على شفا حلم هارب
سرحتْ بيَ الأطيافُ في حُلُمٍ رماديٍّ رمى بيْ في متاهاتِ الرُّؤى ...
تتناسخُ الأرواحُ صورتَهُ وتمسخُه الدُّجى ...
جسداً خُرافياً تسلَّق أنجمي
نفّضتُ عنْ عينيَّ غابشَهُ ...ورحتُ أُطالعُ المخبوءَ في حُلُمي ...
ارتجفتُ ،، وهدّني وَجَلي ..صرختُ .. زجرتُهُ .. غالبتُهُ .. حاولتُ أنْ أنجوْ ، ولكنْ
فُتَّ في عَضُدي
شَبَحٌ يُطاردُني ... يعانقُنِي بلا رأسٍ فأهربُ منْ رُؤاهُ إلى رُؤايا
شَبَحٌ تكسَّرَ رأسُهُ في أَعيني .. طارتْ جماجمُهُ شظايا
وَهَمى نجيعُ دمائهِ فوقَ المرايا
شاهدتُ في أطيافِهِ طَيْفي
وفي أغوارِهِ خَوْفي
وفي أشكالهِ شَكْلي
وفي أهوالهِ هَوْلي
وفي ألوانهِ لوني المُعمّى
شاهدتُهُ ينداحُ صاعقةً تَسَاقَطُ فوقَ غاباتِ السّنا نَعْشاً مُدمّى
يغتالُ أنجمَها .. وينثرُها على هُدُبِي شَظَايا
******
عاينتُهُ ...خانتْهُ ذاكرتي ، وَندَّ رُؤاه عنْ وَهَجِ العَيانِ ..
وَغَدَتْ تحاصرُني مساحاتُ الزمانِ
وينتفي مني المكانْ
عاينتُهُ .. لكنّني ما عدتُ ألمحُ في ضبابِ التّيهِ غيرَ الأُفْعوانْ
يقتاتُ منْ شمسي ويذرُوها رَماداً في متاهاتِ الرُّؤى
... ودنوتُ من قُزَحيَّة الرُّؤيا ، وحينَ لمستُ ..
طَالعَهُ نَأَى
فتَّشْـتُ كلَّ خواطري
ونبشْـتُ كلَّ سرائري
ونفضتُ كلَّ مشاعري
قزّمتُهُ ظِلاً .. لممْتُ نثيرَهُ كيماأُجمِّعَ مُحتواهْ
كيما أَراهْ
كي أنتقيْ رسماً لهُ ... لكنَّه ...هَجَـرَ المـدَى
وانداحَ يخبطُ في مجاهيلِ الصَّدى
***
وأفقتُ منْ حُلُمي .. عصبْتُ يديْ على رأسي .. وقلتُ : لعلَّهُ خيرٌ ...
ولكن لِـمْ نَأى ؟؟
لِـمْ غابَ في قَلَقِ الدُّجى ؟؟
... هدّأْتُ منْ رَوْعي .. ومنْ هَيَجَانِ أسئلتي ...
ومنْ هَذَيَانِ غَمْغَمتي ...
ورحتُ أطالعُ الأحلامَ في : " تفسيرِ أحلامِ ابنِ سيرين ٍ "
... وهاكمْ ما قرأتُ وما وعيت :
" وطني هو الجَسَدُ المُسجَّى
ينداحُ يخبطُ في الدُّجى "
نعْشَـــــــاً تَرَدَّى
وطني غدا شَطْرينِ في بحرٍ منَ الظُّلماتِ يلفظُهُ المدَى
ماذا عسى جسدٌ بلا رأسٍ يكونْ ؟؟
لا عينُهُ ترنو .. ولا أُذُناهُ تسترقُ الصَّدَى
لا وجهُهُ يُرجَى .. ولا سِيماهُ سيماء الهُدى
لا الصوتُ يهدرُ في صَــدَاهْ
يحدو المَدَى
ماذا عسى جسدٌ بلا رأسٍ يكونْ ؟؟
بصماتُهُ اهْترأتْ ومزَّقَ نسْجَها شَبَحُ المنونْ
ثُكلاكَ يا وطنَ الصّدى
ثُكلاكَ يا وطنَ الرّدى
***
وَطَنُ الغرائبِ والعجائبْ
وطنُ التّشرذمِ والتقزُّمِ والتأزُّمِ والخرائبْ
وطنُ التلطّخِ والتفسُّخ وانتفاخاتِ العناكبْ
وطنُ المتاهةِ والغياهبْ
وطنٌ يقزّمُهُ المَدى كهْفاً تُعشّشُ فيهِ أعشابُ الطّحالبْ
وطنٌ تمسّجُهُ الذئابُ وتستحمُّ بهِ الثعالبْ
وطنٌ طَلاسِمْ
وطنٌ يُعانقهُ سرابُ الوَهْمِ ، تعشقُهُ المَزاعِمْ
وطنُ التسكّعِ والتقوقعِ والتنطّعِ والتعسّفِ والمظالمْ
وطنُ الملاهي والمطاعمِ والمقاهي والولائمِ والمراسمْ
وطنُ القبائحِ والفضائحْ
وطنُ التسطّحِ والتفلطحِ والتبجّحِ والتبرّحِ والنّوائحْ
وطنُ الرُّقى وطنُ التمائمْ
وطنٌ تغازلُهُ الأراقمُ والحمائمْ
وطنٌ تنادمُهُ الأَفاعي في حَوانيتِ الجماجمْ
وطنُ المجازرِ والمآتـمْ
***
وطنٌ يئنُّ منَ الألـــمْ
وطنٌ يراودُهُ صُداعُ الرأسِ تُوهنُهُ أفانينُ السَّقَمْ
سيارةُ " الكونغرس " تحملُهُ إلى المشفى ...
ضغوطُ دمائهِ ارتفعتْ إلى العشرينَ واتّسعَ الخِنَاقُ ...
ونبضُه الواهي انعدمْ
رئتاهُ ضاقَ برحبِ عُمقِهما التنفُّسُ ...واكْتوى في ...
نارِ جمرِهما الوَرَمْ
عيناهُ شاخصتانِ في المجهولِ ..زائغتانِ منْ غَبَشِ الرُّؤى
شِريانُهُ متصلِّبٌ أوْهتْ عزيمتَهُ الإزَمْ
***
وطني يهيمُ بهِ السّرابْ
وطني يُقمّطُهُ الضّبابْ
وطني شراعٌ في مهبِّ الريحِ لا رُبّانُه حَذِقٌ ...ولا
مجدافُهُ يقوى على قهْرِ العبابْ
ويميلُ حيثُ تميلُ إصبعُهُمْ وحيثُ ترفُّ أَهدابُ العيونِ...
الزُّرقِ أو يفترُّ ثغرُهُمُ المُندّى بالرٌّضابْ
غزلٌ إباحيٌّ , نُواسيُّ الهوى قُبُلاتُهُ ظُفْر ونابْ
وعروسُهُ تختالُ في غَنَجٍ منَ الأزياءِ منْ بحرِ المحيطِ ...
إلى الخليجِ , يعجُّ في أَرْدانها نِفْطٌ خليجيُّ المَلابْ
يمتصُّ كلَّ رضابِها ...حتى إذا جفّتْ لَمَاها أو تهرَّأ زِيُّها...
وغدتْ مغانيها يَبَابْ
هجرَ العشيقُ عشيقَهُ , واهتاجَ يختلقُ العِتَابْ
وانداحَ يزجُرهُ كما الجزّارِ ينهرُ عنْ ذبائحهِ الكلابْ
***
ثُكلاك َيا وطنَ الحَيَارى
ثُكلاك َيا وطناً تأرجح بينَ أغلالِ الزمانِ وبينَ أغلالِ المكانْ
ثُكلاك َيا وطناً يُهاجرُ منْ دهاليزِ الزّمانِ إلى دهاليزِ الزمانْ
أمسيتَ مَنفيّاً تسافرُ منْ دمشقَ إلى دمشقَ .. ومنْ عُمانَ إلى عُمانْ
***
وطني مواقفُـهُ انتظارْ
وطني إشارتُهُ غدتْ حمراءَ منْ زمنِ التتارْ
يجثو وحيداً في محطّاتِ القطارِ ولا قطارْ
ساقوك َنحوَ سَرابِهمْ وجنيتَ ماحصدَ الغُبارُ منَ الغُبارْ
ربحوا انكسارَك َوانشطارَك َحولَ مائدةِ القمارْ
أعطَوْكَ درساً في الشّعارِ وفي القرارْ
وسقطتَ في كلِّ اخْتبارْ
وبقيتَ وحدَك لا قطارَ ولا انتظارَ ولا شعارَ ولا قرارْ
***
وطني ...وما أحناكَ ياوطني تنامُ على وِسادتِك َالثكالى والأراملْ !
تغفو...وفي أجفانِها شَبَحُ المَقاصلْ
وتنامُ بين طيوفها الحمراءِ أشباحُ السّلاسِلْ
نامي ثُكالانا ولا تتبرَّمي
نامي فقد نامتْ على أجداثنا كلُّ المطامحِ والمآثرْ
وتفحّمتْ كلُّ الأماني في معاجمِنا الوبيئةِ ...وانتفتْ لغةُ المصائرْ
ماتتْ بنا "الأفعالُ والأسماءُ" وانتحرتْ بعاملنا "المصادرْ"
أضحى المُسمَّى في لُغَى قومي مُكنَّـى
أضحى بلا مَبْنَى وَ مَعْنى
أمسى به المبنيُّ للمعلومِ مجهولاً ونابَ الجهلُ عنّا
صارتْ بنا كلُّ "الصفاتِ" قبيحةً و"الحالُ" آلَ إلى الونى , وغَدا مُعنّى
و"اشتُقّتِ" النكباتُ من أحوالنا ؛ وتكسَّرتْ كلُّ الجموعِ ، ولم يعدْ للجمعِ مَبْنى
قالَ النحاةُ : [ كلامُ مولانا " سَماعيٌّ " إذا ما شاءَ يجعله " قياسيّاً " علينا ]
ومثالُهُ القولُ المفيدُ : " زعيمُنا فرْدٌ وليسَ لهُ مُثنىّ "
وأجازَ مولانا "امتناعَ الصرفِ" بالدولار في أسواقِنا كيلا نبذّرَ ما ادَّخرْنا
" ميزانُنا الصرفيُّ " أُودِعَ في يدِ الغربيِّ : يَضربُهُ .. يُقسّمُه.. ويَجمعُهُ ..
ويطرحُ ما جَمَعْنا
والتاجرُ النازيُّ يُتقنُ بيعَنا وشراءَنا سِلَعاً ويربحُ ما خَسِرْنا
ما عادَ في قاموسِنا لغةٌ نُمارسُها معَ الأفعالِ والأسماءِ ..ما عادتْ
حروفُ الضادِّ قحطانيةَ المبنى
ولا شرقيةَ المعنى
فكلُّ نحاتِنا عَجَمٌ ،وكلُّ الشعرِ في تاريخِ هذا العصرِ مُنتحَلُ الروايةِ والعواطفْ
" نَكِراتُنا " أمستْ " معارفْ "
أسماؤنا " ذاتٌ " بلا معنى محنّطةٌ تَأَنّقُ بالزّخارفْ
و" لفيفُنا المقرونُ " " مفروقٌ " على طُرُقٍ تُمزّقها حَزَازَاتُ الطّوائفْ
وَ " صحيحُنا " قد صارَ معتلاً على ضَربينِ :
" أجوف " قدْ خَلا منْ كلّ مكرُمةٍ ؛ و " ناقصْ "
لا علّةٌ يسعى إلى معلولِها
لا همزةٌ للوصلِ يُوصلُها ولا أملٌ ...
يراودُهُ سوى حانوتِ راقصةٍ و راقصْ
***
يا موطني إنْ كانَ للتاريخِ مبتدأٌ فما أخبارُنا ؟ ما نعْتُنا ؟ ما حالُنا ؟
ومتى نجيئ مع السحابْ ؟
يا موطني .... أتعبتَ أسئلتي وما ارتاحَ الجوابْ
أحلامُكَ المجنونةُ البلهاءُ سفْسَطَةٌ وفلسفةُ اكتئابْ
وطموحُكَ الوطنيُّ هَلْوسَـة .. ووسـوسـةُ ارتيابْ
وفصاحتي لا عيبَ في تِبيانِها غيرَ انتفاخاتي البليغةِ .. غيرَ غرغرةِ العبابْ
وخدعتُ نفسي , قلتُ : رُبَّتَمَا تكونُ بلاغتي وَهْماً وأسئلتي سَـرابْ
عاتبتُ خاطرتي وذاكرتي وأسئلتي وأجوبتي ..، وما أجدَى العتابْ
وَلرُبَّ أسئلةٍ تُحرّضُني
وأجـوبـــةٍ تُروِّضُني
فأقبعُ تحتَ ذاكرتي .. أُعاني عُقْدةً في النفسِ أمريكيّةَ الهَذَيَانِ تقمعُ ...
فيَّ أحلامي وتفصِمُني
وطبيبيَ النفسيُّ ينعتُنِي بهستيريّةِ الصّوفيِّ حينَ أَهيمُ في وطني
***
يا موطني .. أنا لستُ صُوفيّاً خُرافيّاً وقدّيساً بلاغيّاً ونحوياً تقعـّرْ
أنا لستُ صُوفياًّ تطيرُ بهِ مسافاتُ الجوى ويغيبُ في المجهولِ ...
مخمورَ البصيرةِ والبصَرْ
ينسابُ في ملكوتهِ القُزَحيِّ مَغميّاً عليهِ منَ الخَدَرْ
لاشيءَ يُبصرُ حولَهُ غيرَ " الحلولِ " وغيرَ " وحدةِ كونهِ " ...
ما بينَ مُبدعِنا وما بينَ البشَرْ
لا يعرفُ التمييزَ بينَ " التابعِ " الغربيِّ و " المتبوعِ "منْ أَبْدالـِهِ ..
أو بينَ مدلولِ " الكناية " ما بَدَا من رمْزِها أو ما تخفَّى واسْـتترْ
وتراهُ يخلطُ بين " توريةٍ " و" توريةٍ " وما قدْ شفَّ عن إيحائِها الرمزي...
أو ما أومأ المخبوءُ منْ وَحْي الصورْ
***
يا موطني قدْ تاهَ بيْ قلَقي وغابَ الوعيُ في الّلاوعيِ ...
صارَ تبتّلي العُذْريِّ ساديّاً وصارتْ كلُّ أوجاعي نُواسيَّهْ
أنا لستُ أفهمُ كيفَ أمريكا تُغازلني ولستُ أعي مواجدَها الشجيَّهْ
لا لستُ أتقنُ رجفةَ الأعطافِ والأردافِ لستُ أُجيدُ فنَّ الرّقصِ ..
في أحضانِ أمريكا ولا قَدِّي مُهَفْهَفْ
أنا لستُ أَحفظُ في الهوى شعراً أُغازلُ فيهِ أمريكا ...
وأحضنُ كشْحَها الأَهَيَفْ
لارقصةُ " الدّسكُو" أُجوّدُها ولا هَزٌّ ولا رَهْزٌ ولا قَفْزٌ أُجوّدُهُ ...
على ساحاتِ صدرِ العاشقِ الميمونِ والخَصْرِ
لا لستُ أُتقنُ كلَّ هذا الفنِّ لستُ أُجيدُ غَمْزَ العينِ أو رَشْفِ اللّمى منْ شَهْدِ ثَغْرِ
لكنّني أدري .. وأدري أنّني أدري
وأدري أنَّ ذاكَ العاشقَ الغربيَّ يُتقنُ عشقَهُ فينــا
يُدغدِغُـنـا يُهدْهِدُنـا
ينامُ على وِسَادتِنـا
ولا ندري
وَيكْرعُ نُخْبَ خَمْرَتِنـا
ولا ندري
ويقبعُ في عواطفِنـا
ولا ندري
وهذا الماءُ يجري تحتَ أرجلنـا ولا ندري
وندري أنّنا يا قومُ لا ندري
وندري أنّنا في عُشقنا مُتملّقونَ منافقونَ لوجهِ أمريكا الأَغَرِّ