قراءة في قصيدة ( عطسة القمر) للشاعر مصطفى السنجاري بقلم : أم محمد شوقي
قراءة في قصيدة ( عطسة القمر) للشاعر مصطفى السنجاري بقلم : أم محمد شوقي
تاريخ النشر : 2009-11-28
قراءة في قصيدة ( عطسة القمر) للشاعر مصطفى السنجاري
بقلم : أم محمد شوقي
لم تكن مطالعتي لقصيدة عطسة القمر إلا انبهارا صرفا بقوة حبكها وذوبانا لذيذا في حلو نسجها
وسباحة حائرة في فلسفتها العميقة.. فما وجدت فيها إلا تميزا وبراعة في التصوير ودقة في تخير
الألفاظ فكانت بيادقا سلسة في رقعة الشاعر يوظفها كيف يشاء ..فانتصر على قارئه
وأرداه صريع حسنها بعد أن كان هو صريعا في رقعة حسن أولى.
وقلت في قصيدته :
حسناء قد ثبتها في خافقي.........إن شعر غيرك في الرفوف يخلد
تابعتها شغفا ألاحق حسنها........ شغلت عيوني إذ أنارالمشـــــــهد
يانجل دجلة في الحروف تمكن .........ولدى الصياغة حنكة وتوقد
مابال نظمك بث في أرواحنا........... عطر الكلام وفيه جل المقصد
إن كان ذا عطر الفرات منضدا..........فعلى الفرات توسدي والمرقد
ومن أكثر ما شدني فيها طواعية الاسترسال مع قوة التلاحق في المشاهد إضافة إلى النبض الفكري المتوقد والموسيقى الداخلية المدهشة.
إن في القصيدة انسيابا لفظيا وانتقالا في أروقة المشاعر بما يناسب الموقف كما أن بها تشابها في المفردات يبعدعن السجع المفكك الممجوج
وأنا هنا أستسمح صاحبها أن يفسح لي بعضا من سعة صدره لأنقل قراءتي الخاصة لهذه الفريدة.
لقد كان المدخل توطئة طيبة جمعت ما سيدور حوله النص في بيت واحد يختصر الحياة كلها في شخص واحد نستمد منه روح الحياة.
الحبّ أنتِ العُمـرُ أنـتِ المَولِـدُ
أنتِ المَسَـرَّةُ والمُنـى والسُّـؤْدُدُ
لينطلق بنا في سرد صفات المحبوبة في الأبيات الثلاثة التي تلي وفيها
قافلة من المحاسن التي قد خلتها سلم عطاء يسمو بالمحب إن بدت المحبوبة وإن هي غابت غدا حبالا تلف عنقه وتخنقه شوقا ولوعة
والرَّوْضُ أنتِ الوَرْدُ أنـتِ ربيعُـهُ
والوَرْدُ في كَنَـفِ الرَّبيـعِ تَـوَرُّدُ
أنتِ آبتِسامُ الفَجْرِ في وَجْهِ النَّـدى
يا نَفْحَـةَ الهَيْـلِ التـي لا تَنْفَـدُ
أنتِ آبتِسامُ العُمْرِ في شَرْخِ الشَّبابِ
وكَـوْكَـبٌ بِفَضـائِـهِ يَتَـفَـرَّدُ
وهنا يسطو حرف الجيم بجرسه القوي فيجعل الأذن تتحسس يقينا الجفو وعبثه بالفؤاد الخائر.
ما جَفَّ لَحْظي بَعْدَ جَفْـوِكِ لَحْظَـةً
والجَمْرُ في جَوْفي بِجَفْـوِكِ يُوْقَـ
دُومن عجائب العشق أن غدا الماء يوقد نارا: فابتلال اللحظ أوقد خامد الجمر ومتراكمه
ويعود شاعرنالتكرار حرف على مدار البيت كالعين في هذا البيت
عامانِ عاما بالعيونِ كمـا العمـى
في الظِّلِّ ..لا طَيفٌ لَطيْـفٌ يُسْعِـد
ُولبث شاعرنا في الظل عامين فرأيناه متراميا في لجج مظلمة يتحسس طيفا فلا يجد طيفه
وهو يفدي بالعمر سويعة من اللقاء
وهذان بيتان لاذعان رأيت الشاعرحثيث الخطا كلو أنه يود يود أن يفرغ من نظمهما بسرعة ليخلوإلى استرجاع الأيام الخوالي
وتجدد نبضها
فيقول
ويَمُرُّ مَرَّ المَوْتِ بي مُـرُّ النّـوى
أَنّـى يَمَمْـتُ الوَجْـهَ يَـمٌّ يَرْفُـدُ
وَفِدى سُوَيْعاتٍ بِقُرْبِـكِ خُضْتُهـا
عمرٌ مَضى خَبَباً ..وآخَـرَ يَرْكُـدُ
ويود لو يمكث في هذا البيت عمرا
يـا يَـوْمَ لُقْيـانـا لأَوَّلِ مَــرَّةٍ
لَكَأَنَّ يَوْمِـيَ ذاكَ لَيْـسَ لَـهُ غَـدُ
هنا إشارة إلى الأبدية والإخلاص وجملة من القيم الإنسانية التي ما عاد لها موقع على خارطة مشاعرنا
فكل ما عليهااليوم قابل للرمي أوللاستبدال ...
هنا رغبة متجلية في ملاصقة المحبوب وايقاف مسيرة الزمن عند هذه المحطة
ما صافَحَتْ -إلاّ يَداكِ- يَـدي يَـدُ
ما صافحت روحي كأجمل من هذا البيت في التمكن من ناصية الكلم وروعة التقديم والتأخير بما يفي الوزن أضعاف حقه :
.
وَرَشَشْتِني بِعَبيرِ قَوْلِـكِ : مَرْحَبـا
انتقال بديع سلس من قوة الجفو وتدميره إلى لطف اللقاء وانسيابه
فها أنا ذي أتحسس رذاذا رقيقا من عطر هذه الحسناء وهي ترحب بهذا المسكين كما أرى الشاعر وقد خانه بعض جسده تاركا كيانا مضعضعا بين نوائب البين وحر اللقاء فيصيح مستنجدا :
فَتَعَثَّـرَتْ شَفَتـيْ بِـأَحْـرُفِ رَدِّه
وَرَأَيْـتِ ثَغْـراً حَرْفُـهُ يَتَـمَـرَّد
وفي قوله وأنا انبهار....تمازج بين الشاعر والمشاعر حتى انصهر مستسلما لها
تتقاذفه حيث تشاء وبهذا البيت إيحاءعميق بالصدق يجعلنا نراه مشلولا لدى عظمة هذا الحسن :
.
فالوَجْهُ دُنْيا مِـنْ مَفاتِـنَ بَهْجَـةٍ
أقرِأ في هذا البيت معطيات دنوية متفرقة تترواوح بين الفناء والفتنة والحسن الملهي عن غيره
الصارف عن ما ينافسه والزينة وما فيها من أسرار الانجذاب:
.....
عَيْناكِ أَحْلى مِنْ عُيُوْنِ قَصائِـدي
تجسيد للمعنوي بصورة محسوسة فريأنا قصائدك هنا سيدي تترجل . بل هي مصابيح
ترى الواقع فتصادق عليه أو تلفظه إن وجدت فيه ما يعيب :.
أَلْوانُـكِ الفَيْحـاءُ سِحْـرٌ كُلُّـهـا
ما شُمْتُ إلاّ فيكِ يَزْهـو الأسْـوَدُ
قدرة المحبوب على تغيير القناعات الأولية وتعديل المسلمات في
عين العاشق أو تغيير رونق الحياة إلى لون ما عرفه قبله :
.
يا عَطسةَ القَمَـرِ المُنيْـرِ بِحَفْلـةٍ
وَقُلُـوْبُ كُـلِّ حُضُوْرِهـا تَتَنَهَّـدُ
حَسَـدَتْ كَواكِبُـهُ تَوَهُّـجَ حُسنِـهِ
إنَّ الجَميْلَ على المَحاسِنِ يُحْسَـدُ
كل ذي نعمة محسود فما بالك بذي الأنعم.... دراسة نفسية للنفس البشرية وضعفها
أما عبارة عطسة فعبارة رقيقة توحي بسلاسة الانفصال إشارة إلى الولادة اليسيرة وشدة التلاصق القبلي :
وتَشَرَّدوا.. كالريحِ عـاثَ بِبَيْـدّرٍ
لكِنهـم فـي مُقْلَتَيْـكِ تَـوَحَّـدوا
هنا رأيت الأم والوطن يجمعان شتات الأبناء ....كما تجمع المحبوبة شتات العاشق.
وفي كلمة المحراب شيء من
تجذر الهوية الدينية في يقين الشاعروارتباطها بالأم والوطن :
هنا وإلى غاية نهاية القصيدة تتجلى أصالة الشاعر وتعلقه بالأصل وتوقه للمعالي
وإنما تقع الطيور على أشكالها وتتعلق القلوب بأشباهها.
فليسمح لي أستاذي الشاعر بتقسيم خريدته إلى نقاط محورية
1) سرد صفات المحبوب وتمكنها من قلب الشاعر.
2) شـــــــــــوق للمحبوب وحرقة في انتظر لقائه.
3) استذكار لأيام الوصال
4) حـــــــــــــــــرارة اللقاء
5) تمسك الشاعر بمشــــــــــاعره وبقاؤه على العهد