الشاعرة عواطف عبداللطيف وقلبها الحزين /الدكتور أمين المظفر
الشاعرة عواطف عبداللطيف وقلبها الحزين
الدكتور أمين المظفر
أوكلاند
نيوزيلاند
24-11-2012
لسنا الآن بصدد تقديم نقد تحليلي لشعر وخواطر السيدة عواطف , فهذا الأمر متروك لذوي الأختصاص ,ولكنني سأحاول جاهداً تقديم شاعرتنا عواطف من خلال ديوانها (خريف طفلة).
نشرت السيدة عواطف قبل عدة سنوات خاطرة في جريدة الجالية وكانت مليئة بالحزن واليأس. كتبتُ في حينها تعليقاً كنت أتمنى فيه أن تختم النهاية بكلمة تفاؤل واحدة على الأقل, ولكنني لم ألق أي تجاوب ولا حتى حركة أو همسة مرضية منها, ثم تلتها خواطر أخرى لم تكن أقل حزناً من سابقاتها وهنا ازددت إيماناً ان الشاعر لا يكتب لأرضاء جمهوره او ليقنع قراءه بمسيرة يرتجيها أو فكرة يستهويها , بل هو يبث مكامن دواخله ويقتلع من زحمة أفكاره صوراً متناثرة متصارعة ليحيلها الى كلمات تجسد بابعادها الأربع عصارة قلبه في تلك اللحظة أو بقايا من ثنايا أوجاع دهر سحيق، لأن الأديب والشاعر هو نتاج ظرفه وحياته الاجتماعية. وشاعرتنا عواطف لاتركض وراء قرائها مستجدياً اعجابهم اذ ان شعرها يعكس صدق احاسيسها وعمق نبضها. وقد اجتمع لدى شاعرتنا عواطف جرحان لا يندملان .. جرحان لا يفارقان أية قصيدة من قصائدها ,وأية خاطرة من خواطرها .
الجرح الأول هو جرح الوحدة وما أحاطها من مأساة صاحبت انتكاسة شعب بكامله
والجرح الثاني هو جرح الغربة . . جرح وطن يبتعد رويداً رويداً الى ما وراء الأفق لا ترى منه عواطف غير حُمرة جمرةٍ ملتهبة تُحرق ولا تضيء ,وأملاً لا يكاد يعلو قليلاً باحثاً عن متنفس جديد حتى ينغمر في وطأة بحر الظلام، وهي القائلة في قصيدتها (نسمات)
دارت بي الأيام في خطب الورى
في غربتي مع وحدتي الجدباء
وفي قصيدة (غربتان) تقول:
وإن فرشـوا لــي الأرضـيـن ورداَ
فـلـو حــلّ البـيـان .. أنــا غـريـبُ
نعم كل هذا خلق من السيدة عواطف شاعرة الحزن والألم ,ولا عجب فالشعراء أجناس وألوان يجمعهم مبدأ أعذب الشعر أكذبهُ. كما يميل أغلبهم الى التخصص في لون من ألوان الشعر , فمنهم الذي لا يحلو له غير الهجاء ومنهم من يبدع في الوصف وآخر في المديح أو السياسية . أما الحزن والألم فشعراؤه كثيرون وخاصة العراقيين , فالشاعر العراقي يتمتع ويمتع القاريء والسامع بالمبالغة في الحزن والألم ويتفاخر في كثرة همومه , ولا أخال أيا منا لا تطربه أنوار عبدالوهاب وهي تسابق الحبيب في كثرة همومها:
عد وأنَ أعد وانشوف ياهو اكثر هموم
من عمري سبع سنين وگليبي مهموم
وفي موقع آخر منها تثير انسيابية جريان الماء في الشاعر احر الشجون وارقى تعابير الالم فيقول:
يلما عليك هموم عونك يا هل ماي
جا خنيبت و محيت.... لو بيك الوياي
أعزائي فلا عجب أن الظروف اجتمعت لتخلق من الشاعرة عواطف شاعرة حزن وألم , فكانت تلجأ هاربة من الوحدة الى رفقة الحرف فيزيد بذاك ينبوع مدادها ولوعة احتراقها فهي هنا كالمستجير من الرمضاء بالنار .
لم تختر عواطف يوماً سجن غربتها ولا وحشة وحدتها فتقول في قصيدة (مشوار)
بالرُّغـمِ عشـتُ تفاصيـلـي وأطــواري
ما قـال عمـرِيَ يوماً هـاكِ فاختـاري
مـا دمـتُ مرغَمَـةً فـي شـأن مزرعتـي
لا ذنـبَ لـي إن يكـنْ وردي كصُـبّـاري
وبهذين البيتين تحاذي شاعرتنا عواطف الشاعر ايليا أبو ماضي في قصيدته الطلاسم
أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك
أنت مثلي أيّها الجبار لا تملك أمرك
أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك
فمتى أنجو من الأسر وتنجو؟ ..
لست أدري!
والبعد الشاعري الجميل الذي وجدناه في قصيدتها مشوار نرى ما يماثله بل أجمل منه أحياناً في كثير من قصائدها كما في قصيدة نسمات تلك الصورة الرائعة لأنات هادئه لحزن ماله قرار
غطَّى الظـلامُ مسالكـي ودروبَهـا
فسكبتُ في الصمتِ الحزينِ بكائـي
رفيق العمر يعيش مع شاعرتنا في كل كلمة تكتبها وان لم تظهر بارزة للعيان فهي مرئية في بصيرة القاريء، فبعد عتاب ٍ حزين رقيق مع القلب والاحباب في مطلع قصيدة (ليل الشوق):
إلامَ وأنـــتَ يـــا قـلـبـي تُـعـانــي
تـنَــاءى الأقـربــونَ ولا تَــدانــي
تتوالى الحروف فنراها تؤطر حزنها بحلم جميل وهمسات هادئة ناعمة يداعب فيها خيالها صورة رفيق العمر
فـلا تبعـدْ طويـلاً عــن صبـاحـي
متى تجني ثمارَك من جِناني!!!!
ثم أن للوطن مكان في عمق حروفها فلم تفارق بغداد يوماً ضيائها , فأن حجبت أسوار الغربة وسجنها الواسع عنها بغداد لكن نبض حياة بغداد لم يفارق قلبها ولا أحداقها فقد (غادرت عواطف بغداد ولكن بغداد لم تغادرها)
بغـدادُ يــا نـبـضَ الـفـؤادِ وعشـقَهُ
آن الأوانُ لـتــبــحــري لـعــنــاقــي
نبـضُ الحـيـاةِ بموطـنـي وربـوعـِهِ
مـــا فـارقــتْ قـلـبـي ولا أحــداقــي
الشاعرة عواطف في عشق دائم لأرضها ووطنها ولكننا نراها وهي في أحلى حالات سمو الروح وجموح الخيال لا ترى في تراب الوطن الا مرقداً أبدياً يخمد قصة جراحها المثخنة بالوجع , فتقول في قصيدة "رياح على بوابة العيد"
توقظ الليل قناديل اللقاء
وأغاني الشوق تعلو من جديدٍ
ورحيق الأقحوان
يملأ الكون عبيراً والزمان
عندما يبزغ نورك
في فناري
تحتضِنّي
كلما عصفت ريح بغصني
وتراب بانتظاري
وكأن عواطف هنا تحاكي الجواهري وهو يخاطب زورقاً شراعياً في دجلة في قصيدته (دجلة)
وددتُ ذاك الشِراعَ الرخص لو كفني
يُحاكُ منه غداة البيَن يَـطــويني
وتسطر وجعها في فقد الوطن والحبيب
أخذوا مني رفيقي
سلبوا كلَّ حقوقي
أبعدوني عن طريقي
ويمدّون أياديهم إلينا لنصافحْ
لن نسامحْ
؛
دنسوا كلَّ البقاعِ
وملايينَ الجياعِ
وشبابٌ في ضياعِ
من ذبحتوهُ بريئاً
هل يسامحْ ؟
لن نسامحْ
؛
ومع كل الحزن الذي طوق حياة شاعرتنا إلا انها لم تنحني له يوماً ليطفيء نور حياتها فبقيت قوية وهي تصارع موجاته تارة تغني للوطن وأخرى للحبيب ففي قصيدة )أغلى ما لدي (تقول:
لن ألوم القلب لو يشكو الهموم
فتعال...
يا حبيبي
لأزيح الهم عن قلبي وعنك
فأنا ما زلت قربك
إن روحي بقيت تحرس قلبك
هل تعبت اليوم مثلي
عندما طال الغياب؟؟
وتقول
أملي أكبر مني
مذ عرفتك
ووجدتك
وملأنا الليل سحرا
وكسونا الأرض عطرا
نزرع الحلم معا
لم يكن للحب حدٌّ
وجعي قد غاب عني
أيها الساكن عمري
ولياليَّ الطوالْ
لا تدعني أنثر الحرف شجيا
من رحيق الأمسيات
ها أنا ظمأى أتيت
ومن الحزن ارتويت
وشفيت
هناك مقولة شائعة " لا تصدق شاعراً " وهي توكيد على (الشعراء يقولون ما لا يفعلون) لأنهم ينقلون أحاسيسهم في لحظة الكتابة، فقالت الشاعرة في قصيدة (رياح على بوابة العيد):
لم يعد يصدح في صبحي هزاري
لم أعد أعرف ما معنى المنام
بل كوابيسَ ظلام وحطام
لم يعد موتي مهماً وحياتي
وأنا وحدي أداري وحشة الأيام في الجب العميق
إنها هنا لا تقول الصدق لأن تعلقها بالحياة قوي شديد بأسه لأن هناك من تحيا لأجلهم مؤكدة ذلك في قصيدتها (بغداد)
مـا عـدتُ قـادرةً عـلـى أن أرعــوي
فـالــروحُ عـنــدي ثـــورةُ الآفــــاقِ
لا بـــدَّ أن أحــيــا لأجــــلِ أحـبـتــي
فـهــمُ الـحـيـاةُ لنـبـضـيَ الــخــلاقِ
وقد منحت الشاعرة عواطف مطلع بعض قصائدها أهمية خاصة
وفي قصيدة (ليل الشوق)
إلامَ وأنـــتَ يـــا قـلـبـي تُـعـانــي
تـنَــاءى الأقـربــونَ ولا تَــدانــي
وفي ردها على قصيدة الشاعر جميل داري (بيتي) بقصيدة "بيان" تقول
أيـهــا الـقـلـمُ الـحـزيـنُ بـشـعــرهِ
إنّـي أتيتُـكَ كـيْ أخـطَّ بيـانـي
كـأسـي ككـأسـك مثـقـلٌ بـمـرارةٍ
من علقمِ الوجَعِ المَريرِ سقاني
هذه هي شاعرتنا عواطف عبداللطيف كما عشتها في ديوان (خريف طفلة) وكما اشرت سابقا الى انني لم اهدف الى كتابة دراسة نقدية أدبية لمجموعتها الشعرية اذ سبقني الى ذلك من اوفى حقها خير وفاء مثل
الفنان والاديب عمر مصلح من العراق في دراسته "قراءة في ديوان خريف طفلة" والتي جاءت في مقدمة الديوان
والاستاذ محمد السنوسي الغزالي من ليبيا في " أتقاطر منك وحمى تغرق بأوصالي!!" نشرت بعدد 15 أغسطس في جريدة (الأحوال)الليبيبة الرسمية
والأديب وجدان عبدالعزيز من العراق في " الشاعرة عواطف عبد اللطيف تعيش انشطارات الغربة وانشطارات الادب "نشرت في جريدة طريق الشعب
والشاعر جميل داري من سوريا في " : "قراءة في نصوص ديوان خريف طفلة" الذي وضع مقدمة جميلة لهذا الديوان حيث ختمها بالنص التالي:
" قصائد الديوان تراوحت بين الشعر العمودي والتفعيلي فكأنهما فرسا رهان ..حيث أبدعت شاعرتنا القديرة في كليهما مبنى ومعنى وفكرا وشعورا وصدقا وعمقا ..فجاء الديوان مترعا بالشاعرية... فحينا نراه في جبال الأوليمب وحينا في وادي عبقر..
إنه شجرة وارفة جديدة تضاف إلى حديقة الشعر العربي الذي هو ديوان العرب بل ديوان الإنسانية منذ فجر القلب إلى قيامة اللهب..."
أهدت ديوانها
الى روح رفيق العمر
الى فلذات كبدي أحمد ورسل
الى كل من مدَّ يده لي في اعوجاج دربي بنقاء وكان البلسم الشافي لروحي وجروحي
أهدي خريف طفلة
رد: الشاعرة عواطف عبداللطيف وقلبها الحزين /الدكتور أمين المظفر
مررت وقرأت وتمحّصت وسبرت أعماقا وأغوارا......
فقلت :
تااللّه فما ترك الفقد والحزن والغربة عن الوطن في السيّدة موضعا من القلب الا وسكنه واستوطنه .....
تا الله كم كم افاضت هذه السيّدة من شاعريتها الرّقيقة لتكتب قصائدها بهذا الحزن والألم .....
تاالله هل من السّهل أن يتحقّق الطّابع الدرامي في عملها الشّعري هذا لو لم تتمثّل وراءه الفجيعة والألم والصّراع وتناقضات الحياة......
وكم صارت عناصر هذه الدّراما أساسيّة في شعريّة السّيدة عواطف عبد اللّطيف ليستقيم عملها وفعلها الكتابي بهذه الرّوعة .....
فلولا هذا الحزن ما كانت أعمالها الشّعريّة بهذا الطّراز.....
قد يكون الحزن والشّجن أجمل ما فينا ولكن لا ندري....
كم أحببت هذا الشّجن فيك يا سيّدتي عواطف......
فما انطلقت منه ذاتك هو وجه من وجوه هذه الحياة التي تمثل فيه الحياة أكذوبة...
شكرا لقارئ الشّجن بهذا العمق وبهذا الجمال في أشعار السّيدة عواطف الرّاقي الدكتور أمين المظفّر فقد أتقن هذه القراءة باقتدار وامتياز
رد: الشاعرة عواطف عبداللطيف وقلبها الحزين /الدكتور أمين المظفر
شكرا اخيتي دعد شكرا
اوفيت وزدت
ويؤسفني انني اشعر بالتقصير لاني لم اعرفها قبل هذا
انسانة بهذا الاحساس من الالم ..وشحنات تفرغ باجمل قلم
لا يمكن لنا الا ان نرسل لها باقات ورد من اهلها فالغربة نعيشها
نحن ايضاً في فراقنا لاحبتنا
اخيتي دعد الرائعة
اكرر شكري اليك..وتحياتي للاستاذة الرائعة السيدة عواطف
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 04-26-2013 في 11:49 AM.
رد: الشاعرة عواطف عبداللطيف وقلبها الحزين /الدكتور أمين المظفر
تقدمة جميلة لشاعرة ثرة من شاعرات الوطن
وإضاءات على منعطفات حياتها الحافلة بالشجن الرافديني
وهذه القراءة صفحة مشرقة في سجل الوفاء للابداع
فسيدة النبع الغالية (ماما عواطف)
استطاعت أن تصنع من غربتها عالما شعريا خاصا بها
ومن الحزن قلائد بيان تعلق على صدر التاريخ
وكيف لها وهي مثال للمرأة العراقية المناضلة الصبورة
تحدث أصعب الظروف والمراحل التي
لا يمر بها إلا العظماء من الأجيال
وأنا إذ أقف هنا على باحة ألقها
أنحني أولا لعراقيتها وثانيا لحزنها المتفرع المثمر
وثالثا لشخصية استطاعت أن تجلب القلوب قبل الأبصار إلى عالمها
الشعري وخزينها من الهم العراقي النبيل
هي بحق شاعرة من طراز نازك الملائكة وفدوى طوقان
استطاعت أن تفرش حزنها عرشا ملكيا
فهنيئا للعراق بها وهنيئا للشعر
وأنا إذ أختتم كلامي أعتذر لتواضع مروري
أمام رشاقة العطاء
تحياتي وتقديري
رد: الشاعرة عواطف عبداللطيف وقلبها الحزين /الدكتور أمين المظفر
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعد السعد
تقدمة جميلة لشاعرة ثرة من شاعرات الوطن
وإضاءات على منعطفات حياتها الحافلة بالشجن الرافديني
وهذه القراءة صفحة مشرقة في سجل الوفاء للابداع
فسيدة النبع الغالية (ماما عواطف)
استطاعت أن تصنع من غربتها عالما شعريا خاصا بها
ومن الحزن قلائد بيان تعلق على صدر التاريخ
وكيف لها وهي مثال للمرأة العراقية المناضلة الصبورة
تحدث أصعب الظروف والمراحل التي
لا يمر بها إلا العظماء من الأجيال
وأنا إذ أقف هنا على باحة ألقها
أنحني أولا لعراقيتها وثانيا لحزنها المتفرع المثمر
وثالثا لشخصية استطاعت أن تجلب القلوب قبل الأبصار إلى عالمها
الشعري وخزينها من الهم العراقي النبيل
هي بحق شاعرة من طراز نازك الملائكة وفدوى طوقان
استطاعت أن تفرش حزنها عرشا ملكيا
فهنيئا للعراق بها وهنيئا للشعر
وأنا إذ أختتم كلامي أعتذر لتواضع مروري
أمام رشاقة العطاء
تحياتي وتقديري
الشاعر سعد السعد
مرور أخجلني بثراء ما جاء فيه
توقفت أمامه الحروف
فكلمات الشكر وحدها لا تكفي ما كتبت وتقويمك لي ولحروفي
هذه القراءة للدكتور أمين المظفر كانت لأخ عرفني في غربتي في حفل توقيع دواويني الذي أقيم في نيوزيلاند
وفقك الله وحماك وزادك من نعيمه
دمت بألق وعافية
تحياتي