ديوان الشاعر / محمد ذيب سليمان

أرخ الجدائل


أرخي الجـدائل لحظـة الإشـراق
في صـدري المملوء بالأشــواق

واسـقي الكئوس سلافة محفوفـة
بشـــفاه توت أشـــعلت أوراقــي

ودعيـه يغوي العاشــقين تمـردا
فالثغـــر أضحى خمـرة الــدراق

وانسـيْ تفــاصيل الأنـاقـة كلمــا
استعر السراج بهمسة المشــتاق

فلقــد مـــلأنا بـالمواســم ليلنــــا
لمــا احتفلـتُ بثغــرك الغيـــداق

ومنحت قلبي في العنـاق تعلقـــا
بنــديِّ جيـــد وادع ٍ رقـــراق

لله لمـــا تـــاه ثغـــرك فـي فمـي
شـــب اللهيب بضفـــة الخفـــاق

وتبعثرت حبات نبضكِ في دمي
فتعبت أبحث عن جنون عنـــاق

وتصاعدت في الرأس أبخرة الهوى
واصطف نبض يشتهي استرقاقي

وشربت حتى بالفواصل أوغلت
وتخللـت حتـى خفــيّ مـــذاقي

صبي المزيد من الكئوس فـإنني
في روضك الفتان ضاع سـباقي

ثــم انثــريني فــوق كل أريكــة
حضنت جنون معاشــر العشاق

واستغرقي ما شئت في لغة الهوى
فلك اختــرعتُ مواســم الأشواق

من للتراب ... ومضة


من للتراب وقد تغــرَّب ســربه
وازّاحمت من حولــه الرايــات

سوداء أو بيضاء أيقظها الردى
مذ أقفرت من جنـده الســاحات

كل الــذين تحوَّطــوه ولاؤهــم
للعــــلقميَّ تقـودهـــم شــهوات

يا ويحها من أمــة لــم تتعـــظ
حين العــراق تناوشته جهـات

تركته ينزف والسـيوف قوافل
وغرابهـــا من فجــره يقتــات

لـم يدركوا أن الحظيرة حالهــم
لــم ينـج ثور حين تذبـح شــاة

فهل ساداتها طرشا..؟


أيبقى العمــر مُرتعِشــا
وليــل البـعد مُفتَرشــــا

ونبــض القلب مغبـون
يصافح مـن بــه رفشـا

أيبقى الـدرب مغتربـــا
بحد السـيف قد نقشـا؟

ليغصـب كل أحـــلامي
ويُتبــع جوعهـا عطشا

هي الأيـــام تســـرقنـا
ومــا أبقـت لنـا فُرُشــا

وتوقــظ الــف غــائلـة
تذكــرنـا بمــن بطشـــا

ومن غــاصت أظـافره
بــأضلاع ومن خمشــا

ومـن بــــالأمن أمَّلنــــا
فداس القلب حين غشـا

ومــن أرخى مدامعـــه
بزيف الحب قـد عرشا

وقــد أبـقى عنــاقيــــدا
بهـا التفكيــر مندهشــا

تـذكـرنــــا ولا ننــسى
بــأن العمــر قد عَمشـا

ونـاب الـدهــر منغــرز
وفــي أوطاننــا نهشـــا

فبـتّناُ اليــوم في حلـــم
مخيف في الدماء مشى

ولا نــدري لأي مــدىً
ســيبقى الحق مرتعشـا

وأوطــاني صــراخ دم
فهــل سـاداتها طرشـا؟

وبي شـيخ قـد انعطفا


أُحبــــك نشــوةً شــغفــا
وأغــرق فيــك مُعتــكفا

اُســابق خطوتي فرِحــا
لألحــق مـا بــدا خرفــا

أأعشــق طفلـــة ودمـي
تعدّى الوقت وانصرفا؟

وأســكب غيث فطرتها
على صدري الذي ارتجفا؟

وأحضن كأس نشــوتها
بوجــدٍ زادنـي تـرفـــــا

وبــي زلــزال نكهتهـــا
على الخـدين قـــد نزفـا

سـني العمـر تزجــرني
وبي شــيخ قـد انعطفـا

جـدار الشــيب يسـبقني
ويدعونــي بــأن أقفــــا

وقلبــي لا يــرى بأســا
وقــد جرَّبتُـــه دنِفـــــا

يــراود ســـحر فــتنتها
ويجري نحوهــا كلِفـــا

ومــا ضلَّـت لــه قــــدم
وغصن الورد ما انقصفا

جــراري نبـض قافيــة
وخمر ضجَّ ما انصرفا

وفي الأحشاء عــاصفة
تثيــر الجمــر واللَّهَفـــا

وتهـــدأ بعــد ثورتهــــا
بهمس في اللقــاء صفـا
***
ضياعـــا كنت أحسبني
وســهم طاش مُرتجفــا

وقلــب ضــلَّ وجهتـــه
وحين رأيـتك اعترفـــا

بــانـك ألـــف دنــدنـــة
بشــوق لا يقـــول كفى

هيـــــاج القلب يـدفعني
لأغـرق فيــك محترفــا

وأمنحك الهـوى غضــا
نــديـــا بـارعـــا ألفــــا

وأســقيك الهوى بكـــرًا
وأهدي جيــدك التُّحفــا

فــأنتِ الدر والمرجـان
واليـــاقوت فيــك غفــا

وفيـك الـورد والرمـان
فيـكِ الشوق قــد هتفـــا

وفيـك الســحر محتفــل
بقلـــب أدرك الـهدفــــا

فمــن جدرانــه انبجســت
مــواويــل ونبـــع وفــــا

وأضحى في مدى عينيَّ للشـــفتيــن مُــرتشـــفـا

مـاذا أنــاديكَ ..؟


مـاذا أنــاديكَ ..؟ عـذرًا أيهـا القلــمُ
أنـت الغَوِيُّ.. وفيـك الحرف يحتـدم

منـذ اصطحبتــك والأوراق حــائرة
تشكو الضياع,وبـاللاشيء تصطـدم

منذ احترفتَ, حروف الشعر هائمةٌ
تشــكو المتـاعب من فكـر به صمم

مــاذا فعلتَ ومـاذا جئتَ من صـور
غير انتكاسات عمـر صاغها الحلـم

دارت حـواليــك أفكــار مشــاكســة
ومــا كتبتَ ســوى حــرف بـه ألــم

حتـى كـأنك محبـــوس بـقمقمـهــا
والحرف أضحى مع القرطاس يختصم

****
مـــاذا أنـــاديك والأيـــام مـدرســـة
ما زلت فيها على الأسوار تزدحــم

أشـرقتَ عُمـرًا بحرفٍ مُزهـرٍ أدبـًا
ومــا وجدتَ سـوى من رأسُـهُ قــدم

فكـم زرعتَ بســاتينا بســاح هـوى
لكنهــا احتــرقت واجتـاحهـا النَّـــدم

وكـــم لبســتَ ثيــابـــا مثلمـــا مـلكٍ
وكــم رجعتَ وبــاب الحلــم ينهــدم

وكـم رسـمتَ دروبــًا كان مطلعهــا
كالفجر لكن غوت أقــدام من قدِموا

وانحازت الدربُ للتجهيل وانكفـأت
نحو الشـتات وقـد أزرى بها الحَكم

فــاهنــأ بـحبـر أراك اليــوم تبــذره
وعـش عبيطاً, فبعض الحال ينسجم


البسيط

قد شاخ النسيم على ..

هل يحتفي الزهر يوما في بسـاتيني؟
وهل يـَرقُّ الندى في بعض تكويني؟

ســافرت عمــرًا ولــم أعثَر بقــافية
تســتغرق الوقـت أو تحيي دواويني

يـا أيهــا الوقت قد شـاخ النسيم على
أرضي التي غاب فيها الطين عن طيني

هدهـدت شـوقي وكلي كان يعـرفني
أنـي على كَــذِبٍ قــد كنـت أغـريني

طـال البُعــاد ونهــر البوح يخــذلني
كأنـما المــاء يجـرى نحـــو تــأبيني

يـا من عليه ينــادي الحبـر في لغتي
هل يعرف الحرف اني كنت أعنيني؟

هل يشـهق الشوق يوما قرب نافذتي
فيُقبــل الـدفء حُضنـا في كـوانيني؟

كلـي اشــتهاء لغيـم ٍ مُمطــرٍ بــدمي
لأن غيــم الهــوى مـا عــاد يــكفيني

أشعلتُ بالشوق أوهامي التي حصدت
من بيــدر الليل سُــهدا بـات يكـويني

فغــــادر الحلـــم مقهـــورا بـغفلتــه
وأمســكت بي جمــارٌ ليـس تعنيني

كيــف الســبيل إلــى دربٍ أُوَسـِّــدُهُ
قلبـــا تلظى ولـــم يرحـم شــراييني؟

وعندي ما يغيثك


الا بــالله يــا "ليــلاي" إنـي
غدوت اليـوم ممسوسا بجنّ

أراوغني.. وأتـركني بعيــدا
فيوقـظ ليــلكِ المجنون أَنّي

ويتركني حبيسـا فـوق نهــر
من الآهــات يســكبها بـِدنّي

فأشــربها كؤوسـا من خيـال
لعلـى إذ أراك أغيــب عنّـي

متى أطيافك المــلأى جنونا
تعانقني ويزهرضعف سني

فألقاني وقد سَــئِمَتْ ضياعـًا
شــغاف كان يـأكلهـا التمني

فإني يا "نوار" عشـقت ليلا
بــه أطيــافـك الــولهى تغنى

أراودهــا.. فتـأتيني انثيــالا
وتهرب كلما أمســكتُ ظنّي

فكم يـا ليـلُ أزهَرَتِ القوافي
وكم ذُبِحت على نطع التأني

وكم سكب الحنين جنون شوق
وفتَّتَ زهرةَ الـدراق حـزني

فطعم الحب لـو ذقتيه يومـا
سأقســم أنّـه من بعـض فنّي

وإني مذ غمستك في فؤادي
ولـونتِ الحيــاة بخيــر لـون

منحتُـكِ سُــلّما للحـب يرقى
لأســباب النجـوم بغيـر مـنِّ

وأني قد ذخرت الحب زهوا
وأشـرعت النوافـذ دون إذن

وجدتك لوزةً في حضن بيتي
بها الأزهـار تحمل كل لون

وعنـدي ما يغيثُـكِ ..أمنيات
فهل نيسان قـد يدنيـك مني؟


الوافر .. كاملا

حائر بين ربيع وخريف ..


يــا لهـذا القلب كـم ضـلَّ وثابــا
واسـتعاد النفس من أمسٍ تغابى

مدرك أن الذي قــد ضاق يومـا
سـوف يغـدو بعـد أيــام شــرابـا

ذاك قلبــي هــائـم يغفـــو وفيــه
بعض حلم يجعل الصدر رحابـا

ويعـــيد الفجــر مصحوبا بثوب
يُلبـس الشوق ســفورا وحجـابــا

حـــائر بيـن ربيـــع وخـــريـف
أيضمُّ الســهل أم يجني الهضابا

كلها ســحر وقـد عانيتَ ســحرا
هل يكون الحلـم في يـوم كتابـا؟
********
ذاك قلبي جــامح فيــه الثــواني
يصطفين الحب لو كان ســرابـا

لم يعـش يوما على أطلال شوق
أو يزورالأمس كي يجني رغابا

ممسك بـالحب لا يخشى قنوطـا
لـو دعـاه النجــم في ليــل أجابـا

مـارد بــالعشـق مجنـون غــويٌ
يُـرهـق الدرب ســؤالا وجوابــا
*****
لا يخـاف الليـل لــو بـدر تـدلى
أو تـولّى فالمســا بالســحر آبـــا

فـافتحي الأبواب ليــلا لا تخافي
قـد أتاك الحلم لا يخشى انقلابــا

أيقظي الأشـواق يا بنت الأماني
واملأي الأقداح سـحرا وشـبابـا

فالثـواني لــم تـزل فيــكِ جنـون
والـرّواء الحلـو في عينيـك ذابـا

*****
أيهـذا القلـب كــم كنـتَ جـريئـــا
فاجعل الأنفــاس بحــرا وعبـابـا

واقتطف من كل ركن غصن ورد
واغتنم عطــرا تدانى واســتجابا

لا تقل سوفَ, فكم ضيعت عمرا
ها هو الإغداق يرجـوك اقترابـا

فاحتفل يـا قلب كم جـانبت دربـا
قـد أتى كالفجر يسعى ثــم غابــا

وتســربلت انتظــارا يـــا رفيقي
لـم يعــد الاك في دربي ضبـابـا

لسـتَ منـي إن تمـاديت جنونـــا
أو قتلتَ الحـبَّ أو أغلقتَ بــابــا


الرمل التام