رسائل من دفين
جنائن الورد والودّ
10
تتمّة.....
كانت الشبابيك الحديدية بيننا... وهاته الزيارة يطلق عليها المساجين تسمية " الزيارة العادية" بعد نصف ساعة جاء الحاج العلوي وأعلمني بأنهم قد سمحوا لي بزيارة خاصة مباشرة لربع ساعة لا غير......
عانقت شقيقتي لأوّل مرة بعد اغتراب السنين.........
أوّاه يا شقيقتي ... كم كانت قاسية تلك الايام الاليمة وأنت رهينة في معتقلاتهم , كان قلبي يكاد أن ينفطر والحزن يرشح في اعماقي كأنه طوفان جارف
إنزاح الهم ذات يوم عندما قال لي قاضي التحقيق
ـ لقد أطلقنا سراح النساء ....شقيقاتك الآن في بيوتهن....
انتهى الفصل الاول ولن تنساني أبدا طيلة حياتك
ثم كانت المحاكمة المهزلة والسجن الذي إلتهمني............
في السجن للجلاد شعار واحد يطبّق تعاليمه كأنّها طقوس مجوسية اعتيادية يردد في صلف قاتل
ـ لا تترك للسجين فرصة التقاط أنفاسه تابع الضربات وإختلاق المشاكل ... ينبغي إغراق السجين في وحل متواصل لا تدعه يستريح حتى يعلن سقوطه وانهياره وتهاويه"
عرفت لغة السجون واتقنتها وعرفت دواليبه وخفاياه فقد كنت نزيل المعتقلات السرية الآن ...... هن منعطف جديد مع أقبية السر والعلانية............
كانت شقيقتي الصغرى تبكي طيلة الزيارة ويتحول البكاء الى نشيج ممتد
حاولت أن تكفكف دموعها وهي تقول
ـ هيهات هيهات يطلقوا سراحك ... هاته الأحكام على قساوتها لا تعدو أن تكون حبرا على ورق.......
لقد كانوا كالذئاب المسعورة وهم يبحثون عنك
في هاته اللحظات العاصفة مرّ من أمامنا فتى في عقده الثاني .. كان يقف على مرمى قوس منّا ... كانت والدته تبكي ولهجتها الصحراوية واضحة وعفويتها تزيدها وقارا واحتراما رغم الألم الذي يعتصرها
قلت لشقيقتي وانا ابتسم
ـ هذا الشاب عمره عشرون عاما وقد نفحوه بعشرين عاما اخرى ليقضيها داخل السجون... أنظري للرضا الذي يعلو صفحة وجهه إنني لا اراه في العنابر إلاّ مبتسما هادئا.......
أنظري لهذا الصغير العملاق كم يبدو عظيما بتقواه
وهناك في الدهاليز كهول وشيوخ انحنت ظهورهم وبلغوا من الكبر عتيّا
الآن تضمهم جنبات السجون ....
كم تسعدني طلعتهم بلحاهم البيضاء والوقار يعلو الوجوه المتوظئة
الخشبة في الحانوت والروح في الملكوت
هنا قيامتنا المغربية ندفع زكاة أعمارنا
عمري الافتراضي وزكاته خمسة عشرة سنة
ابتسمت وقلت لها
ـ قلـــــــــــــــــيلة
هنا انتهت الزيارة واختفت شقيقتي ولم أرى لها أثرا من ذلك اليوم
انضاف حصار الاهل إلى حصار الجلاد وارتفعت جدارات القهر من حولي
إنّها عالية...
ولكنني اعلى من جدارات الصمت ببوحي
وأغلى من مساومات الجلاد
بعنفوان مبادئي ......
جنتي في صدري
منها اقطف للاحبة وردة ...من جنائن الود