئدتهم إليه ودًا وإخلاصًا وإنابةً من جميع الوجوه" (تيسير الكريم الرحمن947). ويقول ابن القيم في النونية (القصيدة النونية:245): وهوَ الودودُ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّهُ *** أحبابُهُ والفضلُ لِلْمَنَّانِ وهوَ الذي جَعَلَ المَحَبَّةَ في قُلُو *** بِهِمُ وَجَازَاهُم بِحُبٍّ ثَانِ هذا هوَ الإحسانُ حَقًّا لا مُعَا *** وَضَةً ولا لِتَوَقُّعِ الشُّكْرَانِ لكنْ يُحِبُّ شُكُورَهُم وَشَكُورَهُم *** لا لاحْتِيَاجٍ منهُ للشُّكْرَانِ عجـــائب ودُّ الله: يقول ابن القيم في [الفوائد38): "ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوك بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه.. كفى بك عزًّا أنك له عبد *** وكفى بك فخراً أنه لك رب" من أنت أيها العبد الفقير حتى يتقرَّب إليك أغنى الأغنياء؟! وماذا تساوي أنت أيها الذليل حتى يتودد إليك العزيز جلَّ في علاه؟! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ:هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ» (صحيح مسلم). ألا تشكو من قسوة القلب؟! ألا تعاني هجر القرآن؟! ألا يسوؤك حالك مع الله تعالى؟! ألا يواجههك ضيق العيش؟! ألا تبتلى؟! إذًا، هلم ارفع شكواك وقَدِم نجواك في الثلث الأخير من الليل، فاتحة الأحزان وفاتحة الرضوان، وجنات النعيم والكرم الإلهي، عجبًا لك أيها العبد! ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه وجعل دونها الحراس والحُجَّاب، وتنسى من بابهُ مفتوحٌ إلى يوم القيامة! ومن عجائب ودَّهُ:أن تسبق محبته للعباد محبتهم له. فالله هو الذي يبتديء عباده بالمحبة، قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة من الآية:54]. يقول ابن الجوزي: "سبحان من سبقت محبته لأحبابه؛ فمدحهم على ما وهب لهم، واشترى منهم ما أعطاهم، وقدم المتأخر من أوصافهم لموضع إيثارهم، فباهى بهم في صومهم، وأحب خلوف أفواههم، يا لها من حالةٍ مصونةٍ! لا يقدر عليها كل طالب، ولا يبلغ كنه وصفها كل خاطب" (صيد الخاطر28) ومن عجائب ودَّهُ: أنه يتودد بنعمه لأهل المعاصي، ويقيم بها عليهم الحجة. ومن لطائف ودَّهُ: أنه لا يرفعه عن المذنبين، وإن تكررت ذنوبهم، فإذا تابوا منها وعادوا إليه شملهم بمحبته أعظم مما كانوا عليه. أليس الله يحب التوابين؟ يقول ابن القيم: "وهذا بخلاف ما يظنه من نقصت معرفته بربِّه من أنه سبحانه إذا غفر لعبده ذنبه فإنه لا يعود الودُّ الذي كان له منه قبل الجناية، واحتجوا فى ذلك بأثرٍ إسرائيليٍ مكذوب: "أن الله قال لداود :يا داود، أما الذنب فقد غفرناه، وأما الودُّ فلا يعود"! وهذا كذبٌ قطعاً، فإن الودُّ يعود بعد التوبة النصوح أعظمُ مما كان، فإنه سبحانه يحب التوابين، ولو لم يعد الودُّ لما حصلت له محبته، وأيضًا فإنه يفرح بتوبة التائب، ومحال أن يفرح بها أعظم فرح وأكمله وهو لا يحبه. وتأمل سر اقتران هذين الاسمين فى قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِيءُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْودُود} [البروج:13-14]. تجد فيه من الرد والإنكار على من قال: "لا يعود الودُّ والمحبة منه لعبده أبدًا، ما هو من كنوز القرآن ولطائف فهمه، وفى ذلك ما يُهَيِّج القلب السليم ويأْخذ بمجامعه ويجعله عاكفًا على ربِّه الذي لا إله إلا هو ولا ربُّ له سواه. عكوف المحب الصادق على محبوبه الذي لا غنى له عنه، ولا بد له منه ولا تندفع ضرورته بغيره أبدًا" (طريق الهجرتين98). فالله هو الذي يبدأ بالمغفرة ويُعيدها مرةً أخرى. تذنب ثم تتوب إليه بصدق، فيغفر ويصفح، ليس هذا فحسب بل تزداد محبته لك، أفضل وأعظم مما كانت لك قبل ذلك. إذا أردت أن يكون لك حظ عظيم من اسم الله تعالى (الودود)، فتودد إليه بالأعمال الصالحة. وإن وصلت إلى تلك المنزلة، ستنال محبة الله عزَّ وجلَّ وملائكته وسيُبسَط لك القبول في الأرض. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ. ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ» (صحيح البخاري)، ولوْ لمْ يَكُنْ في مَحَبَّةِ اللَّهِ إلاَّ أنَّهَا تُنْجِي مُحِبَّهُ منْ عذابِهِ لكانَ يَنْبَغِي للعبدِ أنْ لا يَتَعَوَّضَ عنها بشيءٍ أبداً، فَأَبْشِرْ فَإِنَّ الْلَّهَ تَعَالَىْ لَا يُعَذِّبُ حَبِيْبَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى : وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين
قوله تعالى : وإذ قال عيسى ابن مريم أي واذكر لهم هذه القصة أيضا . وقال : يا بني إسرائيل ولم يقل يا قوم كما قال موسى ; لأنه لا نسب له فيهم فيكونون قومه .
إني رسول الله إليكم أي بالإنجيل .
مصدقا لما بين يدي من التوراة لأن في التوراة صفتي ، وأني لم آتكم بشيء يخالف التوراة فتنفروا عني .
ومبشرا برسول مصدقا . " ومبشرا " نصب على الحال ; والعامل فيها معنى الإرسال . و " إليكم " صلة الرسول .
يأتي من بعدي اسمه أحمد قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو " من بعدي " بفتح الياء . وهي قراءة السلمي وزر بن حبيش وأبي بكر عن عاصم . واختاره أبو حاتم لأنه اسم ; مثل الكاف من بعدك ، والتاء من قمت . الباقون بالإسكان . وقرئ " من بعدي اسمه أحمد " بحذف الياء من اللفظ . و " أحمد " اسم نبينا صلى الله عليه وسلم . وهو اسم علم منقول من صفة لا من فعل ; فتلك الصفة أفعل التي يراد بها التفضيل . فمعنى " أحمد " أي أحمد الحامدين لربه . والأنبياء صلوات الله عليهم كلهم حامدون الله ، ونبينا أحمد أكثرهم حمدا . وأما محمد فمنقول من صفة أيضا ، وهي في معنى محمود ; ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار . فالمحمد هو الذي حمد مرة بعد مرة . كما أن المكرم من الكرم مرة بعد مرة . وكذلك الممدح ونحو ذلك . فاسم محمد مطابق لمعناه ، والله سبحانه سماه قبل أن يسمي به نفسه . فهذا علم من أعلام نبوته ، إذ كان اسمه صادقا عليه ; فهو محمود في الدنيا لما هدي إليه ونفع به من العلم والحكمة . وهو محمود في الآخرة بالشفاعة . فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضي اللفظ . ثم إنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد ، حمد ربه فنبأه وشرفه ; فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى عليه السلام فقال : اسمه أحمد . وذكره موسى عليه السلام حين قال له ربه : تلك أمة أحمد ، فقال : اللهم اجعلني من أمة أحمد . فبأحمد ذكره قبل أن يذكره بمحمد ، لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له . فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل . وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه ، فيكون أحمد الناس لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اسمي في التوراة أحيد ؛ لأني أحيد أمتي عن النار ، واسمي في الزبور الماحي ، محا الله بي عبدة الأوثان ، واسمي في الإنجيل أحمد واسمي في القرآن محمد لأني محمود في أهل السماء والأرض " . وفي الصحيح : " لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي تحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب " . وقد تقدم .
فلما جاءهم بالبينات قيل عيسى . وقيل : محمد صلى الله عليه وسلم .
قالوا هذا سحر مبين قرأ الكسائي وحمزة " ساحر " نعتا للرجل . وروي أنها قراءة ابن مسعود . الباقون سحر نعتا لما جاء به الرسول .
_______________________________________
تفسير القرطبي : رابط الموضع رقميا : https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/qort...ra61-aya6.html
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
(( هل ينظرون إلاّ الساعة أن تأتيهم بغتةً وهم لايشعرون )) _66 الزخرف
أن تأتيهم : المصدر المؤول بدل اشتمال من الساعة ,والتقدير هل ينظرون إلاّ إتيان الساعة ؟
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
وورد في رواية الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ لمْ يشْكُر النَّاسَ لَمْ يشْكُر الله» (رواه الترمذي في كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح).
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها إن اللّه لغفور رحيم )
الآيتان 17 و18 من سورة النحل
نبّه الله تعالى على عظمته وأنه لا تنبغي العبادة إلا له دون ما سواه من الأوثان التي لا تخلق شيئاً بل هم يخلقون،
ولهذا قال: { أفمن يخلق كمن لا يخلق؟ أفلا تذكرون}
ثم نبههم على كثرة نعمه عليهم وإحسانه إليهم فقال:
{ وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها إن اللّه لغفور رحيم}
أي يتجاوز عنكم ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم،
ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم، ولكنه غفور رحيم يغفر الكثير ويجازي على اليسير.
وقال ابن جرير: يقول: إن اللّه لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك
إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته، رحيم بكم لا يعذبكم بعد الإنابة والتوبة.
======================
المصدر :تفسير القرآن الكريم لابن كثير
رد: { نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}
(( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ )) البقرة (198)
الفاء عاطفة على قوله : فلا رفث ولا فسوق الآية ، عطف الأمر على النهي ، وقوله : ( إذا أفضتم ) شرط للمقصود وهو : فاذكروا الله
والإفاضة هنا : الخروج بسرعة ، وأصلها من فاض الماء إذا كثر على ما يحويه ، فبرز منه وسال ؛ ولذلك سموا إجالة القداح في الميسر إفاضة والمجيل مفيضا ؛ لأنه يخرج القداح من الربابة بقوة وسرعة ؛ أي : بدون تخير ولا جس لينظر القدح الذي يخرج ، وسموا الخروج من عرفة إفاضة ؛ لأنهم يخرجون في وقت واحد وهم عدد كثير فتكون لخروجهم شدة ، والإفاضة أطلقت في هاته الآية على الخروج من عرفة والخروج من مزدلفة .
والعرب كانوا يسمون الخروج من عرفة الدفع ، ويسمون الخروج من مزدلفة إفاضة ، وكلا الإطلاقين مجاز ؛ لأن الدفع هو إبعاد الجسم بقوة ، ومن بلاغة القرآن إطلاق الإفاضة على الخروجين ؛ لما في " أفاض " من قرب المشابهة من حيث معنى الكثرة دون الشدة .
ولأن في تجنب " دفعتم " تجنبا لتوهم السامعين أن السير مشتمل على دفع بعض الناس بعضا ؛ لأنهم كانوا يجعلون في دفعهم ضوضاء و***ة وسرعة سير ، فنهاهم النبيء صلى الله عليه وسلم عن ذلك في حجة الوداع ، وقال : ليس البر بالإيضاع فإذا أفضتم فعليكم بالسكينة والوقار .
و ( عرفات ) اسم واد ، ويقال : بطن ، وهو مسيل متسع تنحدر إليه مياه جبال تحيط به تعرف بجبال عرفة بالإفراد ، وقد جعل عرفات علما على ذلك الوادي بصيغة الجمع بألف وتاء ، ويقال له : عرفة بصيغة المفرد ، وقال الفراء : قول الناس يوم عرفة مولد ليس بعربي محض ، وخالفه أكثر أهل العلم فقالوا : يقال عرفات وعرفة ، وقد جاء في عدة أحاديث : يوم عرفة ، وقال بعض أهل اللغة : لا يقال : يوم عرفات ، وفي وسط وادي عرفة جبيل يقف عليه ناس ممن يقفون بعرفة ويخطب عليه الخطيب بالناس يوم تاسع ذي الحجة عند الظهر ، ووقف عليه [ ص: 239 ] النبيء صلى الله عليه وسلم راكبا يوم عرفة ، وبني في أعلى ذلك الجبيل علم في الموضع الذي وقف فيه النبيء عليه الصلاة والسلام فيقف الأئمة يوم عرفة عنده .
ولا يدرى وجه اشتقاق في تسمية المكان عرفات أو عرفة ، ولا أنه علم منقول أو مرتجل ، والذي اختاره الزمخشري وابن عطية أنه علم مرتجل ، والذي يظهر أن أحد الاسمين أصل ، والآخر طارئ عليه ، وأن الأصل عرفات من العربية القديمة ، وأن عرفة تخفيف جرى على الألسنة ، ويحتمل أن يكون الأصل عرفة وأن عرفات إشباع من لغة بعض القبائل .
وذكر ( عرفات ) باسمه في القرآن يشير إلى أن الوقوف بعرفة ركن الحج ، وقال النبيء صلى الله عليه وسلم الحج عرفة .
سمي الموضع عرفات ؛ الذي هو على زنة الجمع بألف وتاء ، فعاملوه معاملة الجمع بألف وتاء ، ولم يمنعوه الصرف مع وجود العلمية .
وجمع المؤنث لا يمنع من الصرف ؛ لأن الجمع يزيل ما في المفرد من العلمية ، إذ الجمع بتقدير مسميات بكذا ، فما جمع إلا بعد قصد تنكيره ، فالتأنيث الذي يمنع الصرف مع العلمية أو الوصفية هو التأنيث بالهاء .
وذكر الإفاضة من عرفات يقتضي سبق الوقوف به ؛ لأنه لا إفاضة إلا بعد الحلول بها ، وذكر عرفات باسمه تنويه به يدل على أن الوقوف به ركن ، فلم يذكر من المناسك باسمه غير عرفة والصفا والمروة ، وفي ذلك دلالة على أنهما من الأركان ، خلافا لأبي حنيفة في الصفا والمروة ، ويؤخذ ركن الإحرام من قوله : فمن فرض فيهن الحج ، وأما طواف الإفاضة فثبت بالسنة وإجماع الفقهاء .
و ( من ) ابتدائية .
والمعنى : فإذا أفضتم خارجين من عرفات إلى المزدلفة .
والتصريح باسم عرفات في هذه الآية للرد على قريش ؛ إذ كانوا في الجاهلية يقفون في جمع وهو المزدلفة ؛ لأنهم حمس ، فيرون أن الوقوف لا يكون خارج الحرم ، ولما كانت مزدلفة من الحرم كانوا يقفون بها ولا يرضون بالوقوف بعرفة ؛ لأن عرفة من الحل كما سيأتي ، ولهذا لم يذكر الله تعالى المزدلفة في الإفاضة الثانية باسمها وقال : من حيث أفاض الناس [ ص: 240 ] لأن المزدلفة هو المكان الذي يفيض منه الناس بعد إفاضة عرفات ، فذلك حوالة على ما يعلمونه .
و ( المشعر ) اسم مشتق من الشعور أي : العلم ، أو من الشعار أي : العلامة ؛ لأنه أقيمت فيه علامة كالمنار من عهد الجاهلية ، ولعلهم فعلوا ذلك لأنهم يدفعون من عرفات آخر المساء فيدركهم غبس ما بعد الغروب وهم جماعات كثيرة ، فخشوا أن يضلوا الطريق فيضيق عليهم الوقت .
ووصف المشعر بوصف ( الحرام ) لأنه من أرض الحرم بخلاف عرفات .
والمشعر الحرام هو المزدلفة ، سميت مزدلفة ؛ لأنها ازدلفت من منى ؛ أي : اقتربت ؛ لأنهم يبيتون بها قاصدين التصبيح في منى .
ويقال للمزدلفة أيضا جمع لأن جميع الحجيج يجتمعون في الوقوف بها ، الحمس وغيرهم من عهد الجاهلية ، قال أبو ذؤيب :
فبات بجمع ثم راح إلى منى فأصبح رادا يبتغي المزج بالسحل
فمن قال : إن تسميتها جمعا ؛ لأنها يجمع فيها بين المغرب والعشاء فقد غفل عن كونه اسما من عهد ما قبل الإسلام .
وتسمى المزدلفة أيضا قزح - بقاف مضمومة ، وزاي مفتوحة ، ممنوعا من الصرف - باسم قرن جبل بين جبال من طرف مزدلفة ويقال له : الميقدة ؛ لأن العرب في الجاهلية كانوا يوقدون عليه النيران ، وهو موقف قريش في الجاهلية ، وموقف الإمام في المزدلفة على قزح .
روى أبو داود والترمذي أن النبيء صلى الله عليه وسلم لما أصبح بجمع أتى قزح فوقف عليه وقال : هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف ، ومذهب مالك أن المبيت سنة ، وأما النزول حصة فواجب .
وذهب علقمة وجماعة من التابعين والأوزاعي إلى أن الوقوف بمزدلفة ركن من الحج فمن فاته بطل حجه تمسكا بظاهر الأمر في قوله : فاذكروا الله .
[ ص: 241 ] وقد كانت العرب في الجاهلية لا يفيضون من عرفة إلى المزدلفة حتى يجيزهم أحد ( بني صوفة ) وهم بنو الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر وكانت أمه جرهمية ، لقب الغوث بصوفة ؛ لأن أمه كانت لا تلد فنذرت إن هي ولدت ذكرا أن تجعله لخدمة الكعبة فولدت الغوث ، وكانوا يجعلون صوفة يربطون بها شعر رأس الصبي الذي ينذرونه لخدمة الكعبة وتسمى الربيط ، فكان الغوث يلي أمر الكعبة مع أخواله من جرهم فلما غلب قصي بن كلاب على الكعبة جعل الإجازة للغوث ثم بقيت في بنيه حتى انقرضوا ، وقيل : إن الذي جعل أبناء الغوث لإجازة الحاج هم ملوك كندة ، فكان الذي يجيز بهم من عرفة يقول :
لاهم إني تابع تباعه إن كان إثم فعلى قضاعه
لأن قضاعة كانت تحل الأشهر الحرم ، ولما انقرض أبناء صوفة صارت الإجازة لبني سعد بن زيد مناءة بن تميم ، ورثوها بالقعدد فكانت في آل صفوان منهم ، وجاء الإسلام وهي بيد كرب بن صفوان قال أوس بن مغراء :
لا يبرح الناس ما حجوا معرفهم حتى يقال أجيزوا آل صفوانا
----------------------------
تفسير القرآن ،:التحرير والتنوير ،محمد الطاهر ابن عاشور