ان النص الأدبي أو الفكري حين نتصفحه هو مثل لقائنا انسان ، علينا أن نواجهه بثوب الاحترام ، وحديث التقدير ، ثم لا بأس أن نخوض في ما هو مباح لنا الولوج اليه ، والا كنا طرقنا باب التصادم لا التوافق الذي هو من واجباتنا كبشرعاقلين .
لا شك أن النص هو مجهود ، و وخلق و ابداع ، و ما الى ذلك من أمور الفن ، و حسب صاحبه هذا بأن نقيم أثره بقدر من الاحترام ، و وضع النص موضع العناية . وبعيدا عن شخص صاحبه نقبل على النص ، ونقرأه قراءة متأنية حتى لا نظلم صاحبه ، أو نصدر أحكاما غير منطقية ، و غير صحيحة ، فنشوه النص ، و نسوق اليه شبهات ما كانت لتكون ، و قد يحسبها السواد الأعظم ممن لا دراية لهم خللا ، أو نقصا ، أو عثرات و ماهي في صورة ذلك اطلاقا .
كثير يذهب الى مؤاخذة الكاتب عن اختيار موضوع معين ، كأن لم تكتب عن المرأة ، أو لم تناولت القرآن وأنت غير مختص ، أو ما دخل الأديب في الفقه ، أو أنت شاعر فكيف تطرق روض العلوم ، وهي بعيدة عن المنطق ، فالكاتب حر في الكتابة في أي باب شاء ، و له أن يعالج ما يبدو في غير اختصاصه . فكم من أديب عالج مواضيع علمية أكثر من الرجل العلمي ، و كم من مهندس قدم لنا أروع الأعمال الأدبية ، و كم من شاعر تبحر بنا في محيط الفقه ، و الأمثلة تطول .
و يحلو للبعض أن يقحم نفسه في أمور أخرى أقل ما يقال أنها تكشف عن ناقد أو قاريء بعيد عن فهم حقيقة الكتابة و شؤونها ، فيعيب على الكاتب التشاؤم ، أو الثورة أو التجنح نحو الخيال أو الرومانسية أو الواقعية أو الميل الديني و القومي ، و هي كذلك من مميزات و صفات و نفسية الكاتب ، و لا نستطيع منعه من شيء طبيعي فطري متأصل فيه . يمكن أن تكون هذه التوجيهات في البدايات الأولى للكاتب ، أما أن نقوله لمن هو قد تجاوز البداية فهذا غير معقول .
الأجدر بالناقد أن ينصب اهتمامه حول المعالجة ، و الصياغة ، و كيف بلور الكاتب أفكاره ، و كيف تناول و عالج موضوعه ، و ما تخير من لغة ، و ما نحا من سبل للوصول بالقاريء أو السامع الى بر الفهم و الادراك لما يريده له ، و ما وفر من متعة جمالية من خلال الصورة الفنية ، و اللغة الجميلة الدالة .
والقراءة يجب أن لا تتمحور حول ما هو سلبي ، و ناقص من وجهة نظر الناقد ، و تترك الجوانب الأيجابية ، بل الناقد الناجح هو من يحاول الاهتمام بالجانب المضيء في النص و الاشادة به قبل كل شيء حتى لا ننفر القراء من النص ، ونحرمهم التمتع بقراءته ، ثم نلتفت الى نقائص النص وهي نسبية تمثل رأي الناقد لا أكثر ولا أقل . و ما أستقبحه ناقد قد يستحسنه آخر .
اننا بمثل هذا التناول نبتعد عن تلك المهاترات التي نلاحظها هنا وهناك ، وفي كثيرها موجهة نحو شخص الكاتب سواء بالمدح أو بالذم ، و الضحية طبعا النص الذي قد نضخمه من فراغ ، و قد نفقره رغم غناه . ولا أعتقد أن كاتبا لا يحب أن يدله ناقد على الخلل اذا لم ينحرف هذا الأخير عن أخلاقيات النقد الموضوعي الذي افتقناه في أيامنا هذه .
بقلم العربي حاج صحراوي .