قاتل الله أنفلونزا العيون؛ رشح هائل من الدمع، ورم في الجفون. تتحسس العين حين يصبح سرها مباحاً تجمع كلَّ محيطَها ولبَّها من أجل رؤية واضحة، ليس أكثر من ورمٍ على ورمٍ، وورم من ورم،
فعودي إلى إغماضتك مرتاحة، ومضةٌ هي لا تشرب من غموض، وغموض لم يعرف في طرق الواضح المفتوح راحة، والحبة الواحدة بسبع سنابل، والحبة الجاحدة ستملأ البيت بالنمل، والحبة الصالحة
خطأت في حملها، وظل الوادي بلا سنابل، نيرون ما مات؛ رأيته بالأمس ما زال يقلب بالسلاسل... غارقاً في أفكاره وفكر الثورة، ينظر إلى روما بحلتها الجديدة... هادئة بلا فوضى. يحلم بالمرأة وعشق
قديم كان يعيش على ضفة الحياة البعيدة ولم تأتِ الفرصة ولو لمرة فيبحر نحوها وقد ترك خلفه دولة خالية من العبيد... وحرة... نيرون ما مات، وجدتي ما زالت تتقن حرفتها الأولى؛ ترُشُّ السكَّر على السمن
والموت، وتغمز جاراتها بأمثال قاسية ورثَتْها عن أمها والعشيرة الغارقة فيما ترك عدونا من حضارة لا تفنى، وأبي - رغم موته- ما زال يأخذ بالرخصة؛ يتيمم بالتراب حين يرشقه تشرين بحكاية قصيرة، ونحن
صغاراً كنا على عتبة قديمة ما زلنا نرضع الخوف بلا معنى، ثم نشرب المعنى بلا صوت ونرسب في امتحان الجغرافيا لأننا لم نذكر دولة حديثة مستقلة... قواميس أمي القديمة لا تعرفها، ومناهج الدولة لم تكن سريعة
فترسمها... لا أقدر على إدراك المعنى وكيف للأرض العفيفة أن تكون حبلى وتلد دولة أخرى... ثم تمحو عن وجه ترابها دولتها القديمة وترمي بشرايينها إلى المنفى..؟!، وأمي ما زالت تكتب بالزعتر على وجه العجين
طعم البارود والقنابل وقبل أن تُسْلِمَ الدائرة إلى النار ترش الصاج بالطحين، وخالتي التي ما عادت تتعرف على الأشكال إلا بقلبها لا زالت تحدثني كيف ضاع أخي الأكبر في حواري القدس العتيقة قبل أن تكتمل الرحلة إلى جنين
وتعود لتسألني: "الم يعد بعد من السفر؟"، لا أتردد في البكاء ملء قلبي وأنا أعصر الحزن، وأدفع رائحة الدمع..
لا.. لم يعد يا خالة بعد!
ويصرخ ضلع على زاوية القلب: "كيف لا تدرين يا خالة أنه مات منذ سنين؟! من ذا الذي منح نفسه كل هذه الوداعة ليخفي عنك خبر وفاته ويحرمك من هذا الحزن الذي أعده الله لقلوب الصالحين؟!
... مات يا خالة وروحه تحوم كل ليلة حولك قبل أن ترحل إلى الأقصى لتكمل ضياعها... تبحث عن رائحة المرسلين..." ثم تعود إلى الأسئلة: "كيف لا يعود والقدس عادت عربية؟!" وتشيح بحزنها
ووجهها حين يطول صمتي وهي تقول: "كلهم يقولون إن القدسعادت عربية... كلهم يقولون إن المعابر صارت طرقاً واسعةً نسلكها متى شئنا...وأكاد أصدق يا خالة... هي واسعة جدا... لكنها لا تُفسح
إلا للعابرين إلينا لغرباءَ يأتون من بلادهم... وهي بلادنا المحتلة...- يا خالة ألا تدرين؟! كل هذه الأصوات ليست في عرس جيراننا، جارنا المتحضر- مهووس بما ألقت في قلبه عمَّان من حضارة ومدنية
ويُخجله أننا ما زلنا على تعاليم القرية، فأقام الحفل خارجها بطريقة عصرية، بلا تفجير ولا رصاص. وما تسمعينه الآن ليس إلا صراخ حناجر تأتي من (درعا) وهذا الصوت ليس من (دبكة) وطنية، لا يا خالة!
إنه صوت القنابل وبراميل البارود... إنها تعيد رسم (درعا)، تفكك الخرائط من لوحتها القديمة وتعيد رسم الحدود، وما هذه الأصوات التي تأتي من مذياعك الكبير والقديم إلا بدعة، والقهقهات التي يطلقها مذيع تساقطت
أخلاقه منذ خريف قديم ويُزيِّنُها بروح وطنية بدعة، ووادي الشَّيَّاح (الشيح) لا زال ينتظر أن تجف حبة، حبة واحدة صالحة ليملأ الوادي سنابل، وخط الشام صار فخاً وخدعة، والرجال على أكواعها تحلل، تحارب وتنتصر،
تقاتل بلا دماء ولا هزائم... وهل يُهزم جنرال ينام على بطنه وساحة معركته عقلٌ محشوٌ بذخائرَ لا تنفجر إلا في فراغ رأسه وشاشة التلفاز أمامه تعلمه أن الكذب مهارة... وقواعدُ ضروريةٌ لبناء دولة الحضارة...
وجارنا الفلسطيني الذي سكن أطراف الوادي ما زال وحده الذي يعرف كيف يُقَلِّم الشجر دون وجع، يأتي على وجه السرعة لو سمع أن جذعا في الأرض يُحْتَضَرُ... تفوح منه رائحة البرتقال كلما تحدث عن البارود
العتيق، وأبي يُذكِّره أن شرعنا الحديث ينهى عن البارود، فيضحك جارنا وفي عينيه دمعة يصدها الجفن عن قفز شرعي، يمسح أنفه بكوفيته السوداء وهو يقول: "لو ينهى هذا الشرع عن إراقة الدم وأكل التراب الحرام..."
يلف الجذع بقماش رقيق ويوصي والدي قائلا: "رفقا بالغصون... رفقا بالجذع الحنون" ويكمل بصوت منخفض وهو يرتشف ما تبقى في كأسه: (رفقا بالقوارير)...، وأنا ما زلت منذ مراهقتي الأولى أتعلم كيف ُيقلب
الفكر، وامسح حبات العيون بمنديل أبيضَ غير معطرٍ، حساسية في عيوني تذبحني كلما جاء الخريف أو الربيع أو الصيف أو الشتاء، أو أي ربيع... والأرض لا تزهر ولا تمطر، لكن شيئا في جوفنا يزمجر، وفاصل،
ترعد من مذياع خالتي أغنية وطنية محمولة على حنجرة بدعة، كلماتها كذبة... والمغني أعمى، دمعة، فدمعة، يشتد الورم على العين وعلى الليل، موال ورشح على امتداد الوجع تذرف العين، وما زال هناك من لا يرى
تحشدا على هذا الحشد وإن كانت كل الحشود كاذبة، وأنْ لا شيء يمر عبر هذا الاتزان والتوازن الذي يمشي بدقة إلا الحيلة والخدعة، ونميل كلما مالت كفة، وإن عادت عدنا، كفة تهوي بكفة ونحن نهوي، ونعود.
عدنا من جديد!
- يا خالة هذا الصوت ليس عرساً ونحن لم نقاتل، ولم تضرم النار إلا في قلوبنا وكاذبةٌ كل نشرات الأخبار، والأصوات التي يلقيها مذياعك كلها أمور محدثة، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة...
وكل ضلالة في النار...
درعا ـــ الرمثا ــ القدس ــــ بعد اختفاء بغداد!! .... محمد خالد بديوي ـــــ
التوقيع
قبل هذا..ما كنت
أميـــز..
لأنك كنت تملأ هذا
الفراغ..صار للفراغ
حيــز.!!
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 07-24-2019 في 12:27 AM.
نص جميل مال نحو الأسلوب القصصي في أكثر جوانبه...
حكى واقعنا الأليم الموجع حد ثمالة الأعماق... ولله الأمر
سلمت حواسكم أديبنا الراقي ولا عدمتم الجمال
محبتي والاحترام
نص باذخ في مضمونه راقٍ في حبكته ونسيجه
ستتغير أحوال الأمة بإذنه تعالى نحو الأحسن فدوام الحال من المحال وبجهود المخلصين حاملي راية التحرر والنضال.
دمت بتألق وإبداع أخي الغالي
تحياتي وبيادر الياسمين
نص جميل مال نحو الأسلوب القصصي في أكثر جوانبه...
حكى واقعنا الأليم الموجع حد ثمالة الأعماق... ولله الأمر
سلمت حواسكم أديبنا الراقي ولا عدمتم الجمال
محبتي والاحترام
أديبنا المكرم البير ذبيان
حضوركم شاهق عزيزي وقراءتكم راقية
شكرا جزيلا لكم على اهتمامكم الكريم
وكلماتكم الرقيقة.
بوركتم وبورك نبض قلبكم الناصع
احترامي وتقديري
التوقيع
قبل هذا..ما كنت
أميـــز..
لأنك كنت تملأ هذا
الفراغ..صار للفراغ
حيــز.!!
أضغاث أحلام تراودنا ، لكن يصدمها جدار الواقع
المملوء بنتوءات الخيبة والتكسير والتحقير لآدميتنا ،
ولحقنا في الحياة .
أخي الكريم محمد ضاعت بغداد ، ومن قبلها ضاعت القدس
وهناك عواصم باهتة الخطوط والظهور ، الله أعلم بحالها !
بوركت وسلمت أنفاسك الحرة ،، تقديري .
أفنينا عمرا مع الحرف في طابور الإنتظار
نكتب بانتشاء لأرض تستحقّ الحياة
بأبجدية وجع عشقنا الخوض في غمارها.. نوقد الموت بسكرات الكلمة
ولا أحد سوى الغرباء يعيدها سيرتها الأولى
نسأل الله الفرج
نص باذخ في مضمونه راقٍ في حبكته ونسيجه
ستتغير أحوال الأمة بإذنه تعالى نحو الأحسن فدوام الحال من المحال وبجهود المخلصين حاملي راية التحرر والنضال.
دمت بتألق وإبداع أخي الغالي
تحياتي وبيادر الياسمين
شاعرنا القدير ناظم الصرخي
قراءة أسعدتني وحضورم ابتهجت له الروح
شكرا جزيلا لكم على اهتمامكم الكريم وعنايتكم النبيلة
تشجيعكم الدائم.
بوركتم وبورك نبض قلبكم الناصع
احترامي وتقديري
التوقيع
قبل هذا..ما كنت
أميـــز..
لأنك كنت تملأ هذا
الفراغ..صار للفراغ
حيــز.!!
آخر تعديل محمد خالد بديوي يوم 09-29-2019 في 11:18 AM.
أضغاث أحلام تراودنا ، لكن يصدمها جدار الواقع
المملوء بنتوءات الخيبة والتكسير والتحقير لآدميتنا ،
ولحقنا في الحياة .
أخي الكريم محمد ضاعت بغداد ، ومن قبلها ضاعت القدس
وهناك عواصم باهتة الخطوط والظهور ، الله أعلم بحالها !
بوركت وسلمت أنفاسك الحرة ،، تقديري .
أديبتنا المكرمة بسمة عبدالله
حضور شاهق وأنيق وقراءة عميقة جميلة لم تجانب الصواب
شكرا جزيلا لكم على اهتمامكم النبيل وعنايتكم الكريمة وتشجيعكم الدائم
سلمتم وسلمت روحكم الناصعة
احترامي وتقديري
التوقيع
قبل هذا..ما كنت
أميـــز..
لأنك كنت تملأ هذا
الفراغ..صار للفراغ
حيــز.!!