عن ابن كثير: وقد كانت حمير وهم سبأ كلما ملك فيهم رجل سموه تبعا، كما يقال كسرى لمن ملك الفرس، وقيصر لمن ملك الروم، وفرعون لمن ملك مصر والنجاشي لمن ملك الحبشة، وغير ذلك من أعلام الأجناس. أما سبب التسمية قال في التحرير والتنوير: قيل سموه تبعا باسم الظل لأنه يتبع الشمس كما يتبع الظل الشمس، ومعنى ذلك: أنه يسير بغزواته إلى كل مكان تطلع عليه الشمس، كما قال تعالى في ذي القرنين: فأتبع سببا * حتى إذا بلغ مغرب الشمس.. إلى قوله: لم نجعل لهم من دونها سترا، وقيل لأنه تتبعه ملوك مخاليف اليمن، وتخضع له جميع الأقيال والأذواء من ملوك مخاليف اليمن وأذوائه، فلذلك لقب تبعا لأنه تتبعه الملوك. وتبع المذكور في القرآن ، والمكنى أبا كرب، كان قد عظم سلطانه وغزا بلاد العرب ودخل مكة ويثرب وبلغ العراق، ويقال: إنه الذي بنى مدينة الحيرة في العراق، وكانت دولة تبع في سنة ألف قبل البعثة المحمدية، وقيل كان في حدود السبعمائة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
أما هل كان تبع نبيا أم ملكا؟ قال الإمام القرطبي: واختلف هل كان نبيا أو ملكا؟ فقال ابن عباس: كان تبع نبيا، وقال كعب: كان تبع ملكا من الملوك، وكان قومه كهانا، وكان معهم قوم من أهل الكتاب، فأمر الفريقين أن يقرب كل فريق منهم قربانا ففعلوا، فتقبل قربان أهل الكتاب فأسلم،
عن عائشة رضي الله عنها: لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا. وحكى قتادة أن تبعا كان رجلا من حمير، سار بالجنود حتى عبر الحيرة وأتى سمرقند فهدمها، حكاه الماوردي. وحكى الثعلبي عن قتادة أنه تبع الحميري، وكان سار بالجنود حتى عبر الحيرة، وبنى سمرقند وقتل وهدم البلاد. وقال الكلبي: تبع هو أبو كرب أسعد بن ملك يكرب، وإنما سمي تبعا لأنه تبع من قبله، وقال سعيد بن جبير: هو الذي كسا البيت الحبرات، وقال كعب: ذم الله قومه ولم يذمه.اهـ.
أما كيف تم هلاك قومه؟ فقد ذكر القرآن أن الله أهلكهم ولم يذكر كيفية إهلاكهم، وقد ذكر بعض المفسرين أن إهلاكهم كان بسيل العرم المذكور في سورة سبأ، قال ابن كثير: قوم تبع، وهم سبأ، حيث أهلكهم الله عز وجل وخرب بلادهم وشردهم في البلاد وفرقهم شذر مذر، كما تقدم ذلك في سورة سبأ. وقال في التحرير والتنوير: فبعد أن ضرب لهم المثل بمهلك قوم فرعون زادهم مثلا آخر هو أقرب إلى اعتبارهم به وهو مهلك قوم أقرب إلى بلادهم من قوم فرعون وأولئك قوم تبع، فإن العرب يتسامعون بعظمة ملك تبع وقومه أهل اليمن، وكثير من العرب شاهدوا آثار قوتهم وعظمتهم في مراحل أسفارهم وتحادثوا بما أصابهم من الهلاك بسيل العرم. فتبين مما تقدم أن تبع المذكور في القرآن مسلم صالح إن لم يكن نبياً، وأنه نجا من العذاب الذي أصاب قومه.
عن ابن عاشور في التحرير والتنوير:تعليق الإهلاك بقوم تبع دونه يقتضي أن تبعاً نجا من هذا الإهلاك، وأن الإهلاك سلط على قومه، قالت عائشة: ألا ترى أن الله ذم قومه ولم يذمه. والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد وغيره أنه قال: لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم، وفي رواية كان مؤمنا، وفسره بعض العلماء بأنه كان على دين إبراهيم عليه السلام، وأنه اهتدى إلى ذلك بصحبة حبرين من أحبار اليهود لقيهما بيثرب حين غزاها وذلك يقتضي نجاته من الإهلاك. ولعل الله أهلك قومه بعد موته أو في مغيبه.
آخر تعديل عبدالله علي باسودان يوم 03-25-2017 في 06:21 PM.