قراءة أدبية في نص سرّ مواسم النّخيل لمحمد كامل العبيدي

النّص المشتغل عليه
مواسمُ لسرّ النخيل.


(الإهداء إلى شبيهي آخر العنقود)‏

أنتَ مِثْلي..
بينَ أحلام العذارى تبحَثُ عنْ طُقوسٍ مُثيرَةٍ..
في زوايا الرُّوحِ
وعنْ قوافِلَ عِشْقٍ مَبْثُوثَةٍ...
في مساحاتِ الخاطِرهْ
تَتَراءى لي...
الأحزانُ ـ في ضَجِيجِ مقاهيها ـ
مواسِمَ أفراحٍ...
في جَنَى وجنتَيْ طِفلةٍ،
الندى منْ عَيْنيْها يُرْويها..
***
أنتَ مِثْلي..
تلحَّفتَ إزار الغدِ،
فريدَ أمَّةٍ بُرَدَ الأمسِ ترتدي،
غريبٌ عن الدِّيارِ بساتينُ أزهارها،
فقاقيعُ من براقعَ ومُلتحٍ.. !!
واللَّطيفُ في أمَّتي نواةُ تمرٍ،
حفِظتْ سِرَّ نخلِها لخُلود مُنتشٍ..
***
أنتَ مِثْلي..
شفتاكَ من طينٍ،
على خدودِ الورد احترقتْ،
و من لظى الشَّوقِ، سماكَ اهتزتْ،
لَها غُيومُ النَّفسِ ودَمَعَتْ لها نُجومْ..
***
أنتَ مِثْلي..
كمْ من زَرْعٍ أنتَ زارِعُهُ.. !!
أصبحَ هشيما تذْرُوهُ رِياحُ الحُزْنِ،
وثمار لوزٍ في كؤوسِ أزهارها ،
تنتظِرُ الأعراسُ مواسِمَهُ!
***
أنتَ مِثْلي..
حُرٌّ في الأرضِ
تَبْني من مكارِمكَ سِجْنًا لَكَ وحَبْلَ جرِيرْ.
وَلَيْسَ الطَّليقُ في الغَابَاتِ حُرًّا
فَكَمْ مِنْ غَزَالٍ كانَ فَريسَةً لِضبع حَقيرْ.
***
أنتَ مِثْلي..
تُنازِعُ الأَنْبِياءَ صَبْرَهمْ،
وفي غَوْرِ النَّفسِ ظُلمٌ..
يَجْتاحُني، أتَى عليَّ وخَيَّمَ!
و شَكْوى جَسَدِي تتَجَلَّدُ في أكوامِ طينْ!!
وكُوَّةُ الرَّوحِ تَتَصيَّدُ بَصيصَ شَمسٍ،
خَلْفَ جِدارْ!!
***
أنتَ مِثْلي..
تَتَوسدُ سَحابةَ لَيْلٍ،
وفَلَقُ الصُّبْحِ من كَرَى وغُيُومْ،
ثَمِلٌ من فَرْطِ جَوى الشَّوقِ والسَّهرِ!!
مُسافِرٌ على بِساطٍ من أمَلٍ تُغازِلُ شَطْرَ قَمَرٍ،
فَيَا للَيْلِ العَاشِقِينَ..!
يتوَهجُ من غَيْرِ حطَبِ و لا نارْ.
***
أنتَ مِثْلي..
جعلتَ اللَّيل سكنا،
لسمَّار من أحلامٍ و زهورْ،
وانْتشيْتَ الصَّحْوَ فجرا من خُمورْ،
وعانقتَ الصُّبحَ شوقا لسماءٍ،
تُدلي عناقيدَ من نورْ.
***
مواسم سرّ النّخيل
قصيدة نثريّة رائعة ولدت من هاجس فكريّ إبداعيّ أو لنقل حالة فكريّة تشكّل الصّراع الخصب والتّوتّر الخلاّق لدى محمد كامل العبيدي .فلكتابات هذا المبدع حضورها الملفت والآسر يتحاور فيها مع ذاته ليكون خطابه أيضا موجّها الى الآخرتساؤلا وإجابة.....وهو ما ينآى بمتلقيها عن حالة الرّاحة والإطمئنان الى المألوف من الكتابات الأخرى.
فلقصيدته النّثريّة هذه عوالم موغلة في الدلالات والتّرميز ...عوالم تمارس على متلقيها إغراءا لعبور ثناياها وزواياها ومعابرهاوقد يستطيب البقاء فيها ردحا من الزّمن لمحاولة تتبّع حقول دلالاتها....ولكشف ما يدور بخلد هذا المبدع
وأول ما يبهرك ويحيّرك هذا العنوان الذي يبثّ الرّغبة لولوجه وهتك أسراره وكوامنه
مواسم سرّ النّخيل
عنوان له كيانه الذّاتي قد يقودنا الى ارتباطه بماورد في جسد النّص
فالإضاءة الأولى تجيئ من النّخل هذه الشجرة النّورانية بسعفها الوضّاء والتي استوجب استدعا ءها ...
هذه الشّجرة التي ذكرت في القرآن الكريم مرارا
فكيف نقرأ رمزيتها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فالعنوان لم يكتب الاّ بهدف التّمهيد والعبيدي دقيق في وضع عناوين قصائده فهو لا يخطئ مرماه أبدا..ولا تسريب لكلمة لا تحمل نيّة..
فحضور النّخيل يزداد رمزيّة بإقترانه بسرّ ومواسم ويزداد تعقيدا بضمّ المواسم الى أسرارها...
فهل هو ذرى المواسم أم الأسرار في المواسم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وأراني أقفز على هذا المقطع وأحطّ عنده علي أظفر ببعض أسراره
يقول العبيدي
...
أنتَ مِثْلي..
تلحَّفتَ إزار الغدِ،
فريدَ أمَّةٍ بُرَدَ الأمسِ ترتدي،
غريبٌ عن الدِّيارِ بساتينُ أزهارها،
فقاقيعُ من براقعَ ومُلتحٍ.. !!
واللَّطيفُ في أمَّتي نواةُ تمرٍ،
حفِظتْ سِرَّ نخلِها لخُلود مُنتشٍ..
أنت مثلي ....والتّشابه هنا يعتمد على كلمات دلالية تلتحف إزار الغد والغد مجهول في علم الغيب....
معانٍ تنساق منها أخرى تظهر وتختفي وفق قدرات المبدعين ، وتطورلدلالات المعاني تصل الى انموذج موغل كهنا
فريد أمّة برد الأمس ترتدي .....
غريب عن الدّيار
...فقاقيع من براقع
وملتح....هواجس ومواقف تدعو لسبر أغوارها أكثر لإدراك الحكاية في الكلمات تسير في إتّجاه أوضاع الوطن...
.....وقد تبادر الى ذهني إلتقاء ما لوّح به العبيدي بأبيات لعبد الرحمان الدّاخل في تلاقيه وتشابهه مع النّخلة
تبددت لنا وسط الرصافة نخلة *** تناءت بأرض الغراب عن بلد النخل
فقلت شبيهي بالتغرب والنوى *** وطول اغترابي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة *** فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
ويرتفع نسق وجع المبدع ليبدو أكثر جلاء في قوله هنا
واللّطيف في أمتي نواة تمر....
حفظت سر نخلها لخلود منتش......
فإقتران اللّطف بنواة التّمر بداية لجدل يتشكّل فهو مثير للغرابة يولّد لدينا احساس بالإحباط ويحيلنا في نفس الوقت الى ما حفل وما اكتنز به من دلالات....

يتبع.....

تحية لك اخت دعد وأنت تصحبيننا في قراءة

لنص جميل فزاده تعليقك جمالا وايضاحا

سبرت غور النص وأخرجت دلالاته بتقنية عالية

مودتي

قراءة قديرة ومتمكنة..غاصت بحرفية في أغوار النص وأكثر

أنتظر المزيد

[QUOTE=الدكتور اسعد النجار;253930]تحية لك اخت دعد وأنت تصحبيننا في قراءة

لنص جميل فزاده تعليقك جمالا وايضاحا

سبرت غور النص وأخرجت دلالاته بتقنية عالية

مودتي
[/QUOTE
الدكتور أسعد النجار
مرورك أيّها الأديب الرّاقي يمنحني مزيدا من لذّة الغوص في روائع ما كتبه العبيدي وما يكتبه إخوتنا هنا
فالقراءة يا دكتورنا لاتقلّ أهميّة عن الكتابة ...فهي سباحة في ظلال المعاني والصّور المبتدعة التي يحفل بها النّص على إختلاف أجناسه
دمت سيدي الكريم وكلّ الشّكر لإعتنائك الذي ينمّ عن رحابة فكرك ورؤاك .

اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد كامل العبيدي     قراءة قديرة ومتمكنة..غاصت بحرفية في أغوار النص وأكثر أنتظر المزيد

القدير العبيدي
كلّ الشّكر لك أنت ...فنصوصك تغري ...
وسأكمل قراءتي متى إستقام الوقت اللاّزم حتّى أنصف النّص وأمنحه ما يستحقّ
دمت متألّقا أيّها العبيدي ياابن تونس الحبيبة ......
فكم تجمعنا محبّة هذا الوطن الشّامخ الذي تحمل هواجسه في كلّ حرف لك .

دعد المبدعة
ما أروعك
قراءة متمكنة واعية مثقفة
شكرا لك
و التقدير لـ العبيدي الشاعر