الهايكوية بلوغ المعنى لغة و دلالة و جمالية ضربة واحدة في أضيق مساحة سطرية ممكنة في مقابل دقة التقنية و جسارتها مع التوظيف السليم لثراء الفكر و التجربة
التوفيق في الومض لا بد أن ينسحب على الورقة من ألفها الى يائها و حتى البياض المرسوم قيد الومضة استهلالا و اقفالا و ما يمتد بينهما تنقيطا و خلافه لان الوامض لا يملك جغرفة بيانية واسعة الفضاء للتجاوز
.....
حتى اذا لم نجد جذورا أو اصولا لهذا النمط من الشعر فيكفينا أن القران الكريم أستخدم هذا النمط من التركيب البلاغي ( التركيز / فتح الدلالة ) كأحد طرائق خطاباته الرائعة لتوصيل ما يريده وقصدت بفتح الدلالة انه يطابق كل مستوى من مخاطبيه اذ يفتح القرأن تجلياته عند كل قراءة ويتمظهر الأنسان عند كل تأويل وهنا تأخذ قصيدة الومضة هذا البناء الأسلوبي سواء كان الذين يكتبونها يعون هذه الحقيقة ام لا ويجب ان نضع في الحسبان ثبات الفارق بين النص الشعري والنص القراني وان استخدما ذات الأسلوب فالنص القراني فاعل والنص الشعري منفعل / واحدة من اليات فهم النص القراني نظام الأطروحة الذي يعمل على المستوى الأفقي لتحديد محطات الأنطلاق وتأسيس فضاء واسع للفتح العقلي وابتكار السؤال المتجدد لرحلة التكامل الأنساني من افق فضاء المعرفة الحقة الى افاق النفسة الكاملة ويعمل على سياق الأية القرأنية (سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى بتبين لهم انه الحق ) بينما نرى في النص الشعري ان واحدة من اليات فهمه هو الهرمنيوطيقا ( تعدد التأويل ) اذا ينفتح تاويل عند كل قراءة والقارئ هو منتج النص بمعنى لا ثبات هناك لأي دلالة مادام كل قارئ تكوينا ومزاجا مختلفا عن الاخر بمعنى ان في نظام الاطروحة النص ثابت بينما يتكامل الانسان وفق تجلي الدلالة في السير التكاملي عند كل مرحلة اذا يقابل كل فتح عقلي وشعوري ونفسي بقابله تجلي على مستوى النفس وعلى مستوى الافاق اما في النص الشعري ووفق الهرمنيوطيقا ان النص ينساق خلف القارئ ويتمثل به . كما ان النص القراني سابق الاهداف والغايات التي تنوعت وفق استعدادات البشر حتى وصل بها النبي الحبيب ص قاب قوسين او ادنى وو صل بها المقام المحمود بينما الشعر لا يراهن على المعنى بل انه يفر من المعنى الى منطقة الا اتفاق كي يبقي جذوته الشعرية مشتعلة واكتفي بهذه الفوارق كي ابين كيف يختلف النص القراني عن النص الشعري وان استخدما ذات الأساليب البلاغية
اذن ( التركيز / فتح الدلالة ) صياغة قرانية ومن التنويعات عليها قال تعالى
فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا
يا ايها المدثر قم فانذر
الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى
الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر
ولما كان ( التركيز / فتح الدالالة ) من ابرز خصائص قصيدة الومضة اذن خصائصها متوفرة في الأساليب القرانية وكفى بهذا دليلا على اصالتها وصحتها وهي بهذا بهذا تحمل اسلوبا لا يموت مادام القران لايموت اذن لا يضرها عدم وجود تاريخ لها بالرغم من وجود هذا التاريخ كقصيدة البيت الواحد او الاساليب البلاغية في المنتج الادبي العربي من خطب ورسائل واني لم اذكرها بسبب تعدد المشارب لكن القران لنا جميعا وبلاغته حجة
اضف الى ذلك ان الشعر قوة مرتكز في الذات البشرية اما شكله فهو مرهون بزمن وثقافة وتطلعات وتوجهات وابتكارات الذات بمعنى انه قوة يتغير شكلها وفق متغيرات وابتكارات الذات ومن هنا انبثق ( الشعر الحر / قصيدة النثر / النص المفتوح ) ومن هنا لا يضر قصيدة الومضة انها وليدة عصرها
ومن امثلة قصيدة الومضة المركز جدا قال احد الشعراء المعاصرين
كي لاتشقى
اقترح الله
بمعنى اقترح لنفسك قربا من الله كي تنجو
بالنسبة وعلى هذا البرهان قصيدة الومضة شرعية ورائعة وفذ من يكتبه
طبعا الحديث يطول عن خصائصها الاخرى من رمز وغموض وتأوبل لكني اكتفي بهذا القدر
عبد الكريم سمعون ايها المجدد المتطلع شكرا لروعة فكرك وقلمك ورائع ماكتبت انت
اخترت لكم بعض النماذج من قصائد الومضة عند (رفعت المرصفي)
لتكون الدليل والبرهان على ما قدم لنا الشاعر عبد الكريم سمعون بهذا الخصوص
.
.
-1-
البحرُ كتابُ لجنوني / ينمو الجمرُ على أحرفِهِ
أقرؤهُ... حين تُجنُّ الشمسُ
وحين تُجنُّ الأسماكُ
يقرؤهُ المُصطافون
.
.
-2-
الموجُ لا تهابهُ الشطوط / لكنّها تميلُ كي يفوتْ
فلا الشطوطُ قد طواها البحرُ يوما
ولا الهديرُ قد أصابهُ القُنوطْ
وهكذا نعيشُ أو نموتْ
.
.
-3-
قالت... شِعرُكَ نَهرْ
فافتحْ شلّال قصائِدك علىّْ
الزهرة تشتاقُ إلى الرِيّْ
قُلتُ..... منابعُ شِعري
تبدأُ من عينيكِ ومن شطيك ِ
تصبُ ببحر هواكِ الملكيّْ
.
.
-4-
كان يُشاغبها في مرايا الليل
وفى عُرس الطّمى.... تُشاغبهُ
وحين يباغتُه الشعرُ
يتحوّطُها من جذْوتِـــهِ
ويفـ.........................يضْ
.
.
-5-
باقٍ على جَبل الصلابة هزتان
يا أيها الحُزن المسافرُ في دمي من ألف عامْ
ألفيةُ الحزن المُعتّق كُنتُها.... وسكنتُ في أبياتها
قد صِرتُ في بيت التَّأوّهِ شطرتين / وفي الكلام
يا أيها الوجع المُحرقُ أحرفي / أفلا تنام؟
.
.
-6-
للشمسِ....... ضفَّتان
إحداهما للناس
والأُخــرى..... ملاذ الشعراء
.
.
-7-
زهرةُُ..... أطلقتُ سِّرها في الوريد
فاستطابَ الفؤاد المُعنىَّ
واستقامَ الخفوقُ المراوغُ
غَنّى.............
وباح دمي....... بالنزيف الجميل
زهرةٌ.... أطلقتْ سِـرها في الوريد
فاستقادَ الرمادُ الذي هادنتهُ الرياح طويلا
واستحال المواتُ القديم اخضراراً
الـ هديل الصَدوح ..
أختي الغالية تحية طيبة والشكر من أعماقي لـ اهتمامك وإضافتك الجيدة والرائعة ..
كما أشكر وأقدر الأخوة والأخوات جميعا وأقدر مداخلاتهم وإن كنت لم أردّ على مداخلاتهم بشكل مفرد فلا سبب سوى أنني أردت أن يسهل للقارئ قراءة الموضوع الأساس مع المداخلات الهامّة فلا يتوه بالردود والتحايا ..
ولكل من عبر من هنا تقديري ومحبتي
التوقيع
أنا شاعرٌ .. أمارس الشعر سلوكا وما أعجز .. أترجمه أحرفا وكلمات لا للتطرف ...حتى في عدم التطرف
ما أحبّ أن نحبّ .. وما أكره أن نكره
كريم سمعون
قصيدة التجربة المُتخمّرة والذات الناضجة ..
قصيدة الدهشة التي تخبّئ بين كلماتها القليلة الكثير من طاقاتها وكلّما قرأناها ازددنا دهشة لأنها القصيدة الدائمة الإنتاج والمتحركة والقابلة لأيّ زمان
تتولد من ذاتها وتحقق الاستفزاز الذهني والاستنفار العقلي لدى المتلقي ولهذا أطلقت عليها مجازا لقب (القصيدة الحيّة )..
ذهب البعض من الباحثين رغم قلّتهم لأننا لا ندري لماذا ماتزال عيون النقد الأدبي مغمضة عن هذا الجنس الأدبي الراقي والمنتج البالغ النضج
إلى أن أصلها من الشعر الإنكليزي .. ولكن لا يخفى على أحد أنه ومنذ العصر الجاهلي هناك ما يُعرف باسم قصيدة البيت الواحد ..
المتكون من دفقة شعورية واحدة لفكرة واحدة وهذا تماما ماتُبنى عليه القصيدة الومضة .
تكثيف وإيجاز شديدين وإيحاء عالي و إنزياحات شعرية ودلالية واختزال شديد لعدد المفردات فكرة واحدة وتعدد في التفسيرات والاسقاطات .
سنحاول بسلسة من المقالات إلتقاط وتجميع ملامح هذا المنتج الابداعي ..
يقول الصديق الإعلامي والأديب المصري ابراهيم خليل ابراهيم :
(من الجدير بالذكر أن نؤكد على أن الذين يتصدون لكتابة هذه القصيدة يجب أن يتخرجوا أولا من كل المدارس الشعرية المختلفة قديمها وحديثها بدءا من المدرسة العمودية وحتى ما يسمى الآن بقصيدة النثر )
وبالتأكيد أنا أضم صوتي لهذا الرأي فالقصيدة الومضة تعتمد على نضج وغنى التجربة الإنسانية والشعرية لدى الشاعر ولا يخفى على أحد أنه كلما كانت التجربة أكثر غنى ونضوجا كان المنتج الإبداعي فنا كان أم أدبا منتجا كاملا أو بالأحرى أقرب للكمال ..
ويقول صديقيّ الدكتور هايل الطالب والدكتور أديب حسن محمد في كتابهما الذي يُعتبر من أهم المصادر التي بحثت بهذا الشأن :
( على القصيدة الومضة أن تكون قصيدة مكتملة المعنى ، مبتكرة في فضاءات لغتها وذات فكرة متوهجة وتقنيات متداخلة ومتضافرة وتستفيد من أشكال فنية متعددة ( الفن التشكيلي ،الموسيقا ، التصوير السينمائي ، القص ... إلخ )
وعطفا على القول السابق أقول : إن قصيدة الومضة أشبه ماتكون باللوحة الصغيرة وسأفرد مقالا خاصا في وقت قريب حول هذه المقولة وعلاقة الومضة باللوحة التشكيلية وبالذات اللوحة الصغيرة ..فالومضة تكثيف لوني شديد واستنطاق لرموز وعناصر وصور الطبيعة .
قصيدة الومضة أو القصيدة القصيرة كما دعاها البعض قديما .. هي شكلا شعريا أكثر شمولية وتمردا على محدودية الشكل بحد ذاته والوزن والمعايير الفنية والجمالية والتي كانت القصيدة العربية تُعنى بها كثيرا في وقت سابق
فالقصيدة الومضة هي خطاب للذات الإنسانية والعالم الداخلي للعمق الإنساني و هي تحتاج لتُقرأ في أجواء خاصة وتتطلب نباهة عالية من المتلقي وفطنة وذكاء شديددين من الشاعر ..