لا أدري كيف استطاع الرسام الأوروبي مزج الأنثى بالورق ضمن رائعة الموناليزا العالمية، كما أنني لا أدري كيف أصبح لمفردة أو بالأحرى مفهوم : " الموناليزا " مكانة رمزية راقية، و لا أدري أيضا لماذا يطالبنا الفنان باستقراء الإستطاعة التعبيرية للوحاته عبر الذوق، بل إن التعريف العملي للذوق لا أعلم بوجوده داخل الكتابات التي تناولت غياهب الإستيطيقا الباريسية.
في لوحة : " سباق - أو مطاردة - الفرسان " للرسام الفرنسي الراحل جيريكو التقط الفنان ريشته ليرسم الفارس المنتصر و هو يعتلي صهوة جواده المناضل، كانت قوائمه الأربعة كلها مرتفعة عن مستوى الأرض، و قد غمرت الحاضرين دهشة مسكرة لدى متابعتهم الخيالية لمدى السرعة الخطافية التي انطلق بها الفارس نحو النصر.
بقيت لوحة جيريكو مثارا عظيما لإعجاب العابرين، كتب عنها الشاعريون العديد من الخواطر المفعمة بتلاطم أحاسيس الدهشة الممتزجة بالذوق الفني، كل كاتب استخدم منظارا خاصا. الكاتب العربي افترض أن لوحة سباق الفرسان اقتباس جزئي من الثقافة العربية التي تخلت عن المفهوم العسكري للخيل من أجل أن تربطها بالفلكلور، فكان أن صارت الثقافة العربية بأسرها فلكلورية. هكذا إذا، سحرت اللوحة القماشية أفئدة العديد من البشر إلى أن أثبت العلم أن اللوحة تحمل خطأ شنيعا، فهي تظهر الحصان في وضعية ارتفعت فيها قوائمه الأربعة في نفس الوقت عن مستوى الأرض، و هي وضعية مستحيلة، إذ تبقى إحدى القوائم على الأرض على الأقل. لم يؤثر العيب العلمي على القيمة الاغوائية للوحة، فهي ما تزال لافتة لأنظار المسافرين عبر روائع أوروبا.
الخدعة أحيانا تسلب خواطرنا إلى المستوى الذي لا يسمح لنا بالأقرار بأنها مجرد خدعة.
كان أرتولد بريخت صادقا حينما قال : لأن الأمور أصبحت على ما هي عليه، فإن الأمور لن تبقى على ما هي عليه...
هي أيضا من نفس ذلك الإغواء الفني الأنيق ابتسامة الموناليزا، مهما تكن الحالة الانطباعية، فابتسامة الموناليزا مسجورة بالسحر و الجمال، يقال إن شعور العظمة يعرف في قواميس الشاعرية الفنية بكونه تعبيرا مختصرا عن إحساس ذاتي يخامر الإنسان عندما يتأمل في تفاصيل الموناليزا، إحساس غريب يدفعه إلى الإعتقاد بأن كآبة إحدى السيدات الخالدات في التاريخ الإنسي تزيد من فيوض روعتها. و على النقيض من انهيار لوحة " سباق الفرسان " أمام صرامة الإفتحاص العلمي، فإن العلم ما يزال عاجزا عن تكوين مشهد يحاكي ابتسامة الموناليزا و هي مغمورة بخيوط الضوء.
من السحر الأخاذ للملكة كليوباترا التي أنهت حياتها داخل حمام لبن مورد، مرورا بغرور الأميرة الفرعونية نفرتيتي التي يروقني كثيرا أن أسخر من المعجبين بها، فهي كما شاء التاريخ أن ينقلها إلينا تنظر بعين واحدة، فهل أصبح الرجل العالمي إنسانيا بحتا كي لا يبدي ملاحظاته التقليدية حول بيولوجيا الأنثى؟...لا أدري...كل ما أعرفه أن السمو الإمبراطوري يقابل دوما بالجمال الجسدي الخلاب و إن كان ناجما عن علاقات غير شرعية بين ردهات القصور الفارهة، وصولا إلى انتحار الشرف للملكة زنوبيا، كان المسار و كانت الحكاية، كان مسار إنتاج الإثارة و كانت حكاية العشق الأسطوري المتبادل بين أمل الناظر باستغراق إلى الموناليزا، و بين سر اختفاء ابتسامتها، قبل أن تستعيدها بعد أن أدركت أن النهاية بعيدة جدا و أن ابتعادها يجب أن يقابل بابتسامة السعادة.
في مثل هذه المواقف الإنطباعية التالدة، يروق لي أن أقول دائما : " نساء...مسكينات، يخلن دائما أن وراء تعقيد ما... تختفي عبقرية استثنائية "
التوقيع
لا تأكلي الشمس...فما في حوزتي سوى كلمات و وردة ...هي لك
الاستاذ هشام البرجاوي
كما قالت الاستاذه عواطف والاستاذه كوكب ان ما كتبته لوحة فنية ادبية رائعة فقد مزجت حقا الفن بالادب و كتبت مقالا جميلا تعرفنا فيه على الكثير من الامور الغامضة حول لوحة المونيليزا واخريات كما اشكر الاخت رائدة زقوت على التحليل الجديد والجيد التي قدمته ايضا حول تلك اللوحة .
كل الشكر والتقدير