ذكريات-القسم العاشر ( وداعا يا مدينة المحبة والسلام ، وداعا يا موصل )
ذكريات
القسم العاشر
وداعا يا مدينة المحبة والسلام
وداعا يا موصل
اشتد الضغط على الوالدة من اقربائي في بغداد ، بعد ان انتشر الخبر بينهم ، وكان وقعه كصاعقة عليهم. رفضنا أي مساعدة منهم حسب وصية ابي رحمة الله عليه. كان بامكاننا أن نبيع جزء من بساتيننا ، وأراضينا ، والتي تتحلى بذكريات الوالد ، ولكن صعب الامر علينا اولا ، ومن ناحية اخرى كانت تمدنا بما نحتاجه من طعام ، وفي اوج فقرنا كنا غير محرومين من أحسن انواع الفواكه جودة. الوالدة رحمة الله عليها ارادت ان تخفف من حدة الصراع بينها وأقرباء والدي ، وبدون رغبتها باعت جزء بسيطا من الملك بحوالي 200 دينار. وقالت لي ابني اذهب الى خياط جيد ومعروف ، واختار القماش الذي ترغبه ، ليخيط لك سترة وبنطلون ، وفصل لك بنطلون بالقماش الذي يلائم ذوقك مع قميص تلبسه في القطار. عملت بكلام الوالدة ، وكنت ادعو من ربي أن لا يراني احدا من اصدقائي ومعارفي ، وينكشف لهم امري ، أي كأني قد سرقت النقود من جهة ما ، والله شر البلية ما يضحك هههههههههه. ذهبت الى خياط معروف ، ولما ازل اتذكر اسمه عبدالستار الحبار ، واخترت القماش بما يلائم ذوقي ، وبعد اسبوعين استلمت السترة والبنطلون ، ولبستهما فوجدتهما على ما يرام وكذلك البنطلون الاحتياطي على ما يرام ، وضعتهم في حقيبتي لكي لا يراها احد من معارفي. وعملي هذا جلب استغراب الخياط !!!! ودعت الخياط شاكرا ورجعت للبيت. وقررت السفر الى بغدادي الحبيبة ، بعد غياب طويل ، كما عينت يوم السفر. اخبرت بعض الاصدقاء بيوم سفري ، والذي سيكون بعد اسبوعين. انتشر الخبر بين المعارف والأصدقاء ، كالنار في الهشيم ، اينما اذهب ألاقي عتابا من اصدقائي ، ومعارفي ، وبعض اساتذتي. في يوم السفر ، الجو كان يلتهب حرا. ارتديت بنطلونا وقميصا ومعي كوشر كبير ( وينك ابو صالح انت الذي ذكرتني بالكوشر ، والا جنت ناسي ههههههههههه )، مملوء بالهدايا ، علاوة على ذلك ، حملتني الوالدة بخبز اعروق ، وكمية كبيرة من الكليجة ( كعك العيد ) وحلويات موصلية ، كأني ذاهب الى جبال هملايا ههههههههههههههه. احد ابناء محلتي يملك عربانه يجرها حصانان ، قسم أن يوصلني للمحطة ، تقديرا واحتراما ، وهذا ما حدث. صلاح المفلس ، صلاح الفقير ، لأول مرة يلبس بنطلونا جديدا في الموصل ، ويلعن اللنكات وابو اللنكات هههههه ( اللنكات تعني الالبسة القديمة التي تباع في السوق بثمن رخيص ، وتتهافت عليها الفقراء لرخص ثمنها ) ودعت امي الحنونة ، ودعت ابناء محلتي ، وركبت العربة الى محطة القطار. في طريقي الى المحطة كنت صريع حب خفي لا يعلم به الا انا. كانت تصارعني قوتان : قوة الحب ، وقوة الحزن ، ونظمت قصيدة بعنوان ((دمعة الوداع)) وصلت المحطة وكانت غاصة بعدد كبير لم اكن اتوقعه ، نعم والله بعدد كبير جدا من المعارف والأصدقاء ، اشبه بمظاهرة. الكل كان يعتقد ليس لي معارف في بغداد ، وأعطوني رسائل الى اقربائهم ، لأكون ضيفا عندهم ، واستلمت عروضا كثيرة ، ورفضتها قائلا سأذهب وأتوكل على الله ، ولا يعرفوا أن هذا الطالب الفقير معظم اقربائه في بغداد المحبة !!!!!!! من نافذة القطار القيت القصيدة دمعة الوداع ، وكنت صريع هموم وأرزاء. ثم ارتجلت كلمة ، امتزجت كلماتها بدموعي الساخنة ، ودعت فيها اصدقائي ، ومعارفي وبعض اساتذتي. اخيرا ودعت الحضور بدموعي ، بعد أن تعطلت عندي لغة الكلام !!!!!! ودعت الموصل وأهلها الاخيار ، ودعت امرأة ، حرقت سعادتها لتضيء لي الطريق. ودعت الوالدة بدموع ساخنة ، وأحاسيس مؤلمة ، ودعتهم بعد أن اصبحت على بساط الذكريات ، ودعت الموصل التي عشت فيها فقيرا وسعيدا ، ودعت موطن ذكرياتي ، ودعت الفقر !!!!!!!!!!!! اخوكم ابن العراق الجريح : صلاح الدين سلطان
يتبع
آخر تعديل صلاح الدين سلطان يوم 09-04-2015 في 01:19 PM.
رد: ذكريات-القسم العاشر ( وداعا يا مدينة المحبة والسلام ، وداعا يا موصل )
في لحظات السفر تجيش العواطف كموج بحر يلطم الصخور ..أو كعاصفة حزن تجتاح الصدور...وكاني بغشاوة من دمع غشت عينيك جعلتك وكأنك تنظر لرفاقك من خلال الضباب...
رد: ذكريات-القسم العاشر ( وداعا يا مدينة المحبة والسلام ، وداعا يا موصل )
يبدو إن ذاكرتك لم يصبها العطب (بلية حسد)أخي صلاح
الجميل في ذكرياتك هذه تلك التفاصيل الدقيقة والتي قد
يعتبرها البعض لا تستوجب المرور عليها ،ولكنك بفطنة الكاتب
المحترف والأديب المقتدر أعطيتها المكانة اللائقة ،فالتفاصيل
الصغيرة مفتاحا لفهم الحالة وأنفعال اللحظة وتركيبة الحدث
الأكبر...وبنفس الوقت تعطي الصورة المجتمعية أنذاك وهي
بالتالي تؤرخ مرحلة مجتمعية بدقة وبأدق تفاصيلها لتكون للقاريء
والمؤرخ خارطة توضح له مسالك الحياة الإجتماعية في تلك الفترة
من هذا المنظار التأريخي والوثائقي أنظر لذكرياتك أخي صلاح..
ويا ريت...تجمعها في كتاب ..فهي وثيقة مجتمعية للمجتمع الموصلي
والبغدادي وللعراق..
تحياتي أخي العزيز..ودمت بالف خير
رد: ذكريات-القسم العاشر ( وداعا يا مدينة المحبة والسلام ، وداعا يا موصل )
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قصي المحمود
يبدو إن ذاكرتك لم يصبها العطب (بلية حسد)أخي صلاح
الجميل في ذكرياتك هذه تلك التفاصيل الدقيقة والتي قد
يعتبرها البعض لا تستوجب المرور عليها ،ولكنك بفطنة الكاتب
المحترف والأديب المقتدر أعطيتها المكانة اللائقة ،فالتفاصيل
الصغيرة مفتاحا لفهم الحالة وأنفعال اللحظة وتركيبة الحدث
الأكبر...وبنفس الوقت تعطي الصورة المجتمعية أنذاك وهي
بالتالي تؤرخ مرحلة مجتمعية بدقة وبأدق تفاصيلها لتكون للقاريء
والمؤرخ خارطة توضح له مسالك الحياة الإجتماعية في تلك الفترة
من هذا المنظار التأريخي والوثائقي أنظر لذكرياتك أخي صلاح..
ويا ريت...تجمعها في كتاب ..فهي وثيقة مجتمعية للمجتمع الموصلي
والبغدادي وللعراق..
تحياتي أخي العزيز..ودمت بالف خير
مستعد لجعلها في كتاب تحت عنوان (ذكريات في أدب الرحلات) أو أي عنوان آخر يرتأيه الأستاذ صلاح
وعلينا موافقة الثقافة العراقية وطبع الكتاب
رد: ذكريات-القسم العاشر ( وداعا يا مدينة المحبة والسلام ، وداعا يا موصل )
قيس المعزة في لحظات السفر تجيش العواطف كموج بحر يلطم الصخور ..أو كعاصفة حزن تجتاح الصدور...وكاني بغشاوة من دمع غشت عينيك جعلتك وكأنك تنظر لرفاقك من خلال الضباب...
اخي وصديقي قيس المعزة.
انك شعور مجسم من العواطف النقية ، بل انك نفس قد صهرها الزمن حبا واباء.
نعم يا اخي الكريم ، لقد عبرت تعبيرا رائعا عن لحظات السفر ، بحيث عجز قلمي أن يعبر بأحسن منها ( في لحظات السفر تجيش العواطف كموج بحر يلطم الصخور ..أو كعاصفة حزن تجتاح الصدور )
دمت اخا وصديقا يا ابن الصحراء النقي ، يا قيسنا العزيز ، مع تحيات الاخوة.
اخوك ابن العراق الجريح : صلاح الدين سلطان
رد: ذكريات-القسم العاشر ( وداعا يا مدينة المحبة والسلام ، وداعا يا موصل )
شاكر السلمان يبدو أني سأهرب من ذكرياتك يا صلاح ماعندي قلب يتحمل .. فاهمني؟
نص كوشر سلام هالمرة
......................................
ابو صالح العزيز ، والعزيز هو ابو صالح.
لقد كشفت عن صدر (( يضيق بقلبه بين الصدور.
عريان الا من صميم - الحب والالم الغزير ))
انا متاسف جدا ، اني لم اراعي عمق مشاعركم النبيلة بدافع انانية مجبولة بحب الذات تسيطر علي وتبعد تفكيري عن اصحاب المشاعر الطيبة والقلوب الرقيقة من امثالكم. نعم بدافع انانيتي اروي الحدث وانسى تأثيره على القاريء!!!
سررت بردك المشبع بسمو انسان.
اشو كوشر السلامات صار نص كوشر ههههههههههههههههههههههه
تقبل مني سلاما اخويا يقيكم حر الصيف وبرد الشتاء مع خالص تقديري واحترامي.
اخوكم وتلميذكم ابن العراق الجريح : صلاح الدين سلطان