غيده بنت العشيره يتسابق شباب العشيره لكسب ودها ...ليس لجمالها الفائق فشعرها ينسدل على كتفها كشلال ضوء أسود وكأن نزار قباني كان يعنيها بقوله (شعرها على يدي شلال ضوء أسود) بل ينسدل على نهدين كقطاتين يغطيهما وكأن مظفر النواب كان يعنيها يقوله (حدر السنابل قطا) فشعرها السنابل ونهديها قطاتين...أقول ليس لهذا الجمال وأنما لأنها أصيله يضرب أصلها عميقا بالتاريخ ليتجاوز بني طي...ومن كل شباب القريه فغيده عشقت حمد ابن شيخ العشيره ...عشقته بالسر تأمل أن يأتي يوما لخطبتها فتقاليد العشيره لاتسمح بأعلان العشق...عشقته ليس لأنه ابن شيخ العشيره وليس لأن بيته مسوبع و (على الدربين منزال) ليأتيه الضيوف أينما مروا...وليس لأنه أكثر شبان العشيرة وسامة ...لكن لأنه شهم وفارس و (جاراته خواته) ومتى ماامتطى فرسه الصقلاويه وتمنطق بحزام (الفشك) وعلى كتفه البرنو التي ورثها من جده وتشهد لها العربان بالميادين اسم بندقيته الدماغيه قيل فيها (تضرب زوج الدماغيه)...وديوانه مفتوح بالليل والنهار والنجر يضرب يسمع صوته المسافرون بالقطار ويشمون عطر قهوته مع الهيل...حتى صار معروفا يتغنون به (مرينا بيكم حمد واحنا بقطار الليل واسمعنا دك كهوه وشمينا ريحة هيل)..غيده عشقته لأنها عشقته...وهو أيضا عشقها بمرسال القلوب فقط...فالفرس الأصيله للفارس الأصيل عار على الدنيا أن يمتطيها غيره...
يوما غزا الجراد الأصفر ديرة حمد...اجتمع رجال القرية مع حمد وركبوا الخيل وحملوا البنادق..وخرجت نساء القريه يودعن الرجال ..ترددت أولا زغرودة من أمه تبعتها زغاريد النساء تتردد في الآفاق...تمنت غيده أن تزغرد لحمد لكنها كبتت زغرودتها خجلا واكتفت بدموع أخفتها عن من حولها...
وبعد ايام جئ بحمد محمولا على فرسه مضرجا بأطهر دم...قال رفاقه أنه قاتل راجلا وفارسا ونال من العدو وأدرك ثأره مروبع قبل أن يستشهد...زغردت أمه زغرودة اهتزت لها التلال...وهنا زغرت غيده ...وفتحت أمه ديوان حمد وبقي المسافرون يتغنون بقهوة حمد...مرينا بيكم حمد واحنا بقطار الليل وسمعنا دك كهوه وشمينا ريحة هيل...ويبقى ديوان حمد مفتوحا فمثل حمد لايموت....