ذكرى على جبل جرزيم
1. قد عدتُ يا جرزيمُ فاذكر عودتي
فعلى جدارِ الصمتِ بُحَّتْ صرختي
2. أنتَ الحبيبُ ومن بخدركَ خانني
وأضاعَ أحلامي ، أضاعَ صبابتي
3. قد كنتَ يا جرزيمُ معبدَ عشقنا
في الحبِّ دربي قد غَدوتَ وقِبْلَتي
4. كم بُلبُلٍ غنّى بسفحكَ عندما
عَزَفتْ على الأغصانِ عشقاً ريشتي
5. وكذلكَ الأشجارُ ترقُصُ كلّما
قد ماسَ فيكَ قوامُ كُلِّ مليحةِ
6. لو تملكُ الأحجارُ نُطْقاً مثلَنا
لَتَكلَّمَت من سحر كلِّ جميلة
7. وبدى حزيناً صامتاً مُتَلوّعا
عيبالُ إذْ يشكو ظلامَ الوَحْشَة
8. يخلو منَ الغيدِ الكواعبِ بينما
يختالُ فيكَ قوامُ كلِّ خريدةِ
9. كمْ عاشقٍ قد طافَ حولكَ مثلما
حجاجُ مكَّةَ في فناء الكعبةِ
10. لكنَّ قلبي قد سبتهُ جميلةٌ
حسناءُ ترفلُ في ثيابِ العزَّةِ
11. حوراءُ فاتنةٌ ، تمايلَ قدُّها
فَهَوَتْ بقلبي ، ثمَّ صارتْ بُغْيتي
12. مَنْ ذا يُبلِّغُها هوايَ لعلَّها
يوماً تَحنُّ إذا شَجَتْها حالتي
13 . ( زَيتيةَ العينينِ ) قلبي هائمٌ
وأنا المُتَيَّمُ منذُ أوَّل نظرةِ
14. أحبيبيتي : إنا لبَعْضٍ ما الذي
خلاّكِ تَخشي أن تكوني قسمَتي
15. قلبي تعذّبَ حينَ جاءَكِ زائرُ
قد قالَ في عَلَنٍ : تعالي زوجتي
16. أتُرى التي أحببتُها وعشقتُها
ترضى هواني أم تُفضّلُ لوعتي !!
17 . يا هندُ قلبي في هواكِ مُقَيّدٌ
وظللتِ وحدكِ في الغرامِ سجينتي
18. لا تسأليني أن أعودَ لبلدَةٍ
فيها قَتلتِ مع الزمانِ حكايتي
19. أنسيتِ حُبّاً قد ترعرعَ في الصبا
مَنْ لي بغير هواكِ يُذكي نَشوتي
20. كُنّا صغاراً حينَ قَلْبُكِ قالها :
إنّي أحبُّكَ ، فاحتَكمتِ بمُهجتي
21. وَهَوَتْ يداكِ على يديَّ وَقَبَّلّتْ
شَفَتاكِ خدّي يا مَلاكي وجَنَتي
21. وجَعلتُ كلَّ النجمِ عِقْداً صُغْتُهُ
والبدرَ عَلَّكِ تفرَحي بهديَّتي
22. واليومَ أسألُ : أينَ أنتِ مليكتي
فاحتارَ قلبي ، مَنْ يُبدّدُ حيرتي !!
23. أينَ الحبيبةُ ؟؟ أينَ عهدُ لقاءنا ؟؟
قبلَ الغُروبِ على بساطِ الخُضرَةِ
24. قد كنتِ يا هندُ الدليلَ بظلمتي
فرحلتِ حتّى أنكرتني غُربتي
25. وَجُننْتُ من فَرْطِ اشتياقي عندما
تاهت على أطيافِ بيتِكِ خطوتي
26. ( زَيتيةَ العينينِ ) عودي واذكري
عَهداً تولّى كُنتِ فيه حبيبتي
27. فَلَطالما قد قلت حينَ لقائنا :
أنتَ الهوى ، ومُنايَ أنتَ وفرحتي
28. لا شئَ يُبعدُ أو يُفرّقُ شَمْلَنا
إلا المنيّةُ ، فاستبانتْ فرحتي
29. فَمضيتُ في درب اغترابي لم أزل
أشدو بذكركِ في ليالي خَلوتي
30. فتركتُ داري راحلاً ومُسافراً
ورَضيتُ أن أحيا بدار الغُربةِ
31. حتى أجيئكِ عاشقاً متلهفاً
زوجاً يضمُّكِ بعدَ طول تَشَتُّتِ
32. ونبوحُ للملأ المحيطِ غرامَنا
ولْتُعْلِني ، قد عادَ فارسُ قصّتي
33. كم ليلَةٍ وحدي سَهرتُ مُناجياً
نجمَ الليالي في عذاب اللوعة ِ
34. ما غِبْتِ عَنّي يا حبيبةُ بُرْهَةً
فأنا بذكركِ قد جَمعتُ بقيَّتي
35. لكنها الأيام حالت بيننا
مَنْ ذا يُعيدَك كي يُحققَ بُغيتي
36. جرزيمُ جئتُكَ بعدَ طولِ فراقنا
جرزيمُ جئتُكَ كي تُعيدَ حبيبتي
37. جرزيمُ جئتُكَ سائلاً بتودّدٍ :
أينَ التي أحببتُها بطفولتي
38. جرزيمُ هل لي عندَ دَوحكَ موعداً
يُطفي لَهيبي أو يُبَدّدُ لَهفتي
39. جرزيمُ يا حبّي أتيْتُكَ ربما
شَوْقٌ دعاني كي تُكفكفَ دمعتي
40. لو كنتَ تعلمُ كيفَ بَغتةَ جاءَني
خَبَرُ تَخَفّى عبرِ سطر رسالة ِ
41. قد خطَّهُ ذاك الصديقُ بحَسْرَةٍ
حَفْلُ الزفافِ أتى مساءَ الجمعَة ِ
42. لَصُعقتَ من ألَمٍ وبتَّ مُحَطَّما
وسقطتَ في واديكَ بعدَ هُنيْهةِ
43. هلْ حَقَّ صارتْ مَنْ أحبُّ حليلَةً
غيري يُناديها إليَّ حبيبتي
44. هل حَقَّ صارت بعدَ عامٍ قد مضى
أمّاً لطفلٍ ليسَ فيه سَجيَّتي
45. مَنْ ذا يُبشّرُني بأنَّ سليبتي
قد طُلّقَتْ حتى تَعودَ حليلَتي
46. منْ ذا يُحرِّمُ ذا الزواجَ لأجلها
إنّي أحرّمُهُ خلالً شَريعتي
47. ما كنتُ أندَمُ إن عَشقْتُكِ إنّما
قد كان بُعدُكِ أمَّ عَمروٍ غلطَتي
48. إنّي كرهتُ العلمَ فَرَّقَ شملنا
وفراقُنا أضحى أساس مُصيبتي
49. يا دهرُ أمرُكَ في الغرامِ مُحيّرٌ
قُل لي : لمنْ خَلَّفتَ بعدَكَ حيرتي !!
50. إنّي خُلقتُ كشمعَة وضياؤها
كانت لهندٍ ثُمَّ ذابتْ شمعتي
51. إني ارتضيتُ لكِ السعادةَ والهنا
وأنا اكتفيتُ بلا لقاكِ تعاستي
52. ماذا جرى جرزيمُ أضحى مُقفراً
من كل طيرٍ صادحٍ وا حَسرتي !!
53. قفراً به الغربانُ تعلو أيكَهُ
وبها فقدتُ سريرتي وسكينتي
54. وصخورُه الجرداء أمستْ جَلْمدا
من بعد ما كانت ملائك رحمة
55. شَجَرُ الصنوبر قد تدلى غصنه
يأساً ، حزيناً بعد هجر أحبَّتي
56. سالت دُموعٌ من بقايا جذعه
شوقاً لماضٍ عاشَ فيه بعزّةِ
57. لو كانَ ينطقُ شاكيا لمّا بكى
مثلي ، لأدْركَ كيفَ تَحرقُ شكوتي
58. الصخرُ والشجرُ الحزينُ تَعريّا
وخَلَتْ سُفوحُكَ من ربيع الخضرةِ
59. ومضيتُ مهزوزَ الخطى بربوعه
وتُلازمُ الخطوَ المحطَّمَ أنَّتي
60. مُتَسلِّقاً ، مُتَعَثّراً ، مُتّدحرجا
ما كنتُ أدري ما يَدورُ بنيَّتي
61. وجلستُ أرقبُ بيتَها من سفحه
كالصقر يجلسُ فوقَ أعلى قمّةِ
62. فبكيتُ حينَ قرأتُ اسمي واسمَها
يَتعانقانِ على محيّا الصخرة
64. ما زالتْ الأحجارُ تذكُرُ وُدّنا
عَجَباً لقلبكِ كيفَ ينسى مهجتي
65. فلذا تَقرَّرَّ أن أعيشَ مسافراً
من غير ذكرى قد تُعكّرُ رحلتي
66. فلتعذريني إن مضيتُ فإنني
قررتُ هجراً دونَ أيِّ تَلفُّتِ
67. ولتعلمي يا هندُ أني عاشقٌ
من غير حُبّكِ قد فقدتُ هويّتي
68. أمضي بمركبتي وموجُكِ عاصفٌ
إعصارُ هجرِكِ كانَ أنهى رحلتي
الوليد
جرزيم وعيبال : جبلان يحيطان بمدينة نابلس .