روح النّبع الغالية
وغمامته التي نتبع هطولها اينما حلّـت
أشد مايأسر إليها كإنسانة هي هذه نبضة قلبها العراقية بالكامل
فمرة طلبت منها أن تكتب شهادة منها عن الفنان العراقي حسين الهلالي لأضيف هذه الشهادة في كتابي فوجدتها تستجيب للرسالة بسرعة فاقة ماتصورتها ولم تبخل عليّ بوقتها فقط أنبأتني متى أريد الشّهادة ؟ كي تخبر مديرة أعمالها بتنسيق الوقت اللازم لذلك وبعد أن أخبرتها بعثتها لي بحي كبير وسأدرج الشّهادة بعد الرد بإذن الله
محبتي الكبيرة
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟
حديث الدكتورة أمل بورتر كان عندما كنت أكتب بإسم إنانا
تطلب اينانا وطلبها لا يرد اصلا ،وما تطلبه هو الحديث عن اخ لي لم ينجبه والديّ، فكيف لا يجاب الطلب.
لن اتحدث عن حسين الهلالي كفنان تشكيلي ففنه يتحدث عن نفسه اولا ،وثانيا لأنني منقطعة عن نتاجاته الفنية وبعيدة جغرافيا عن تتبع تطوره الفني ، ولكن لا شك لدي بانه قد سار ووصل الى ما يصبو اليه فنيا،فخلال تزاملنا دراسيا كان يرسم ويرسم ويرسم ليزيد من قوة الخطوط ووضوح اللون واكتمال الموضع، وتأكدي هذا ياتي ايضا من اطلاعي على ما يرسل الي من عبر البريد الالكتروني من اعمال.
انا اريد ان اتحدث عن انسان عرفته شابا، فنحن من جيل واحد وعمر واحد وتطلع واحد ولكن من بيئة مختلفة تماما الواحدة عن الاخرى، والبون بيننا شاسع جغرافيا واجتماعيا.
ساتحدث عن حسن الهلالي الشاب المتحمس الوديع الهادئ الذي جاء من الشطرة الى بغداد ليدرس الفن، وراي مجموعة من الفتيات لا يتجاو عددهن اصابع اليد مع ما يزيد عن المئتين طالبا، كن زميلات له في مراحل مختلفة من الدراسة، وانا بالذات كنت اسبقة بسنة واحدة ، يا ترى كيف سيتعامل ابن الشطرة الجنوبية مع فتيات بغداد.؟
لم يصعب علي بحدسي الانثوي، ان اكتشف بان هذا الشاب المتزن الهادئ سيكون لي اخ وانسان اعتمد عليه واثق به واسير بجانبة مغمضة العينين، سيوفر الاحترام والاخلاص والصدق والتفهم حتى لو تطلب الامر الحماية لكل الزميلات.
وفعلا صدق حدسي وكان حسين بتعاملة مع الاحداث اليومية المليئة بالصراعات السياسة والاجتماعية حكيما هادئا مفتهما وصبورا، حريصا على سلامتي انا شخصيا ، يحاول أن يكون حاضرا في وقت الازمات ومحاولات المساس بنا، لمجرد اننا قد نختلف بالرائ مع جماعات طلابية اخرى، وكأن الجميع نسوا القول: لا يفسد الاختلاف للود قضية.
عشنا زمن تتصارع فيه الرغبات السياسية قبل واكثر من اي رغبات حسية وشخصية ، وطغت فيه السياسة حتى على تنفسنا وخلجاتنا وحركاتنا، فكان الاجواء ملبدة بغيوم الاختلافات والتحزبات، ومع هذا كنا نشعر ان الجو صحي وجيد ويجب ان ننتج ونعمل وفي تلك الظروف المعقدة لشباب في عنفوان الصبا.
اراء حسين حينها كانت تميل الى المعقولية والتوازن بعيدة عن الاندفاعات النزقة والمتهورة، لكثير من زملائنا الذين تجمعنا واياهم نقاط التقاء سياسية عديدة، شعروا اكثرهم باننا رغم التزامنا بحكمة عامة وفكر واضح الا ان حسين وانا كنا نميل الى اجواء خالية من المشاحنات، نرغب باجواء تحتويها الزمالة والاحترام اكثر من التنافر ، وحينها يبدو ان لهذا الموقف كانت ردود فعل معاكسة ومشنجة ممن معنا وضدنا، ولكن حسين الهلالي بقى على حكمته وهدوءه ولم ينساق وراء اي اندفاعات.
كان تريدده للشعر الشعبي بصوت شجي هادئ تثير فينا نحن الطلبة معان السمو والرفعة، وقابليته على حفظ ابيات لا حصر لها كانت مبعث اعجاب وانبهار مني. استمع اليه واطلب منه المزيد، فما كان يردده جديد علي لم اعرف عنه الكثير بل القليل جدا، ابيات تتداخل وتتشابك ، وكلمات جديدة ومفردات غريبه جنوبية قحة، بعيدة عن لهجة بغداد ومجتمعنا المخملي الرقيق. كلمات قوية ومفردات واضحة مشاكسه احيانا ووقورة احيان اخرى ومليئة بالحزن والغم والهم حتى الموت.
تعملت من حسين الهلالي الكثير، لغته الجنوبية اصبحت قاموسي الذي استعين به عند كتابة رواياتي ، تقودني ذاكرتي بسير وسهوله الى ايام مليئة بالمحبة والاخوة والحنان وانا استمع واشحن ذاكرتي واحساسيسي بمفردات جديدة غريبة جميلة متفردة . وبقيت تلك الذاكرة قوية حادة
حينها كان مظفر النواب قد سيطر علي مخيالنا اليافع "بغطاره "الليلي واجوائه الريفية النقية والغنية والحزينة والمشبعة بالاسى واللوعة،وما كان لنا وانا خاصة سوى ان نجد مظفرا اخر يعيش بيننا ووجدنا ضالتنا في حسين الهلالي ليشبع جوعنا ويغني معرفتنا باجواء الشطرة والريف وكان حينها حسين الهلالي "مظفرنا النواب" المصغر الذي يعيش بيننا ويروى ضمأنا واه كم كنا نفتخر به وما زلت انا اخته المحبة.
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟