{ما يشبه البيان أو شيء من هذا القبيل....}
" ودوماً الى ليلكة الروح.... ميرنا ....
ابراهيم بركات
barakat9@msn.com
حين يغدو حلمي وليمة على مائدة الطغاة ،
وتأخذني الريح إلى جهة أناي التائهة ....
وأكون منهمكاًَ بنزوح الروح , نحو الشفير....!!
حين تغدو الحكاية لغزاً في أساطير العبث
لا يتقن تفاصيلها إلا من ذاب عشقاً ونهماً ,
هندسيتها تروي ذواتنا المتشظية
على عتبات تاريخاً لا يفقأ سوى أبجدية الخراب ,
حين أهرب من ظلي , وتبقى ماهيتي تستدرج
روحي إلى نهاياتها المحتمة .....
لأبدو ميتاً إلا قليل .
وقتذاك , فقط
نحلق معاً خارج الزمن وفي اللامكان
لتبقى القصيدة ..... الملاذ ...!!
وتصبحين أنت التعويذة والشمعدان
أتخطى فزاعة موتي
وأمتنع بالشعر عن موتي اليومي
لأجعل من شغاف قلبكِ أريكتي
وأتوضأ من نبيذكِ ، المنساب على بياضي
أعيد لتقاويمي رتابة تواريخها ,
ثمّ أفتح مدّونتي , وأكتب :
!!! بيان , أو شيء من هذا القبيل
من أين نبدأ....؟
وهل ما زالت لنا كلمة ، أعتقد بأن الخراب وحده يلعب لعبته في حياتنا ، وهووحده يحصل على الجائزة الكبرى ، وأعتقد أيضاً بأن الخراب أصبح السوبرمان الوحيد الذي يحرمنا حتى من الزيت والزعتر .
من أين نبدأ....؟
وهل ما زالت القصيدة إنهدامنا الوحيد، في هذا الزمن الموحش، زمن خراب الآدمي، والحيواني والنباتي، ربما ما زالت القصيدة بؤرة توترنا أو شيئاً ما، شابه ذلك....
وربما أيضاً يأتي اليوم وتدرك أمم العالم، ما معنى القصيدة الرامبوية أو الدرويشية أو غيرهما...
بكل صراحة أقول:
رامبو لم يفعل شيئاً، سوى أنه كان لا يحب فصل الشتاء.
ومحمود درويش، لم يفعل شيئاً سوى التزاوج بين فعل الكلمة وفعل الرصاصة.
وسليم بركات، لم يفعل شيئاً سوى أنه أخرج من كيان القصيدة كل براءاتها.
من أين نبدأ.....؟
من فتيات الشوارع، أم من الحداثة الشعرية، أم من الأنقلابات العسكرية، أم من جنات العولمة،
وأشتداد وتيرة الصراع الطبقي في مراكز القرار في العالم، أم من القطب الآخر والذي شمسه لا تغيب، قطب الشعوب.،
أم من الإمبراطورية الإلهية، التي جعلت ذاكرتنا مشوشة لمليون سنة قادمة...
أم من الأصدقاء الميامين، التائهين، الحالمين، الثوريين.......؟؟؟؟؟؟
وهل مازالت لنا كلمة....؟
وهل بدأ فينا فعل الخراب....؟
في بيروت أعيد الكرة إلى ملعب الشعر علني أظفر بوضع اللبنة الأولى من مشروعي الذي كلما بدأت بالخطوة الأولى، باغتته قراصنة الخراب،
لأنكفىء على أحلامي المستدامة، وفي هذه الغرفة الضيقة، أحاولأن أعيد لحياتي إعتبارها، مذاقها الإنساني، ولروحي المتمردة حلمها وعنفوانها، دون أن أسقط في تلك الدوامة التي خرجت منها لتوي، بعد أن أضناني في المتاه والعدم.
هكذا رسمت تفاصيل حياتي في نسيج هذه الحياة وصيرورتها اللامتناهية،والتي أحاول أن أجعلها مشروعاً إنسانياً خلاقاً، هذه الخيوط المتشابكة والمتآلفة في بوتقة واحدة، ومحرقة إسمها.... الدنيا.....
ها أنا ذا، في هذه الضيعة الجبلية الجميلة في جبل لبنان(بيت مري) وقبالة البحر وبيروت وعبر سنواتي التي قضيتها وأنا أعي ذاتي، لم أجد نفسي خارج محيط الكتابة وبحر الشعر الذي لا قرارة له، توأرجحني أمواجه، أتخطى قلاع دلافينه، بصبغة كثبانه المرجانية وبلون البياض حيناً، وأحياناً بلون السطور ومنقار الكلمات.
أنه الملاذ حين أكون خارج الزمن وفي اللامكان.....
فلحظة الكتابة تقتحمني ثم تتخلى عني، ولا أدري ماذا يحصل ما بين الإقتحام والتخلي.
بالشعر أمتنع عن موتي اليومي، بعد أن أصبح بيني وبينه حميمية وأمتزاجاً روحانياً جميلاً ومدهشاً، جاءني هادئاً كالرعد، فأتخمني بالحزن والقلق والهزائم و بالأحلام أيضاً، لفحني أوجاعاً وأنيناً، وبكاءاً وحرقة للأعصاب كالنار في الهشيم، أذابني عشقاً، وأندهاشاً لمشهدية هذا الكون بلوحته الدراماتيكية وتغيراته وتقلباته المفجعة.
الشعر يعطيني توازني ويصبح بيني وبينه حالة من التوحد،...
القصائد تتدفق إلى داخلي كي أشكلها من جديد كفعل خارجي له فعله في الداخل،...
و الكلمة عندي هي المطلق كما الإيمان بوحدانية الله عند المؤمن،...
الكلمة عندي تتجسد في كثير من الأحيان على شكل نص منفلت أو إمرأة عاشقة، فالأمر سيان، أستسلم لنص وأخضع لسلطته المطلقة، عاشق مشاكس يتقن دوره بمهارة، لذلك المرأة في شعري حلماً و أنثى معاً، { حالة من الحضور والغياب، من الماء وسراب نصفها شجر ليلكي، ونصفها الآخر هواء}..،،
هنا أصبح لكل شيء مذاقه الخاص، لونه الخاص، ضجيجه المتألق، فوضاه الجميلة، مع الكتابة والشعر وركوة القهوة العتيقة، وصوت فيروز، عاشقات شارع "أراكس" لكل هذه الأشياء مكانها وصداها داخل كياني كإنسان.
لي بريدي الخاص، قادر على المراهنة والحلم، لم أطرق باب أحد طالباً شهادة حسن السلوك ولا من الآلهة صك الصفح والغفران. لا أتأرجح على الخيارات أدرك خياري، ولحظة الحسم.
أرفض بشدة أن تكون(ميرنا) رهان عمري الخاسر، أرفض أن أنزع مريول أنوثتها عن قلبي وروحي، أحرص على نقاء أنوثتها كمقدار حرصي على نقاء رجولتي، فأنثاي لا تعني لي إمرأة بعينها بل أنها الذات والذاكرة والآخر، ثالوث أمارسه عبر الكتابة بكل زهدٍ و تنسك، وهذا لا يعني أن لا أكون عاشقاً، أنا أعشق براءة وصدق وعفوية ليلكتي، كونها ذات أمي الأخرى، أمي التي أعلنت مهرجان الرحيل منذ أقمار بعيدة. إنها النفحة النورانية في حياتي أحاول أن أجددها في كل يوم بل في كل ساعة ولحظة.
وفي هذا الزمن الرمادي، ووسط هذا التلوث الذي بات يحيطنا من كل الجهات، لا بد من التجانس والتزاوج بين المنظومة الفكرية والروحية التي نمتلكها وبين جملة المشاعر والأحاسيس التي تكتنف الذات كي نبقى في توازن دائم مع الذات والآخر، لمواجهة هذا التلوث الفكري ولاأخلاقي، وأمتلاك بل خلق مداميك الصدق والثقة بالنفس و العقيدة الفكرية التي نسترشد بها، وقراءة الواقع بموضوعية وتغييره تغييراً ثورياً، كما علمتنا الماركسية وتجلياتها اللاحقة.
كما لا بد من العودة إلى الذاكرة كمرآة عاكسة للماضي دون تجرد أو تجزأ كونها تتشكل نتيجة تراكمات و مخزون ذاتي، ووفق أطر ومعايير قد تظهر تداعياتها فيما بعد و مفاعيلها المستقبلية في مواجهتنا اليومية مع الآخر تلافياً للذوبان.
وأستنباط الدروس و العبر منها، وأمكانية إنتاج ذاكرة جديدة وفق أسس تحدده راهنية زمن اللحظة وتوالدها و تأثيراتها في مكامن الروح وكينونتها الإنسانية، ونضالها اليومي.
و أخيراً......
يبقى الشعر هاجسي، ويقاسمني الخسارات والأحلام على وسادة الغربة.
وميرنا ،( ليلكتي ) تحرضني على الكتابة،
و تبقى مدماك قصيدتي، و تعويذتي التي أحصن بها ذاتي كي لا أتشظى
وسط هذا اليباس.
( طهروا ذواتكم بالشعر.....)
ابراهيم بركات
بيروت – لبنان