.. قعدا بهدوء داخل مقهى فاخر ، تجادلا ، تناقشا ، اصطدم صوتهما بالجدران ،اهتزت الكراسي من تحت الأجساد، تطاولت الخلائق البشرية بأعناقها . سكتا، صمت بارد يتلجلج في الصدر، لم تستطع النظرات أن تفصح عن المستور البعيد عن الأعين .
نهض يتهالك على جسمه ، خرقها بنظرة ثاقبة ، ابتسمت . بخفة انقض على كوب ماء ، أفرغه على وجهها . تطايرت رشاشات الماء في كل مكان . انتفضت كعصفور تبلل ريشه ، تحسست وجهها ، وجدت زينتها قد فسدت ، ساح كحل عبق الرائحة على خديها . بسرعة غمست منديلا في كأس ماء ، مررته على وجهها ، لملمته برؤوس أصابعها ، دسته في المطفأة بين قشور فاكهة جافة.
نهضت وهي تقاوم انفعالها ، أتته من الخلف وهو ما زال واقفاً يقرأ اللحظة. ضغطت على كتفيه بيديها ، قعد على الكرسي والشك يفــتـك به. رفعت يدها اليمنى إلى الأعلى لتصفعه ،أمسكها النادل بقوة ، غدا صدرها يغلي كالقدر الذي فقد غطاؤه . تفلت على شعره ثم خرجت تطارد الهواء وحقيبتها المتدلية من يدها تصطدم بالكراسي .
انحسرت الدنيا بين عينيه ، تدلى رأسه على الطاولة وهو يناجي غيوم الخيبة . نهض يقاوم انفعاله . ثوان مرت ، عادت ،أطلت من الزجاج الخارجي للمقهى ، رأت سلمى ابنة جارتها تهديه وردة بيضاء.