لقاء مع العروض
رن هاتفي المتحرك قرب رأسي في غرفة النوم مبكرا في يوم عطلتي الأسبوعية ، حاولت تجاهله ولكن الطرف الآخرأصرّ على الرنين ، أخذته وكعادتي أبدأ بــ: مرحبا
جاءني الصوت الذي عرفته منذ فترة رقيقا ناعما كهسيس وريقات النرجس عندما يحركها النسيم
ــ همست بحنانها المعهود: صباح الخير حبيبي
ـــ رانية ؟ صباح النور والورد
تغيرت نبرة صوتي وعلاها تناقض الفرح والخوف من خبر ما قد يكون على غير ما يرام
ـــ قالت : أنا قادمة اليوم لزيارة أختي التي تقطن في مدينتكم
جلست على طرف السرير أحاول ألا أظهر ارتباكي ولهفتي فقلت بهدوء :
ـــ متى ؟ وأين ؟
قالت : متى ؟ فهمناها (و مع ضحكتها المعهودة ) ، الساعة العاشرة أكون عندها فالطريق يحتاج ساعات ثلاث
أما أين ؟ لم أفهم ماذا تقصد ؟
ضحكت وقلت : أين نلتقي ؟
قالت :لا أدري ربما أتصل معك من بيتها
قلت : ربما ؟
قالت : ويلي منكم أيها الشعراء تدققون علينا كل حرف وكل كلمة
ـــ وماذا أقول في الأديبات ؟
ـــ قل ما تشاء يا وسام فلك الحق ، وأردفت كلامها بضحكة رقيقة
التقينا في المكان المحدد ونحن نشرب القهوة وهو الشراب المفضل لي ولها تحدثنا في الشعر والأدب وركزت في حوارها على الرواية التي كتبتها مؤخرا ، وعن متاعب النشر والتكلفة الغالية ، وأسهبت في شرح تذوقها للشعر .
كانت ترتدي قميصا يميل إلى اللون الوردي الذي أحبه ، ولونت شفتاها بلون الحمرة المناسبة ، أعطاها اللون الوردي جمالا أخاذا ، ومع كل حوار كانت تمسح شعرها المنساب حتى كتفيها رافعة يدها فينكشف بعضا من لون بشرتها من خلال كُم القميص القصير الواسع , بشرتها التي تميل إلى السمرة ،وتسرقني نظراتي إلى جميع الألوان الوردية التي تضفي عليها جمال الورود ، وأنا أحاول أن اتمالك نفسي من أن أتلعثم في الكلام وهي التي عرفتني شاعرا متميزا
وتمتمت في سري : ما لعينيك اليوم تشعان بألق غير عادي ؟
لمست يدها وقلت : لماذا لا تكتبين الشعر ؟
قالت : لا اعرف بحور الخليل
ــ انا هنا وتبقين لا تعرفين ؟ هل نذهب إلى مكتبتي ففيها مراجع متنوعة ؟
ترددت قليلا ، وعلت خدها نضرة احمرار الحياء ،
ـــ سأخبر أختي أنني سوف أتأخر
جلسنا في مكتبتي ، اقتربت مني وأنا اشرح لها بعض البحور ، شعرت بدفء جسدها ينساب نحوي يهامسني ، سرحت قليلا في متاهات فوضوية ، بدت لي من فتحة القميص بعض تضاريس اللوح المرمري عندما تنحني على الورقة كأنها تعاتبني من تأخري عن مناغاتها ، وشفتها السفلى تثير مشاعري وهي تعض عليها بين الفينة والأخرى فيرتد النور المترامي عليها ، لمست شعرها فأغلقت الكتاب ، وابتسمت قائلة :
ـــ أنا لا أجيد الغوص في بحورك .
احتضنتها بشدة ، شعرت بحنان البراعم في ربيع الحياة وكانت قطرات الندى على وريقات شقائق النعمان ، أغمضت عينيها وأنا أرتشف الرحيق من رضاب براعم لم تتفتح بعد ،
وتهنا في في ظلال أشجار غابات ، وأوراد الحقول تتناغم من زقزقات طيور بألوانها الزاهية ، ونغماتها المتنوعة والشمس تتراقص فوقنا متسللة من بين الوريقات التي يهامسها النسيم ، ونحن نتكئ على جذع شجرة الصفصاف الحانية
عدنا إلى الصالة نرتشف القهوة ، قالت وهي تقهقه بصوت خافت واضعة كفها على فمها :
ـــ لم أفهم شيئا من العروض .
رمزت عليا