سأمشي في طريق الجنون .. على إثر عمرمصلح وابن سمعون
سأمشي في طريق الجنون .. على إثر عمرمصلح وابن سمعون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سولاف هلال
أتتبع الإشارات لعلها ترشدني إلى حكمة اصطبغت بلونهما
لا حاجز يقف بيني وبين هذا المجنون وذاك .. معصوبة العينين أمشي .. أدرك المسار ببصيرتي لأدع البصر يرتاح من كثرة التحديق بما لا يجدي .
أتبختر بين الكلمة واللون لأصل إلى لحظة التنوير..
أراوغ الدلالات ..
أغوص عميقا ثم أطفو على السطح لألتقط أنفاسي .. أتجاوز المحسوس..
أفتش عن اللامرئي لإدراك حدسي ....
وفي لحظة الالتحام مع الذات ،أتقدم بثبات لأزيح الستار عن الوجوه الموشومة بحكمة الأسلاف .
الآن ..
سأعلن عن طقوسي السرية ، فمنذ اندلاع الفكرة وأنا أرسم الطريق وأحاول اختراق المسافة بسرعة ضوء ، أتجه صوب التوحد بعيداً عن الواقع المادي ..
أُسقط الجدران ..
ألوّن الفراغ وأنفصل جذريا عن العالم لأشارك الأحياء دقيقة صمت لعل الصمت يحيي ابتسامة ماتت على شفتي مذ دَثّرتُ تلك النائمة بمخدع الحرمان وأنا أردد ترتيله الأخير.
تقودني الرغبة في البحث عن مفاتيح مجهولة ..
أعبر ليلا .. أملاً في العثور على أولئك الذين تواروا عن الأنظار .
ليل حالك .. كلمات تبرق في الظلام وهمس يصطخب متحديا سكون الليل
البرد يخترق العظام لكنني أتدثر بنصوصهما فهي دليلي إليهما في وقت هجعت فيه كل الكائنات بينما أنا أسير في الطرقات بحثا عن أبوابهم التي لاتشبه الأبواب.
تقودني الشوارع إلى أزقة وحواري تتشابه فيها أبواب العامة والخاصة ، أدرك تماماً أن أبواب المجانين لا يمكن أن تكون إلا مجنونة مثلهم
أحدث نفسي
" أستغفر الله العظيم والله راح اتخبل وين أروح بعد ، يعني راح أبقى أمشي طول الليل ، هاي مو بوبهم لأن ذوله ميشبهون باقي الأوادم ، هههه أوادم ،بابا هذوله مخابيل ، زين خلي أمشي والله كريم ".
على أطراف المدينة وبعد أن نال التعب مني دخلت زقاقاً ضيقاً مرصوفاً بالقرميد تفوح منه رائحة الجوري والخزامى والغاردينيا ورائحة الفتنة الآسرة ، يا الله إنها زهرة كريم المفضلة ، جن جنوني ، ربما أصبحت قاب قوسين منهما أو أدنى .. أحث الخطى .. أفتح عيني على اتساعهما لأجد باباً سريالياً ،تتشابك الأبعاد فيه لدرجة أنني لم أتمكن من تحديد الاتجاهات أو الأبعاد ..
لكن المكان يخلو من أي أنسي ..
المكان لايفضي إلا على مجهول..
أصرخ .. وجدتهما ورب الكعبة
" اي هذا الباب مال مجانين مثل متوقعت ، خلي أدك الباب ، أهووو ،شدا أسوي بنفسي بالله شجابني على زوج مخابيل هسه آني ناقصة ، مو اللي بيّ كافيني ، هههه مخبلة وتدخل على مخابيل ، كملت السبحة !
على الباب هناك لوحة مكتوب عليها "الداخل مفقود "
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، هاي من أولها بعد مخشينا ، خلي أشوف آخرتها وياهم عبالهم كل الناس تخاف ، والله لا ألعب بيهم طوبة ، بس خلي يفتحون ويشوفون شراح يصير بيهم ، ههه الداخل مفقود ، والله ماكو أحد غيركم مفقود"
أقرع الباب ، أسمع أصواتاً تأتي من الداخل ، لكن لا أحد يفتح .. أدفع الباب بطرف سبابتي ، لأجدهما ينظران إلي بدهشة ، وبصوت واحد ينطقان .. مَن سولاف ؟
أتجه صوبهما .. أمد يدي لمصافحة ابن مصلح وأنا أقول بثقة أهلاً أستاذ عمر ، لكنه يقاطعني قائلاً : عفواً .. أنا كريم
ألتفت إلى ابن سمعون ، أهلاً أستاذ كريم يقاطعني ، عفواً .. أنا عمر
أصاب بالدهشة .. أردد في سري " قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق " ما هذا بحقك يا الله مالذي يحدث هنا ، أنا أعرفهما من صورتيهما في النبع ، هل أنا مخطئة أم ماذا ،حسناً لا بأس فأنا متعبة وربما اختلطت علي الصور والأسماء .
أمد يدي مرة أخرى قائلة :
آسفة أستاذ كريم كنت أظن أنك الأستاذ عمر .. يقاطعني ، عفواً ..أنا عمر أستاذة سولاف
ألتفت إلى الآخر .. أمد يدي قائلة :
آسفة أستاذ عمر كنت أظن أنك الأستاذ كريم ، يقاطعني : عفوا أنا كريم أستاذة سولاف
وقبل أن أسقط مغشياً عليَّ أدرك تماماً أن الداخل إلى وكر المجانين .. حتما مفقود .
أفتح عيني ، يطالعني وجهه :
"اي إستاذة سولاف فيئي الله يرضى عليكِ عم نمزح معك "
ثم يلتفت للآخر قائلا :
أستاذ عمر من فضلك جيب كاس للأستاذة سولاف ... احم ،أقصد كاسة مي ...
الآخر كان يتأملني وابتسامة غريبة ترتسم على شفتيه :
" هاي شنو أستاذة سولاف شكد قلبج خفيف ، شنو متتحملين شقا "
أنهض سريعا وأنا أردد " اي أتحمل أستاذ ما أدري منو أتحمل، لالا ما أتحمل ما أتحمل ... "
أركض كالمجنونة أفتح الباب تلو الباب ..ألج غرفة معتمة ، أضيء المصباح .. تتدلى ساق امرأة فجأة من السقف وخيوط ضوء تشع من باطن قدمها .. أجفل ، ألتقط أنفاسي وأنا أردد بسم الله الرحمن الرحيم ، ، تنبري أمامي أنصاف لوحات ، تستوقفني إحداها ، أتأملها بذهول .. يدان مقيدتان يتوسطهما فراغ ولا أثر لجسد الرجل المقيد .. أنصاف لوحات أخرى تتكئ على جدران مائلة ، أحدث نفسي
" مالت عليكم إن شا الله ، حتى حيطانهم عوج "
أدخل غرفة نوم مجنونة كصاحبها ما هذا .. سرير نوم هذا أم مكتبة ؟ المجنون ينام على الكتب !
وما هذه الدنان الموضوعة قرب السرير ، هه السرير ، نعم هذا سرير العارفين ههههه ، رائحة الحبة السوداء والمستيكا تفوح من هذه الدنان ترى ما بداخلها ؟
صوت يصرخ في داخلي محذرا ما شأنك أنت ، هذه دنان ابن سمعون كثيرا ما تحدث عنها ، لا تقتربي منها ، ربما يربي أفاعي في هذه الدنان ما أدراكِ ! فهو مجنون ..مجنون ..م.. ج.. ن..و..ن .........
أهرول مسرعة ، وأنا أتمتم ، ابن سمعون؟ .. أفاعي ؟ من أخبرك أن هذا الغرفة هي غرفة ابن سمعون ..ها ؟!
أمرق من قربهما كومضة وأصوات ضحكاتهم الهستيرية تلاحقني كسهام تخترق جسدي وسمعي .
أدفع باباً آخر بباطن كفيّ ، أقف بضع لحظات أتأمل المكان ،ليس هنالك فرق بين هذه الغرفة وتلك سوى بعض الإختلافات التي تحير العقل .
أواني الورد فارغة هنا بينما تتمدد جذور الورود على أرضية الغرفة هناك .
وأنصاف اللوحات هنا تكمل الأنصاف الأخرى هناك ، لوحة القيد يظهر فيها الرجل لكنه بلا يدين يا إلهي ما هذا الجنون ؟
تشدني إليها .. يرتجف قلبي ، "هذه اللوحة أعرفها رأيتها في أحد أحلامي ، قصصت الحلم عليه ذات حديث ،ووصفت له اللوحة ، قال لي بدهشة ، هل تعلمين عمّ تتحدثين ، هذه لوحتي ، قلت له ماذا تقول ، هذه لوحة رأيتها في حلم ، قال بل هي إحدى لوحاتي ، ثم راح يصف ما عجزت عن وصفه .
إذاً هذه غرفة ابن مصلح وتلك الغرفة لابن سمعون ، لكن ما هذا التشابه العجيب ، الجدران مائلة أيضا ، زير النساء ، أقصد زير الماء نصفه هنا والنصف الآخر هناك .. الدلو هنا بلا ذراع ، الذراع معلق في الزير هناك ، وهذا المجنون أيضا يصنع سريره من الكتب الموغلة في القدم ، ماذا يعني كل هذا ؟ اللهم الطف بي.
أعود إليهما بعد أن أنفض غبار الخوف الذي عفر هيأتي منذ دخلت وكرهما .
س:جئت أستجدي المعرفة
ع: المعرفة عتمة
ك: العتمة ضوء
س: ماذا؟
ع: المعرفة وحي وإلهام وجفر
ك : وعدد وفَلَك
س: ( هاي شلون ورطة )
ع :إنه شعاع علوي ، يهبه البهي على بعض الهياكل
ك: ينير بعض الزوايا
س : والبعض الآخر؟.
ع : معتم .. معتم
س : والضوء؟.
ك : اسألي ابن عربي .. فالشجرة النعمانية وارفة
س : لكني قصدتكما .. أنتم الأثنين
ع : ومن قال لك بأننا اثنان؟.
ك : ( يضحك ) أثنان يا سولاف؟!.
س: أجل .. أنت واحد ، وهذا واحد
ع : هذا يعني نحن 1370
س: ماذا؟؟؟؟.
ك: الواحد مع الواحد لايكون مجموعهما اثنان .. بل كما قال نصفي
س: نصفك؟!!!.
ك : أجل نصفي
س: ما هذا .. أنصاف لوحات .. أنصاف نصوص .. أنصاف قطع للأثاث .. والآن تحدثني عن أنصافكم؟!!!. طيب ياسيد نصف
ك: (مقاطعا ) من فضلك حافظي على لياقة التخاطب .. فأنا كريم
( أستدير لأسأل عمر ) .. عفواً استاذ عمر .. هل
ع: (مقاطعا ) معذرة سيدتي .. فأنا نصف
س: يا ألطاف الله
ك : سأفهمك الأمر تأملي اسمي .. ستجدينه يحتوي على حرفي الميم والراء ، وتأملي اسم نصفي .. ستجدينه يحتوي على الحرفين ذاتها
س: ماهذا الهراء؟
ع : لو جمعتي أحرفنا لتيقنتي بأننا لسنا اثنين .. بل 1370
س: طيب يا سادة يا 1370 أين الضوء؟.
ك: ليس هنالك ثمة ضوء
ع: بل هو موجود لكنك لن تبلغيه إلا بعد أن تصلي مرتبة عليا
س: وكيف لي بلوغها؟.
ك :عندما تصبحين نصفاً
س: لكني كاملة الهيأة والعقل
( ينفجران بضحك هستيري .. ويحتسيان شيئاً أبيض ، لم أره من قبل )
( أشعر بالحَرَج .. فأهم بمغادرة المكان )
ع : أولستِ صاحبة جبل الدخان ؟.
س: بلى ياسيدي النصف
ع : أنا اسمي ابن مصلح
ك : رماديا كان ( سموك ) أليس كذلك؟
س: ومادخل سموك !
ع : سموك هذا لم يقلِّد أحداً .. لكن كثيراً من البشر يقلدونه
ك :أتذكرين أنيمار ، وزان زينار؟.
س: طبعاً ياسيدي النصف .. فأنا من ابتكرتهما
ك : لماذا لم تعترفي بأن سموك كان أشرفهم عقلاً؟.
س: لأنه حمار .. عفواً أنا .. أقصد ..
ع : (يقاطعني) فهمنا .. لاتكملي
س: ماذا فهمتم ياسادة؟.
ع : فهمنا بأن اللون الرمادي هو سيد الألوان
س: عفواً سيدي .. بل سيد الألوان هو الـ ..
ك : اسمعي وتعلَّمي
(أهمس مع ذاتي ) .. ( الله لايوفقكم ولكم حتى هاي تريدون تلوصوهه ) .. أهو هذا الجنون؟.
ك: بل هذي هي بعض المعرفة
ع:الجنون ياصغيرتي .. غاية لاتُدرَك
س:هه .. صغيرتك!
ك :والغاية بحد ذاتها أمر صعب إدراكه
س: لكن الشعر محسوس
ك: مشعور ياهذه
ع :والفن أيضاً
س: أنت ياصاحب الـ أيضاً .. هلا نورتني بمقصدك؟.
ك :سينير لك جزءاً فقط .. لأن الجانب الآخر معتم
( فجأة تعلو صرخة ترج المكان .. أرتعد )
ك :لاتفزعي سيدتي .. هذا جرس الباب
( ألملم خطواتي وأفر ) أتمترس بباب البيت وأُظهر نصف جسدي
واقول : سأزوركما بوقت آخر أيها الأخوة.. سأزوركما حتما.
رد: سأمشي في طريق الجنون .. على إثر عمرمصلح وابن سمعون
الراقية سولاف
سامحك الله
شو ورطك معهما
الكل يحب التقرب منهما لكن عن بعد
عل كل حال
نص باذخ وملحمة تكاد تعانق السماء
حوار مدهش وجميل وراق ومتألق
كأنك تسعين للنجومية أو الإبداع
فالفرق بينهما وبين الجنون شعرة
وأنت تعزفين هنا لحنا غارقا في الترف
اللغوي تجدين أن الكثيرين سينجرفون خلفك
وها هي سنا قد اقتربت من المركب أو كادت تغرق
في بحرهما المجنون المتلاطم الأمواج
لكن بصدق من يتقرب اليهما يغرق في محيط من الإبداع
وأنت كذلك سيدتي.
لك ولهما كل التحيايا
مودتي
التوقيع
الجنة تحت أقدام الأمهات
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 11-07-2012 في 02:24 PM.
رد: سأمشي في طريق الجنون .. على إثر عمرمصلح وابن سمعون
جميل جدا عزيزتي رغم استغرابي من اتقانك للهجة العراقية ؛ حتى أنني توهمت في النّص السّابق للأستاذ عمر مصلح حين ظننتُ أنّ كتب النّص بمفرده وذلك لدّقة المفردات التي تأتين بها وكأنك في قلب بغداد...
فشكرا لهذا النّص المجنون الذي أراحني من أسبوع مجهد جدا
ولك ألف باقة ورد
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟