اكتفينا بشمعة وضعت على الرف في الطابق الأعلى ، بعد أن أغلقنا مخارج البيت وأطفأنا الأنوار استلقيت على سرير خشبي ، مغطياً وجهي بقطعة من المخمل الأزرق حدثني صديقي بأنه سيسير بي حيث أريد ، بعد أن يحرر روح اليقظة من جسدي وان عليّ : عندمايضيق افق الرؤية ان اردد (اطلب حضور محضري) .
وضع أصبع سبابته بين ملتقي حاجبي ، هامساًبصوت خفيض يزداد مع ضغط إصبعه الذي تلاشى بين عيني وانا اسمع جملاً بين فواصل من صمت .. هذا الصمت الذي يمتد مخلفاً الوقت ، بطيئاً، كسولاً ، وكانه على وشك الغياب لكنه سرعان ما يسري مرة اخرى فأسمع (انزلوه على مهل ، استطلعوا المكان ) مر من الوقت مايكفي فاخذت اشعر بجسدي مهملا صغيراً وبعيداً عني ورؤيتي تتعكر ، ثم تتضح وما ان تلاشت تقريباً حتى انبثقت قوية وبأتساع وسط خلفية زرقاء ، استطعت بين تموجاتها أن أرى عينيها بعالمهما المتفجر بصور شتى ، فتوالدت قوافل من انفعالات كصدى اسمها حين يعود وحيداً من كل الاتجاهات وسحاب من ندى غطتهما ، فألتمع السواد حين غيبت نظرتها جانباً واسقطتني في واد سحيق ، بعد لحظة مباغته تقدمت ببطء نحوها بملامح ماض ممزوج بطيب عبيرها المسفوك على مساحات قلبي (امنحيني يدك) لمست اصابعها فتكونت امامي صور من اوراق ذاكرتي (الشمس حاضرة .. حاضرة دوما هي الشمس) سحبت اصابعها ، فعادت مسافة البعد الى ما كانت عليه .. فبحثت مع الألم في حقائب اليوم عن اجابة اقل قسوة لها ، وأكثر ايقافاً لبعدها .
شعرت بلا جدوى من طلب محضري .. تلاشى كل شيء فعدت ابصر زرقة المخمل.. ( لم ننجح ، فكل ما شاهدته كان أحداثاً سابقة ). اعتدلت بجلستي وعينا صديقي تتساءلان ( لابأس المهم انك رايتها .. المؤكد ان السبب هو خسوف القمر ، اذ سيحدث بعد ساعة على الاكثر) . ثم غادر المنزل .
فتحت ستائر شباك غرفتي .. ثم استلقيت انظر الى القمر، الذي ذكرني دوماً بصيف فائت، لم أدرك ربما مر الوقت طويلاً اذ تنبهت الى ان القمر بدأ يتلاشى من جانبه الغربي .. اهتزت دواخلي .. اذ ان من المؤكد ، بل اليقين انهاتنظر اليه الان ، سحرتني هذه الفكرة فوجدت نظرتي تتيه على تضاريس سطحه الرمادي .
شعرت بجسدي مهملاً مرة أخرى ، لحظات وتلاشى المكان من حولي ، الا من حزمة تتسع بلون بهيج ، أنطلقت بي نحو جدار القمر ، الذي عكسه نحو حديقة مسائية ، تجلس فيها مخيماً عليها الصمت .. أحسست بأننا نقترب ، وان الشوارع تغادر كأفاع داهمها الجليد ، وان المدن والأرياف تسافر إلى عالم آخر.
لون عينيها ينبض بالبريق ، كلون شعرها الاسود المتلأليء .. حامت حولها الروح لكنها لم تجد مكاناً تحط فيه ومع نفاذ الصبر .. اخذت تتارجح مسافة البعد وكأن قوة الجذب تحولت الى اعلى ،فسقطت كلماتي من هناك ..
(لااريد منك سوى ان تعلمي ، ان عالمي بدونك شريد ، غاف على كم هائل من البور والعبث ،لا يستوقف اللحظات وهي تمضي دون اثر .. لاتترك للاشياء والاوقات مكان ،على عتباته تستكين اغبرة الرحيل والدوران .. استحلفك بكل الدنيا .. بكل عينيك .. بالنور والصمت .. بهمسك حين تصدح الدنيا به .. استحلفك بالخطوط وهي ترسم وعداً من جنان حول شفتيك ، حين تلتمع عيناك في سكون: أن تمنحي نور عالمي ضياء ، واسواره ابواباً مشرعة .. حتى اسمع صوتك يغمرني من جديد ) .
حاولت ان اغامر أذ اعلم ان الوقت محدود وانه دوماً غير كاف لفعل ما . ولما اخذت
أتهاوى قريباً منها اشارت لي ان اتوقف .. رفعت راسها نحوي ، فأهتز المكان، تحدثت فتهاوى كل شيء .. الا صوتها : (في ربيع مضى لم تورق أشجارنا .. فهل ستزهر في خريف قادم ؟ ) .
تلاشى صوتها فتوقف كل شيء .
ابصرت القمر في اخر لحظات خسوفه ، بعينيٍِِِِّ وقلبي المرتجف ، فراح الالم يبني قصوراً .. ويشيد مدناً اخرى
بدأت القراءة و لم أتوقف لكنني وجدتني في مرحلة ما أنتقل إلى داخل النص
بمعنى أعيش الحالة ..لم تكن لدي رغبة في عيشها لكني وجدتني بداخلها
خرجت و بدأت مرة أخرى لأجدني بعد منتصف النص بقليل أخترق حدود الحرف و أسكنها..
الأستاذ صباح نيسان بارع انتَ ,
نحية ملء القلب
التوقيع
لايكفي أن تطرق باب الإنسانية لتحس بمجيئها نحوك , عليك أن تخطو تجاهها و التوقف عن الاختباء خلف الزمن,