يا أمي كلما مررتُ بالدكاكين شعرتُ كم أنا كَبرتُ ، و هذه الدكاكين لا تعرفني، أو أنها تلبس وجوهً لا أعرفها ، أمي أشتاق دكان أمّْ العِّز تلك العجوز النحيلة بثوبها الأسود الطويل ، كانت تبدو به أطول مما هي عليه ، أشتاق سكاكرها وهي تقدمها اليّ بعد أن تجلسني على ركبتيها ، لتملأ أنفي رائحة الطابون العالقة بثوبها،
يا أمي أشتاق الشتاء و ساحة المدرسة و أكوام الرمل والمراجيح ولعبة الجبماز التي عشقت أصابعي الطويلة ، اشتقتُ أول درس في الزراعة و أول درس في القراءة ،اشتقت شوارع المدينة ، ودلة القهوة وصوت الفناجين في الأسواق ، اشتقتُ صوت القارئ عبد الباسط المنبعث من على عربات بيع الكاسيت ،.أشتاق قيثارتي الحزينة ،
كانت تُغدقُ عليَّ بالحنان كأم يرفرف قلبها لطفلها الرضيع ،
وتمنحني عنب النبيذ و مساحات عشب وزهرات تمتد من عيناها إلى قلبي ،
وتقول:هاكَ قلبي ثمل بالحب خامره الشوق اليك فرفقا بي سيّد عمري ,كاد ينال مني الظمأ ،.
هو من أعار الكلمات للصمت ، هو من التحف البرودة كي لا يزيدها تعلقا به ،
هو من توضأ بمائها و أنكر عليها أن تكون أمْ ، بحجة أنه لايريد أن يستعير الجبن، تبرئ الحب من هذا الإدعاء في كثير من المحافل ،، و أبى كسحابة أبت أن تجود بمائها ، هو من دس الشجاعة و الرجولة في جيبه و تأنق بثوب المنفى.
في يوم عيده أرسلت له تقول : لم أشأ أن أغيب عنك ليس لضعفي أمامك إنما لأنك عراقي الدم و كلما تذكرت بأنك عراقي عشقتك أكثر ، وكلما تذكرت بأنك من أرض النخيل عصفت بي ريح الشوق فهدتني و قادني الحنين اليك، لأتوضأ بمثالية دجلة و أتعمد بالبريق الخرافي للفرات ، فأنا نصفي يحبك و نصفي الآخر يعشق العراق ، .
( واليوم عيد اليس كذلك..؟!)
عاد إلى صورها يخاطبها :يا خسارتي الكبرى في عمري الصعب ، يا مزاري و راهبة الكنائس ،يا سجادة صلاتي ، يا جديلة الحب أنتِ ، .
صرخت بوجهه :عجيب لما في كل مرة تشعرني و كأنني أشحذ منكَ أمومة ..؟!
تراجع وسقط على أريكتها....
يتبع ...
التوقيع
لايكفي أن تطرق باب الإنسانية لتحس بمجيئها نحوك , عليك أن تخطو تجاهها و التوقف عن الاختباء خلف الزمن,