شاعرتنا الجليلة عواطف عبد اللطيف :
شكراً للمُبادرة الأولى ، سأجيب على كل أسئلتك بالتتالي و قبلها تقديري الشديد .
أجوبتي
س\ كيف بدأ قاسم الكتابة؟ ومتى؟ وما هو أول نص له؟
*ج\ يلد الكاتب و هو مجبول على هذا المسّ المصيري الساحر ، تداهمه آسار تلك اللعنة الجميلة ، تطوقه بمخيلة مارقة ترى في إختراقاتها عوالم أخرى تضج بأحلام و صور و كوابيس ، يرزح تحتها كاهله الرقيق مسّربلاً بالكثير من الأوجاع و الهموم ، ينشد الخلاص الأخير حتي يتجلى له المنقذ في حروف و كلمات تؤدي الى نصوص ، تفتح للحالمين المحبطين أبواب السرور و تتيح لهم الهروب من هذه الحياة المملة الى حياة أفضل ، من هذه الأرهاصات و غيرها حلّ المسّ الجميل في مخيلتي مبكراً و فتقها لمخيلات قادتني في العام 1992 لكتابة أول النصوص " أخبار عائلية فقط " الحائز على جائزة أفضل نص ، منه أبتدأت برسالة و لم أنته منها حتى الموت !
س\ ما الذي يحرك قلم قاسم ليملأ الورق نبض؟
ج\ * لست مثالياً لو قلت لكِ سيدتي إن الكاتب بطلاً أسطورياً أوجده الله ليدحر به شر الطغاة في الأرض ، إنه الملاك الحارس للشعب من بطش ساسة اليوم و من فتك آلتهم القاسية ، لذلك نرى الكتاب على مر العصور معرضون للأبادة على أيدي الأنظمة المستبدة ، في خضّم هكذا نظرية قاسية يقف طابور آخر من الكتاب يزوقون الأحلام و يقدمونها بأوعية السرد الجميلة الى الآخرين كي يبددوا سأم الأيام و رتابتها و يضّفون على الحياة نعمة القبول و دوامها و هنا يكمن السر في سحر الكتابة ، إنها الوسيلة لأعادة التوازن الى حياة مضطربة وقاسية و فقيرة ، يعلن فيها الكاتب الحرب على أعدائها و يبتهج بنصر لسلامها و هذا إمتيازها الساحر و دافعها الكبير .
س\ ما هي أهم المرتكزات التي يعتمد عليها القاص للوصول الى أعماق القاريء؟
* ج\ المرتكزات أسرار و لكل كاتب أسرار تطفح من متونه السردية لتدلل على روعة أو قصور ، إنها بصمات لن ينالها الكاتب الكاتب إلا بعد مخاضات عسيرة و كثيرة ، منها إجتراح البدايات الآسرة و النهايات المثيرة أو إختيار العصي من المواضيع كالغوص في لجج المحضور أو المسكوت عنه ، إن في هكذا إقدام جرأة و تشويق تسربلان القارئ بدهشة الأبتكار و صدق البوح و تأخذانه الى فسحة القراءة المجدية، هكذا لمستها من خلال تجربة سردية فقيرة ارتكزت على تهشيم قوالب السرد القديمة و أعتمدت على إختراق كل ما يخشاه الآخرون متمثلاً أدوار الشخصيات بصدق يرتقي بي الى حد التلبس ، كل هذا أجترحته في سردي لكي أصل أغوار القارئ النخبوي مزلزلاً فيه الثوابت القديمة التي أمقتها بشدة .
س\ ما الذي يعطي للنص قوة البقاء؟
* ج\ يحضرني بيت للشاعر و الفيلسوف أبو العلاء المعرّي : و إني و إن كنت الأخير زمانه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل
يستطيع الكاتب أن يخلّد نفسه من خلال نصوصه إذا توفر شرط خارق ، أن يغادر كل ما هو دنيوي و يجنح صوب السماويات ، جاهداً يسعى للفرار من آدميته متوجهاً بكليته الى الملائكة ، ينهل منها صفاتها و زهدها و صبرها و بهاءها و ....! آنذاك فقط سيمسي كائن آخر لا يمت بصلة إلا لأبداعه الأستثنائي ، هذا الأبداع الذي سيجئ به هكذا كائن طاهر و نقي سيبقى لأنه إختلاف ساهمت في تكوينه أسس قدسية غاب عن إدراكها اليوم و للأسف أغلب الكتاب .
س\ سهولة النشر الألكتروني هل تصب في مصلحة النص؟
* ج\ جنى العالم الألكتروني على ألق الكتابة و سطوعها ، غيبت متاهته الشاسعة النخبويين ، طمرت نتاجاتهم المبدعة الوفرة السيئة و الغزو المريب لأشباه و مرضى و جدوا في سهولة النشر فرصة للظهور ، وهكذا آل الأمر الى إختلال مخيف بعدما جاءت الكثرة على النوع ، أما ما يحسب لهذا العالم الحديث ، إنه حررني من سطوة الرقيب و فتح العالم لي لأاطلع على ما لم أطلع عليه سابقاً و غمرني بودّ ه الشديد حينما مّنَ عليّ بعائلة مثلكم ، حفتني بحنانها و أوجتني بإبداعاتها و فتحت الباب لصحب كم كنت أتوق الى مشاركتهم في مسراتي و اوجاعي .
(يتبع )