جَلَدْتُ ذاتي.. فاعتَرَفَتْ إِحدى بنات أَفْكاري، بأَني مازلتُ على قيدِ الغَفْلَة.
...........
من خلال العنوان / إعتراف/
يتضح لنا أن قبل عملية الإعتراف كانت هناك مسألة جدلية بين هيأتين مختلفتين، وكل هيأة تحاول إقناع الآخر بما تحمله من آراء وأفكار، حتى تمّ الإعتراف بعد بذل جهد معين، فالجهد هنا قبل الإعتراف هو رهن الحدث ليتم التخلص من هذا الاضطراب الناتج من النقاش الحاصل بينهما... وبعد عملية ضغط معينة تم استدراج الإعتراف كوسيلة لعملية التنفيس الذاتي للتخلص من الشوائب العالقة في الذات..
نلاحظ أن العنوان جاء نكرة، لتسهيل عملية التدبر في أبعاده واستنباط تأويلات مختلفة تخدم قضايا متنوعة بوجهات مختلفة.. وهذه النكرة تعطي اتساع للخيال وإعداد منافذ متسعة للفكر لإنشاء قواعد وعمليات متشعبة تساهم في تطوير عملية التفكير الإبداعي وتحفّزه على مناحي جديدة من الطرق الإبداعية..
في عملية الإعتراف وحتى تحمل صفة هذه الكلمة المحمّلة لأوجه كثيرة، يتم في مضمونها حق التنازل عن مبدأ معين أو فكر معين أو منهج معين، يضطر المعترف به أن يقتنع تماما بوجهة نظر الآخر، ليتم توقيع الإعتراف بكل حيثياته وجوانبه..
ثم يمكن أن يكون من خلال الإعتراف تنازل عن وجهة نظر صاحبها أو إعادة محاسبة للذات وبرمجة جديدة لأفكاره ونهج أسلوبه، وهذا يتعلق بصفة الشخص نفسه وقدراته التي يتصف بها إن كان صاحب وعي وفكر متطور يتلاءم مع حيثيات البيئة المتغيرة...
وهذه الومضة بحيثيات حروفها ومعالمها تومئ لنا لكل قضية ولكل موضوع في كل مناحي الحياة، خاصة أنه لم يضع الكاتب نوعية الإعتراف الذي دار* بين بنات أفكاره وما حملت معها من قيد الغفلة..
هذه الومضة تدور في دائرة الذات، وتنحني في مكامن الفكر وما ينشأ عنه من أفكار في حدود تفكير الشخص نفسه،
نأتي لأبعاد الحروف ف هذه الومضة، وما انصهر فيها من معاني ودلالات بتأويل ما يستنبطه التفكير في تراكيبها البنائية..
حيث تبدأ بفعل ماضي، وليس فعل مضارع أو أمر ، وهذا له دلائل تخدم معالم النص التكوّرة في بعض كلمات، حيث يقول الكاتب:
/ جَلَدْتُ ذاتي../
عملية جلْد الذات هي عملية تأديب أو عقاب أو تأنيب أو توبيخ، كلها وأكثر تندرج تحت سقف الجلد كنوع من أنواع عملية التغيير للذات المجلودة، وبما أن الجلْد جاء للذات، هذا يعني أن صاحبها يملك قدرة عظيمة في التحكم بالذات وقوة في السيطرة على السلوك والانفعالات الذاتية، وهذا طبعًا عامل قوي جدا في عملية التغيير والتطور، لأن عملية تغيير للإنسان، سلوكه أو نهج حياته، أو مستوى تفكيره، تبدأ من قوة الذات الداخلية وليست من خارجه..
حيث قال تعالى:
*" إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ "*[الرعد:11]..
فالتغيير حتى تتم آثاره يحتاج لأداة تساهم في هذا التغيير، أداة تعبر بقوة عن إحداث هذا التغيير، والكاتب هنا جعل من عملية الجلْد للذات أداة تبرهن أنه قام بهذا التغيير الفعلي، وإلا لن يحدث له آثار إذا لم يستعمل الجلد، فالجلد دليل على إحداث هذا التغيير المتكامل..
إن عملية جلد الذات هي أصعب بكثير من جلد شيء أو أحد آخر، لأن الإنسان الذي يجلد الآخرين ليس كمن يجلد نفسه، فهو يشعر بألم ذاته بعد جلدها أكثر من جلد غيره..
لذلك عملية محاسبة الذات ومعاقبتها أصعب على النفس من غيرها..وهذا دليل القوة والعظمة في تجنيد حواسه للمحاسبة لذاته نفسها، ومن يتقن محاسبة الذات فهو يتقن مسك زمام الأمور والحكم في أمور وقضايا حياته بطريقة سليمة عادلة لا يظلم بها أحدا...
بعد عملية الجلد بما تحمله من عقاب، إما يكون الإعتراف وإما لا يكون، لكن القوة والأسلوب الذي يستخدمه الجالد هو الذي يبرهن على قدرته في إعتراف الذات المجلودة..
/ فاعتَرَفَتْ إِحدى بنات أَفْكاري،/
هنا تمت عملية الإعتراف، لكن لم تكن متكاملة، لأن الكاتب جعل إحدى بنات أفكاره داخل خط الإعتراف وليس كل بنات أفكاره، وفي هذا نوع من الذكاء الفكري وانتقاء الألفاظ بحرفية مطلقة، لأن الإعتراف الكامل يعني نزع كل مقومات الذات السابقة لمقومات جديدة ، وهذا بطبيعة الحال لا يأتي بعلية تغيير فورية إنما تحتاج لعدة جلسات في المحاسبة وجلد الذات لتستقيم، وهذه طبيعة بشرية مجبول عليها الإنسان، ولأن الكاتب أراد من إحدى بنات الأفكار ليوصل لنا فكرة التغيير على أنها عملية استدراجية تتم على مراحل، لأن الإنسان ليس ملاكًا ليغير من نفسه عالفور، فهو يحتاج للمدّ والجزر مع الذات لتثبت على القاعدة الجديدة التي انبثقت بعد عملية الجلد...
/ بأَني مازلتُ على قيدِ الغَفْلَة./
هنا جاءت مراسيم الحدث لقمته في ثوب الإعتراف، بأن ذاته كانت مرهونة بقيد الغفلة، حيث اشترط بتركيب الغفلة بالقيد، حتى يصل بنا الكاتب أن الغفلة كانت تقيده حتى يقل لنا أن سبب الإعتراف هو هذا القيد الذي يتعرض له الإنسان، فإما يملك القوة لكسر هذا القيد وإما يتركه على حريته في التلاعب بأبجديات الذات..
فالقيد جاء ليكمل عملية الإعتراف لسبب جعله يباشر في جلد الذات...
أما ومعالم الغفلة وما يندرج عنها من معاني مقتبسة فهي:
مفهوم الغفلة ومعناها:
الغفلة:*سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ.
والغفلة:*متابعة النفس على ما تشتهيه.
والغفلة:*غيبة الشّيء عن بال الإنسان، وعدم تذكّره له.
والغفلة عن الشيء:*نسيانه، وإهماله، والإعراض عنه..
هذا كل ما تحمله الغفلة من معاني وأصعبها الغفلة عن الله وذكره...
لذلك من خلال هذه المعاني كان حقًا عالكاتب أن يجعل الغفلة بالقيد كي تستدرج عملية الإعتراف بأنه ما يزال على هذا القيد من الغفلة وهذا الإعتراف هو عنصر المفاجأة والدهشة.. وهذا الإعتراف بهذا القيد هو أول خطوات مراحل التغيير وبدء الانتصار على الذات الغافلة...
لكن ليس من الهيّن على الإنسان أن يبقى داخل دائرة هذا القيد الذي إذا استمرت قيوده فستحطم النفس لتتتبع عملية هوى الذات دون رادع لها أو قوة...
الشاعر الكبير والفنان البارع متعدد الحرف والقدرات
أ.عمر مصلح
بوركتم وبورك قلمكم على ما تقدمونه من نوافذ إبداعية تطل على الأدب من أوسع الأبواب..
تملكون القدرة الهائلة في تطويع الحرف بفنون مختلفة وبمسارات متعددة..
هنيئًا للأدب ما تحملونه من حرفية وبراعة وإبداع..
حفظكم الله ورعاكم
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية
إعتراف.. قد يكون متأخراً
عمر مصلح… عراقي مغترب في بغداد
ألراقية جهاد بدران
مما لا يخفى على جنابكم الكريم أن الصراع ينشطر إلى شطرين رئيسيين:
ألصراع الخارجي
ألصراع الداخلي
فالصراع الخارجي يعتبر بسيطاً كونه يزول بزوال المسبب، ولا يترك أثراً للقلق في الذات البشرية، ويبقى مجرد ذكرى أو حدث مرّ وترك تجربة معينة.
أما الصراع الداخلي فهو أشد وأعتى محفزات القلق النفسي، ولا يزول مهما طال الوقت، وتغيرت الظروف، وحتى إن هدأ فهدوؤه نسبي أو ذلك الذي يسبق العاصفة.. وقد اشتغل عليه كبار علماء النفس مثل فرويد وأنّا فرويد وبروير وبافلوف وماسلو وروجرز وكارين هورناي.. إلخ.
ومن هذا الصراع يولد اتجاهان، أما تسامٍ وتصعيد أو تورط بما يمليه عليه الهو القابع في منطقة اللاشعور.
وهذا مرهون طبعاً بمرجعيات الشخصية، وانحدارها البيئي والاجتماعي، ومحدداته الأخلاقية والدينية والأعراف.
لذا تنشأ الفنون والآداب، كحيلة دفاعية من الأنا الذي في منطقة الشعور والخاضع نوعاً ما للأنى الأعلى.
ومن هنا تنشط الجدلية وتتنوع الإشكاليات.
وهنا لا وجود للديالكتيك، والتشكيك كون الصراع مبني على سلوك معين وليس على قناعات فكرية عميقة، كالآيدلوجيا والأنطلوجيا بمعناها الأول، قبل أن تكون هندسة للمعرفة.
حين يكتشف الإنسان بأنه كان على قيد الغفلة، بعد مراجعة لحسابات العطاء والمواقف ترتبك خطا التفكير وتتداخل الآراء، حتى تكاد أن تفقد الشخصية توازنها، وهنا يتدخل الضمير لفك هذا الإشتباك وخفض القلق.
وكرد فعل أولي للشخصية، محاولة إبعاد القضية عن منطقة الشخصنة والتحديد، يتبرع الضمير بطرح مقترح غير قابل للرد، بأن يكون العنوان نكرةً، وهذا أيضاً مرهون بهاجسين.. أولهما دليل براءة من القصدية وثانيهما التملص من ذكر التفاصيل أو السرد.
ومن هنا تنطلق فكرة الخاطرة أو الومضة.
ولو وضعنا كل ما تقدم في خلاط (mixer) لنتج عنوان نكرة، ولا يمكن تعريفه.
هذا تبرير للعنوان، وقد تكون هناك أسباب أخرى على هامش الإنسانية.
أعتراف
هذا هو عنوان الحكاية المختزلة والمضغوطة حد الجفاف ربما.. لكنه ينطوي على كراريس للشرح.
لقد تناولتم قضية بالغة الدقة، وتنم عن وعي كبير، ومخيال خصب جداً، وهي تعدد بنات الأفكار، ولِمَ كانت واحدة فقط.
هنا عليَّ أن أكون أكثر حرصاً على أن أكون دقيقاً بالرد، كوني أخاطب ذكاءً بزي إنسان، لا إنسان له بعض ذكاء.. وعليَّ أيضاً حث الخطا لألتقيك بأقرب منطقة إليك لأتشرف بمعرفتك عن قرب وهذا أولاً، وأولاً أيضاً لألج عوالمك التي أعتقدها جازماً بأنها مملكة جمال، وأولاً مضمرة لإبعادك عن محرقة أفكاري.
وطالما استطعتِ استدراج بوحي، فلا مناص من الإعتراف..
إعتراف على الإعتراف :
لقد اجتمعن كلهن في ليلة قُر وصقيع، وأسمعنني التنابز بألقابي، وهذا أكّد لي بحقيقة تآمرهن وحقدهن مما جعلني متأكداً من أنهن اغتبنني، وكانت النميمة حاضرة حتماً.
وكوسيلة دفاعية لعدم الإعتراف الكامل، كذبت وضللت الآخر بأنها كانت واحدة فقط.
وبعد اعترافي هذا.. هل رضي غرور ذكائك، أم مازال قيد النبش والتمحيص؟.
أظنه مازال يبحث.
لذا سأنشر مذكرات مخزوني على صفحة ذكائك سيدتي، وثمة صوت يتردد في أرجائي.. جاءت من تعضد بنات أفكارك، وتعينهن على النيل منك كي لا تغفل ولكي تكون أكثر حرصاً على حياتك في المرات القادمة.
ألغفلة : قد تكون هي الأخرى سبباً في وجعي المزمن، (وليش لا طالما هي من نفس الطينة.. كلهن أناث) لكنها - وللأمانة - كانت بمثابة مخدر عام كي لا أشعر بآلام لست قادراً على تحملها حينذاك.
لكنها قصمت ظهر الوعي الذي غاب عني مرغماً طيلة أعوام، فبتُّ تلميذاً في مدرسة الحب، بعد أن كانت الطفولة غير بريئة حد التحرش بالمعلمات، اللواتي هن بمقام كبير.
بعد الصدمة الكهربائية التي نفذها الوعي على كل كلياتي، حتى كادت بعض الجزئيات أن تتلاشى.. نهرتني نفسي قبل أن أسقط وأتمرغ بالفشل، فتمسكت بالثروة الأبقى، واستجمعت حشود ضبط النفس والانفعالات بغية إعادة التوازن.. ولكن..
وهذه الـ (لكن) التي لا يمكن الإعراب عنها صراحةً، صيرتني إنساناً مختلفاً بعض الشيء، وأجبرتني على البوح بإسم التي ضيَّعت الكثير من أيامي بين كتب الفلسفة والشعر وعلم الجمال.
هل ترغبين بمعرفتها؟.
سأجيبك سيدتي، وأنا بكامل قواي العقلية، وبدون أية ضغوطات هي (الحقيقة)
نعم ياسيدتي (الحقيقة) هي من ضيّعتُ أجمل سني عمري بالبحث عنها وللأسف أخفقت.
كلمة لابد منها : خاتمة بوحكم الكريم، بمديح وإطراء قد لا أستحقه، جعلني أشعر بالزهو، وبشيء من الرضا عني.
لك أيتها الرقيقة الأنيقة الواعية أرفع القبعة، وشكراً على تأثيث أمكنتي بالفرح.
الأستاذ الأديب عمر مصلح أسعد الله مساءك بالخيرات واليمن والبركات
المتمعن في هذه العبارة يقوده التصنيف الأدبي إلى الومضة الشعرية سواء كانت نثرا أو موزونا وهذا ما يتجلى في هذه الخاطرة التي تميزت
بالإيجاز في التعبير علما أن الخاطرة حسب معرفتي هي فن أدبي يعبر عن كل مايدور بخاطر الكاتب من أفراح وأحزان وشتى تفاعلات الحياة بحلوها
ومرها وما يتعرض له الأنسان في حياته اليومية أوعلاقته بغيره في تصويرمواجهته للحياة . وأن ما يميزها أيضا أنها نثرية بامتياز بعيدة عن الغموض
والتاويل . ولكن لا تكون بهذا القدر من الإيجاز .
ومهما يكن فالعنوان هو اعتراف وقد ورد ت هذه المفردة في النص لتنبه عن غفلة الذات وما ينجر عنها من بعد عن تقويم النفس البشرية ..
تحية تليق ودمت في رعاية الله وحفظه.
التوقيع
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه
الأستاذ الأديب عمر مصلح أسعد الله مساءك بالخيرات واليمن والبركات
المتمعن في هذه العبارة يقوده التصنيف الأدبي إلى الومضة الشعرية سواء كانت نثرا أو موزونا وهذا ما يتجلى في هذه الخاطرة التي تميزت
بالإيجاز في التعبير علما أن الخاطرة حسب معرفتي هي فن أدبي يعبر عن كل مايدور بخاطر الكاتب من أفراح وأحزان وشتى تفاعلات الحياة بحلوها
ومرها وما يتعرض له الأنسان في حياته اليومية أوعلاقته بغيره في تصويرمواجهته للحياة . وأن ما يميزها أيضا أنها نثرية بامتياز بعيدة عن الغموض
والتاويل . ولكن لا تكون بهذا القدر من الإيجاز .
ومهما يكن فالعنوان هو اعتراف وقد ورد ت هذه المفردة في النص لتنبه عن غفلة الذات وما ينجر عنها من بعد عن تقويم النفس البشرية ..
تحية تليق ودمت في رعاية الله وحفظه.
كل ما تفضلتم به هو صحيح وعين الصواب، وكان الأَولى نشرها في حقل جنسها الطبيعي.
لكني - وهذا ليس تبريراً - لم انتبه أحياناً للقسم الذي يتوجب عليَّ النشر به، وبعدها أقنع نفسي بأن المهم ماذا أكتب وليس أين أنشر.
عموماً أنا أشكرك جداً، وأتمنى على حضرتكم نقل النص إلى حيث يجب أن يكون.
مع عظيم التقدير.
تفرّد في ابتكار الفكرة وترويضها لصالح المنطق
ومضة رقيقة وواقعية جدا
كون من بيلسان يليق
سيدة الندى..
ألقلق.. كفانوس يتثاءب؛ ما أن يخبو حتى يعاود التوهج في حلكة الروح التي أدمنت الوحدة.
في هذه العتمة تبتكر الحكايا.
ومن هذا العَوَز الضوئي يبرق الوميض.
وعلى هذا القهر تتراقص بنات الأفكار.
هل مازلتِ مصرة على أن الذي ورد يمت للمنطق بصلة؟.