إختلطت المجاميع,تزاحمت مناكبها, لتصل الى ساحة مساحتها ضيقة قياسا الى الحشود الوافدة لها حتى غدت طوابيرهم كالكتل المرصوفة وعيونهم الباحثة بالتقصي والتفحص عن الجمال الأخاذ المركون عند حوض مرتفع يخاله الناظر غدير ماء ينسل منه شلال يلامس صخورثبتت منذ الأزل تغتسل بماءه حد الطهارة وعلى مقربة منه تنتشر الرياض الصغيرة المغمدة بالأزاهير المصطبغة بعطر الربيع , وزاد من طلة الربيع قدوم الفتيات المائجات الناثرات إنوثتهن باشتهاء الروح اللاتي كن يحلقن كفراش الورد فوق أكمام الزهر , فسرقن بطلتهن أنظار المتحلقين في فضاء المكان, وما لبثن إلا قليلا حتى إكفهر الجو وعلت سماءه الغيوم السوداء واشتعلت على اثره نيران السماء وزمجرت بأصطخاب وهطل شلال المطر مدرارا واتحدت معه الريح بقوة وماهي إلا لحظات حتى غرق المكان وكادت أمواجه وريحه أن تسقط أعلى الصروح وتطيح ببناءها...
هرول الجميع بشكل مهزوم تاركين صراع الطبيعة بين أحقية النهار وعدمه ليجهض أخيرا ويستقرفي أحضان الليل الممتد عبابه الى ما لانهاية والذي هو الآخر دخل الصراع مع قناديل الضوء وانتصر أخيرا..
مرق السحاب وأجناس عده إحتواها ذلك الحالك على مر الدهور وهو يوحد ظلماته بلباس الحداد التقليدي..
إدلهم الليل فكم من منير إنتحر عند ظلماته وكم مريد لم يحصل على مبتغاه..
وبهذا ذبحت جميع الأمنيات حتى الصغيرة منها من شدة الهول والبطش والاغتصاب.. وتركت عيونها الناشبة في زوايا الأمل تتطلع من خبايا النوافذ الزجاجية..
تلك العيون الرماقة التي تردف رموشها بين الكرى واليقظة والتي كانت تتمنى أن تكون ساعات المتع أطول بكثير من ذلك النهار المزعج الملطخة لوحاته بأطيان الوسخ .. حتى غدت شوارعه المنبسطة يحفر فيها الوحل ويدججها ليل مكفهر باسلحة التشرذم ........